بقلم خليل اسماعيل رمّال
يعرِّف ألبرت أينشتاين الجنون بأنه «القيام بنفس الشيء المعتاد ثم توقُّع نتائج مغايرة». لا ينطبق هذا الوصف على أحد أكثر من «قرطة ١٤ آذار» في أعقاب الغزو الإرهابي الداعشي للعراق. فبعد أسبوع من الصمت المطبِق، إتَّفقتْ العائلة السعودية مع خصمها اللدود قطر على تسمية الغزو الهمجي لأخطر جماعة إرهابيَّة مجرمة، بالثورة الشعبيَّة بالرغم من أنَّ آل سعود يضعونها وغيرها من جماعات القتل والمجازر وجهاد النكاح على لائحة الإرهاب. والجنون هو توقٌُع صغار «١٤ آٓذار» وأسيادهم أنْ ينجحوا في العراق بعد فشلهم الذريع في سوريا، مستخدمين نفس الأسلوب ونفس الجماعات الخوارجيَّة. حتى نظام البحرين القمعي الديكتاتوري اعتبر حرب «داعش» ثورةً ضد الإقصاء والتمذهب بينما مطالب شعب البحرين العادلة إرهاب بالنسبة للنظام الذيلي التبعي الجائر. السعودية تتحدث عن الإقصاء المذهبي والتهميش الطائفي بينما لا يحق للشيعي في السعودية أنْ يكون مدير مدرسة عدا أنَّ زواج الشيعي من سنية جريمة يعاقب عليها القانون!
وبعد منح الضوء الآخر من آل سلُّول بنشر حقدهم على العراق وكلام تركي الفيصل شقيق وزير خارجيَّة العائلة الحاكمة في الحجاز، طلع علينا «المعجزة الصاروخيَّة الإلهيَّة» خالد الضاهر جزَّار حلبا ليصف غزو «داعش» البربري بأنَّه «ثورة سنِّية ضد الحكم الحالي». ولم تمضِ أقل من ٤٨ ساعة على كشف صحيفة «الأخبار» بأنَّ تمويل «داعش» يتم في بيروت من قبل شخصيَّات مالية دينية ومدنيَّة ومن بينها صاحب دور نشر، حتَّى أحبطَتْ. العين الساهرة للمقاومة والقوى الأمنيَّة الوطنيَّة (لا دكَّانة «أمن الدولة» لصاحبها جورج قرعة وشركاه) مخطَّطاً إجرامياً إرهابياً من قبل خليَّة نائمة تابعة لجماعة «كتائب عبدالله عزَّام» تستهدف تفجير مستشفيات الضاحية عبر استعمال سيارات الإسعاف وأحزمة ناسفة داخل المستشفيات من أجل القضاء على كل المرضى والزوار والأهل والأقارب والمارَّة الذين كان سيصادف تواجدهم أثناء الانفجارات مما كان سيتسبَّب بكارثة أهلية وطنية وخسائر بشريَّة جسيمة قد تشعِل شرارة حربٍ مذهبيَّة طاحنة تحاكي فتنة العراق بعد الغزو الظلامي في بلاد الرافدين وارتكابه المجازر والقتل العشوائي المجَّاني. وبعد أيام وقع بيد الجيش صيدٌ ثمين وهو قيادي سوري في «كتائب عزَّام» كان ينسِّق مع المجرم سراج الدين زريقات المسؤول عن تفجيري «بئر حسن» والسفارة الإيرانية، إضافة الى اغتيال شخصيَّات معيَّنة لأهداف طائفية ومذهبيَّة.
ووسط هذا الجنون لم يكن أسخف من تفاجؤ أمين عام الأمم المتَّحدة بان كي مون بالمجازر «الداعشية» بعد قتل ١٧٠٠ مجنَّد عراقي بدمٍ بارد بإطلاق النار عليهم. ذلك أنَّ «داعش» تقاتل الجيش العربي السوري منذ ثلاث سنوات وترتكب المحرَّمات والموبقات بحق المدنيين والأديان وهي لم تصبح إرهابية بين ليلة وضحاها، لكن مون والغرب المنافق يسمِّي هذه الجماعة السفَّاحة، ومن يدور في فلكها، مقاتلة في سوريا وارهابية في العراق. لا عجب ففي عهد المغفَّل مون حازت إسرائيل على مقعد في «لجنة مكافحة الاستعمار» التابعة للأمم المتّحدة. والنِعَم، دولة الارهاب والجرائم والقتل والإحتلال تصبح خبيرة في جبه الإستعمار. اللعنة على هذا الزمن المقلوب!
وقد ثبت بالدليل تورُّط السعودية وقطر وتركيا وإسرائيل في حماية «داعش» من أي رد فعل عسكري أميركي أعلنه بخجل باراك أوباما من قبيل رفع العتب على أساس أنَّ جنوداً أميركيين قتلوا في العراق من قبل نفس الذين يعتبرهم الحلف الشيطاني الهجين «ثواراً»! لكن «الدواعش» لن ينجحوا في العراق بعد فشلهم في سوريا خصوصاً بعد فتوى سماحة المرجع السيِّد السيستاني بضروة انخراط الجميع من كل الطوائف للدفاع عن العراق والتي أخلَّت بتوازنهم وزعزعت أركانهم خصوصاً أنه لم تصدر فتوى مثلها منذ ٩٠ عاماً.
وإزاء تعقُّد العلاقة السعوديَّة الايرانيَّة وانعكاسها السلبي على «بلد الخربة»، تستمر الدولة اللبنانية العاجزة باتباع سياسة النأي بالنفس السلبيَّة التي وضعها السيِّء الذكر ميشال سليمان وحوت المال ميقاتي ضد سوريا فلا تنسيق مع الحكومة السوريَّة في موضوع النازحين وفرزهم وإعادة الأغلبية منهم إلى بيوتهم بعد استعادتها من الإرهابيين. ذلك أنَّ لبنان في عهد سليمان قد وقف تماماً في المعسكر المعادي لسوريا وجمَّد كل التنسيق والمعاهدات معها ولولا تنسيق ضروري للجيش اللبناني مع الجيش السوري في القلمون من أجل حماية الحدود اللبنانيَّة من فوضى وخطر المسلَّحين المنتشرين في جرود عرسال، لما كان هناك أي اتصال مع سوريا. أما في السياسة الداخلية فيقف البلد بأكمله رهينة فؤاد السنيورة ورفضه إقرار سلسلة الرتب والرواتب فيضع مستقبل الناس الذين أفقرتهم سياساته الرأسمالية الوحشيَّة الجشعة، على كف عفريت. حتى حليفته في صيدا بهيَّة الحريري لم تطق وقوفه ضد المعلمين سنداً لعصابات النظام والمصارف ووحوش المال والفساد.
كذلك مرَّ خبر إطلاق العميل الإسرائيلي منصور دياب من قبل المحكمة العسكريَّة، مرور الكرام إلا من تحرُّك متواضع للأسرى والمحرَّرين لم يكد يسمع به أحد على غرار التحرُّك ضد راعي عملاء لحد المجرمين. لمَ لا فـ«القاضية» اليس شبطيني المتمرِّسة في إطلاق العملاء كافأها ميشال سليمان بتوزيرها. وأخيراً، وليس آخراً، كل شيء وارد في البلد السائب بعد رعاية العملاء. حتى السفَّاح إتيان صقر الملقب «أبو أرز» أعلن برنامج «حراس الأرز» الرئاسي. فعلاً بلد خربة.
Leave a Reply