سيسجل التاريخ أن الولايات المتحدة دخل مكتبها البيضاوي يوماً رجل أسود بيّض صفحتها ولمع صورتها واستعاد هيبتها ومكانتها هو باراك حسين أوباما. شاب مثقف ووسيم كان أبوه مهاجراً من كينيا، أوصلته الأقدار لأن يصبح رئيساً لدولة عظمى، خلفاً لرئيس متوسط الذكاء، فج، أهوج، خاض حروباً لا مبرر لها، وأغرق بلاده والعالم في ازمة اقتصادية حالكة قدرت خسائرها على المعمورة بخمسين تريليون دولار، فارق الحياة السياسية بصورة مزرية له في أذهان الناس حين تلقى فردتي حذاء من منتظر الزيدي.
أوباما هذا القادم من طبقة اجتماعية شبه معدمة وكان قبل سنوات يقود سيارة يأكلها الصدأ، ومن ثم أصبح أستاذاً جامعياً فعضواً في الكونغرس، فرئيساً للولايات المتحدة، يبدو أن قلبه ظل مسكوناً بأحزان الفقراء وأِشجانهم، فلم يكن مثل جورج بوش الذي عاش حياة مترفة في بيت سياسي يتربع على أمجاد النفط والملايين، كان هذا حين تدلّهم الأحداث على راسه يسارع إلى مزرعته في كراوفورد، ليستعيد جزءاً من ذكريات الصبا والشباب المملوءة بالخضرة والماء والوجوه الحسان، في حين لا يجد أوباما ساعة الصعاب سوى اللجوء لحجر زوجته ميشيل التي يثق بها ويحبها وترك من أجلها “لذة” التدخين.
في اليوم الأول لتسلمه منصب الرئاسة، اصدر أوباما قراراً بإغلاق معتقل غوانتانامو سيء الصيت، والذي كان المعتقلون فيه يلاقون صنوفاً من التعذيب أشبه بتلك التي كانت معروفة عند الـ”غستابو” ومخابرات أنظمة تعدها أميركا مارقة، من بينها تغطيس المعتقلين في أحواض ماء لدرجة الموت غرقاً.
ومن أسبوعه الأول من الحكم بعث أوباما “رسولاً” إلى الشرق الأوسط للبدء بحل القضية الفلسطينية، فتلك قضية شديدة التعقيد عجز عن حلها رؤوساء أميركيون على مدى ستين عاماً، فهي إذن بحاجة لرسول في قدرة وحنكة جورج ميتشل كان قبلها حل القضية الإيرلندية بشكل مشرف، فكيف لن يحل نظيرتها الفلسطينية ووراءه رئيس يملأ فكره ووجدانه آلام المحرومين وآهات المظلومين، وهو القادم من حالة أشبه بحالة الفلسطينيين تحت الاحتلال.
ثم أن الرئيس أوباما قبل أن يصل إلى الحكم تصدى لمعضلة كبرى، ربما هي أوصلته إلى السلطة، قرر سحب الجيش الأميركي من العراق، مسدلاً الستار على حقبة من التاريخ الاستعماري والاحتلالي للولايات المتحدة خاضت بموجبها عشرات الحروب العدوانية في شتى بقاع العالم، كلفتها آلاف القتلى ومليارات الدولارات وصورة مشوهة وكريهة لأميركا والأميركيين في أنحاء الدنيا، أما قراره بإرسال مزيد من القوات إلى أفغانستان فذلك مرده إلى رغبة أوباما بتحقيق انسحاب مشرف وسريع من هذه البلاد، وذلك لن يتحقق إلا بقصم ظهر الإرهاب المتفشي هناك، ومغادرة أفغانستان وهي تنعم بحد أدنى من النظام والاستقرار.
أوباما لشدة اعتداده بنفسه، أعرب عن استعداده لفتح حوار مع أعداء “مختلقين” لأميركا، على رأسهم إيران وسوريا، وعلى أساس من التعاون لا الهيمنة، وهو بذلك قد يمهد للتحاور مع منظمات كانت تعتبرها الإدارات الأميركية السابقة إرهابية، يدرك أوباما أنها ليست كذلك، فهي حركات مقاومة ضد الاحتلال، بعضها لبنانية وأخرى فلسطينية.
أوباما بالأمس أمر برفع جزئي لحصار مفروض على كوبا منذ الحرب العالمية الثانية، سمح بموجبه للكوبيين في أميركا بزيارة بلادهم وقيام الأميركيين بالاستثمار هناك، وهو يستعد لإطلاق مبادرة في أيار القادم للتحاور بشأن إعادة تشكيل قانون الهجرة الأميركي، آملاً بتحقيقه قبل نهاية العام القادم.
يكفي هذا الرئيس فخراً أنه تصدى للأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها بلاده، تحدى الأثرياء والشركات العملاقة ووعد بتخفيف أوزارها على كاهل الفقراء وبإنهائها قبل انتهاء ولايته الأولى. آه لو كان لدينا في العالم العربي زعماء من طراز أوباما، لأصبحنا حقيقة خير أمة أخرجت للناس.
Leave a Reply