حدثني صديق فقال أنه كان مع اصدقائه وعيالهم يحتسون القهوة في إحدى المولات الموجودة في قلب الأماكن السكنية اليهودية في ميشيغن، فإذ به يفاجأ بحضور مكثف لفتيات عربيات محجبات، يتوافدن الواحدة تلو الأخرى، فانفرجت أساريره ظناً منه أن المنطقة منطقة تعايش فعلي وأن العنصرية الأميركية قد تم التخلص منها إلى غير رجعة وثارت فيه الحمية إلى درجة أنه كاد أن يقف حارساً للفتيات تحسباً لاستفزاز ما من قبل النظارة هناك. لكنه سرعان ما إكتشف أن المحجبات يلبسن كنزات كتب عليها “سورية حرة”. فأحسن الظن من جديد قائلاً في نفسه أنهن يدعون إلى تحرير الجولان من إسرائيل. إلا أن تساؤل الصديق لم يطل حيث أن احداهن نفخت في صفارة فقامت المحجبات بالاصطفاف إنضباطاً وأقمن استعراضاً مسرحياً صامتاً يمثل ما يفترض أن النظام يقوم بأحداث دموية في سوريا الأبية. دب الغضب في نفس صديقنا فسأل احداهن ماذا تفعل وممن تريد تحرير سوريا قائلاً أنه ظن أنها ورفيقاتها تعملن لقضية فلسطين وتحاولن إستثارة مشاعر الناس. فما كان منها إلا أن وقفت و”نبّت” في وجهه تريد تحويل الحوار إلى “خناقة” أين منها خناقات “باب الحارة”، ثم اصفرت واخضرت فاحمرت وبدأت تسوق التهم جزافاً ضد اللبنانيين و”قلة وفائهم” لأنهم لا يقفوا كلهم كتفاً واحداً مع “مجلس الآستانة” للعمل على “تحرير” سوريا من.. بشار الأسد!
هذه العينة البسيطة فعلاً تعبر عن حضارة ما يسمى بـ”الثورة السورية” التي لا تطيق نقداً وتغازل حتى إسرائيل، العدو التاريخي، من أجل غاياتها الميكافيلية وترتضي الغزو الخارجي لبلدها من دون مراعاة لمشاعر الأكثرية الساحقة للجماهير السورية التي هبت لنصرة وطنها ورئيسها غير عابئةً بتصريحات كلينتون ومن لف لفها من رئيس وزراء كندا الحاقد إلى رئيس وزراء بريطانيا الصغرى. هذه الصور المسرحية الصامتة لم نر مثلها عندما كانت المجازر ترتكب من قبل إسرائيل في فلسطين ولبنان وسوريا ومصر والأردن وغيرها من الدول التي لم توفرها إسرائيل في تاريخها المظلم.
إلا أن المؤامرة ضد سوريا لن تنجح مهما بلغت العروض المسرحية السياسية أوجها لأن المواطن السوري قد جبل على الممانعة والمقاومة، فكيف يرضى وهو يشهد بأم عينه وأبيها الزحف المتواصل على البطون أمام اسرائيل؟ بل كيف يرضى الذل والهوان لبلده العزيز الجانب الذي كان وسيبقى قلب العروبة النابض والقوة الإقليمية التي يحسب لها حساب، وهو ينظر إلى تصرف “جبانة الدول العربية” بعد إرسال المراقبين للمعاينة على الأرض؟ لقذ ظنت مشيخة قطر، التي تتزعم رأس الحربة ضد سوريا مهما فعلت، أن مجرد أن تطأ أقدام لجنة المراقبين العرب أرض الشام، سترتفع الصيحة بسبب “المجازر الرهيبة للنظام”. إلا أن حساب حقل قطر ونواياها المخبأة لم تنطبق على بيدر الواقع الميداني فأفشل رئيس البعثة السوداني محمد الدابي آمال قطر، ومن يدورون في فلكها، عندما قال أنه لم يجد شيئاً مرعباً في حمص، كما إدعت قناتا “التزويرة” و”العبرية”. فثارت الثورة ضد الدابي من قبل قطر وفرنسا وأميركا، وهتك عرضه وعرض عائلته ونبشت قبور ماضيه في “الجانجاويد” من قبل المناكيد الذين اتهموه بالإنحياز لأنه يملك بعضاً من ضمير ولا يريد أن يكون شاهد زور على العصر ثم أن المسألة ليست بالهينة وهي مسؤولية وقضية حياةٍ أوموت. لقد ظل وزير خارجية قطر “حائصاً” لا يعرف ماذا يفعل من أجل إدانة الحكومة السورية، فأعلن فشل البعثة من نيويورك ملوحاً بتدويل الحل، وإنتقد رئيس البعثة التي أرسلها لتقصي الحقائق حتى قبل أن يستكمل عمله، ثم إستدعى اللجنة للإجتماع قبل الأوان، وأصدر بياناً حذف منه تعبير “الجماعات المسلحة” التي ضمنها التقرير الأصلي.
المواطن السوري صاحب كرامة وعزة وبالتالي فإنه لن يرضى أن يقوم السلفيون بتبرير إنهاء عدائهم لإسرائيل، فقط نكايةً بالنظام لأن اسرئيل هي العدو الطبيعي النقيض الذي لا يمكن التعامل معه، خصوصاً بعد تصريحات برهان غليون وغيره المُذلة! لقد قامت هذه الحركات التكفيرية على أسس معاداة كل قومية وكل مهادنة مع إسرائيل على حساب القضية الوطنية المقدسة: قضية فلسطين. لهذا السبب عارض التكفيريون معاهدة “كامب ديفيد” معارضة دموية واغتالوا أنور السادات شر اغتيال، لكنك تجدهم اليوم يهادنون إسرائيل ويقبلون بألف “كامب ديفيد” مقابل السلطة والإنتقال السلمي لها اليهم عن طريق الإنتخابات والديمقراطية التي يحتقرونها بشدة لأنها رجس من عمل الشيطان الغربي (سابقاً). والتكفيريون في سوريا، هم جزء من الكل وقد شهدنا “مناقبهم” في الذبح “الحلال” أمام عدسات الكامير،ا كما شهدنا أريحية ورحابة صدر المعارضة التي تجمع بين أطيافها كل الفئات “الديمقراطية” المؤمنة بالحوار والإصلاح تماماً مثل صغار”١٤ آذار”!
انها فعلاً لوحات مسرحية سياسية تلك التي تجري من حول سوريا، لكنها تبقى لوحاتٍ سوريالية لن تزعزع عزيمة الشعب السوري الذي يعرف مصلحته جيداً.
Leave a Reply