الجيوش تُهزم والأنظمة تسقط والجلادون يموتون إما على فراشهم كالجمال أو على أعواد المشانق، لكنها المقاومة لا تُغلب فأحلامها وأحزانها دائما تكبر كالأشجار، والشهداء يرتقون إلى جنات عليين أحياء عند ربهم يرزقون.
هذه غزة وفيها آخر معاقل المقاومة الفلسطينية، تذبح من الوريد إلى الوريد أمام ناظر 22 جيشا عربيا، لا أحد منهم يجروء على إطلاق صاروخ باتجاه إسرائيل للتخفيف عن أهل المدينة المحاصرة والمذبوحة، والجهة الوحيدة التي كان يمكن لها أن «تفزع» للفلسطينيين، وهي – حزب الله – وقفت قبالتها على السواحل اللبنانية المدمرات الأميركية ما يعني ان الحزب لو هبّ لنجدة الفلسطينيين من عملية «الشتاء الدافي» الإسرائيلية، لملأت سماء دمشق وبيروت المقاتلات الأميركية لتدك العاصمتين وتحيل مربعات إستراتيجية فيهما إلى ركام.
حتى ردود الفعل الدبلوماسية والدولية ممنوع على العرب توظيفها، فالولايات المتحدة تقف لهم في مجلس الأمن الدولي بالمرصاد، كلما توافق أعضاء المجلس على إصدار قرار يدين المذابح الجماعية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي بحق الأبرياء، يقف المندوب الأميركي معترضا.
البعض في هذا العالم وصل به التشكيك في المقاومة إلى حدّ القماءة، منهم من يرى فيها إنتحارا، ومنهم من يعتبرها أداة لتنفيذ أهداف ورغبات دول إقليمية، فيما آخرون ينظروا إليها كنوع من الإرهاب، لا يدري هؤلاء أن المقاومة نقيض للإحتلال والظلم والطغيان، لو كان الشعب الفلسطيني أرضه غير محتلة ومقدساته غير مدنسة وأبناؤه غير هائمين على وجوههم في المنافي ومخيمات الشتات، لما كان لهذا الشعب حاجة للمقاومة، فليتفضل الزعماء العرب «المعتدلون» وأبواقهم الإعلامية الجوفاء ممن يعتبرون أنفسهم محللون إستراتيجيون – ويقبضون بالعملة الخضراء – بإسداء النصيحة.. كيف لهذا الشعب أن يحرر أرضه ويفرج عن أسراه ويقيم دولته ويعيش بكرامة وأمان، بل كيف له أن يعيد ملايين اللاجئين إلى بيوتهم ومزارعهم وأرضهم السليبة؟
حتى السلطة الفلسطينية التي نكست إعلامها حدادا على أرواح الشهداء في غزة، واستلقى رئيسها على سرير للتبرع بالدم، وقطع المفاوضات مع إسرائيل واستعد لتمويل إستشفاء الجرحى في مصر، فليقل لنا هو أيضا كيف وصل إلى السلطة، وكيف وُعد بدويلة في الضفة الغربية؟ أيظن أنه سيمنح سلطة ودولة وكيان ينعم بالإزدهار لمجرد عقده مفاوضات مع إسرائيل مضى عليها منذ أوسلو 14 عاما، والعدو لم ينسحب حتى الآن من محيط مقاطعة رام الله، ولا زالت مئات المستوطنات في أرجاء الضفة ومئات الحواجز تقطعها تقطيعا، والمعابر مع الأردن لا زالت تحت السيطرة الإسرائيلية، وعشرة آلاف في السجون، وملايين في لبنان وسوريا والأردن والعالم في مخيمات بائسة.
لهذه الأسباب جميعا تقاتل غزة ولا تستسلم، لهذا يموت الأطفال والأبطال، ولهذا يحاصر مليون ونصف في القطاع، ولهذا يطلقون الصواريخ وقادة حماس يزجون في السجون أو يقتلون أو يقتل أبناؤهم.
فيا أيها الأمهات الثكلى في غزة وفي جنين ومخيم بلاطة وطولكرم ورام الله والخليل، ويا أيتها الأرامل والأيتام، يا من دمرت منازلكم على رؤوسكم، يا من فقدتم الأحبة، يا من تموتون جوعا جراء الحصار، يا أيتها الزهور التي مزقت على أغصانها، أنتم الأعلون عند الله وأنتم ستكون خاتمتكم مبجّلة وكريمة، ودماء شهدائكم ستظل تنفح ريح المسك، أنتم ستدخلون بيت المقدس فاتحين ورافعين رؤوسكم، وستدخلون التاريخ، وغيركم من الذين أنسوا الذل والسكينة والإستسلام سيبقوا دوما تحت أقدامكم، حتى لو شيدوا قصورا وبنوا جيوشا، وألفوا حضارات، هؤلاء مثلهم كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت.
Leave a Reply