ديربورن – «صدى الوطن»
يخطئ الكثيرون عندما يتهمون دونالد ترامب بإثارة العنصرية ضد المسلمين في الولايات المتحدة، لأنهم في ذلك يبرؤون ساحة المسؤولين الحقيقيين عن تفشي ظاهرة الإسلاموفوبيا، وفي مقدمة هؤلاء وسائل الإعلام الرئيسية وهوليوود التي عملت منذ عقود غابرة على تشويه صورة المسلمين، ويبدو أنها مستمرة في نهجها العنصري رغم الاهتمام المفاجئ والتعاطف غير المسبوق اللذين أبدتهما تجاه المسلمين الأميركيين في الأشهر الماضية.
وإذا كانت الانتخابات الرئاسية المحتدمة قد وضعت المسلمين تحت الضوء في سياق حملة المرشحة الديمقراطية الساعية الى حشد الأقليات لهزيمة منافسها الجمهوري، حيث صدرت مئات التصريحات والتقارير الصحافية والتلفزيونية للثناء على المسلمين كأفراد ومجتمعات، فإن الإعلام لا يزال -في عمقه- معادياً لهم ولا يتردد في شيطنتهم باستمرار. وما المسلسل التلفزيوني Designated Survivor الذي بدأت شبكة «أي بي سي» ببثه في أيلول (سبتمبر) الماضي، سوى دليل آخر ساطع على نهج الإعلام وهوليود في تهميش وعزل المسلمين الأميركيين.
المسلسل سياسي من نوع الإثارة، ويقوم على سيناريو استهداف مقر الكابيتول هيل في واشنطن بهجوم إرهابي خلال إلقاء الرئيس الأميركي لخطاب «حال الاتحاد» السنوي، مما تسبب بمصرع معظم القيادات السياسية في البلاد.
ووفقاً للمسلسل، تنتقل سلطات الرئاسة الى موظف في الإدارة الأميركية، كان قد طلب منه البقاء في مكان آمن وفق بروتوكول أمني سري لانتقال السلطة في حال حدوث هجوم طارئ خلال خطاب «حال الاتحاد».
وبين من يرى أنّ ما أقدمت عليه هوليوود لا يعدو كونه حرباً سيكولوجية وتصويراً سينمائياً خيالياً لقصة افتراضية، يعتقد آخرون أنّ السلسلة التلفزيونية ترمي إلى تحقيق أجندات معينة مرتبطة بالسياسة الأميركية في التعامل مع الداخل والخارج في إطار حماية أمنها القومي.
وفي الحلقة الثانية من مسلسل «الناجي المُكلّف»، ومع استلام الرئيس الجديد طوم كيركمان (يؤدي الدور الممثل كيفر ساذرلاند) لمهامه، يقدّم العمل مدينة ديربورن كبيئة حاضنة للمسلمين المتشددين، فيما تقوم الشرطة باعتقال السكان وتقمعهم بوحشية، بأوامر من «الحاكم الطيب» الذي لا يريد سوى حماية سكان ميشيغن من مواطنيهم المسلمين، الذين يتم التعامل معهم وفق قاعدة «مذنب حتى يثبت العكس»، ولولا «شفاعة» المخبرين وحنكة البطل (الرئيس) لاستمر اعتقال الجالية المسلمة في ديربورن لفترة غير معلومة بحجة حفظ أمن الأميركيين!
بهذه الوقاحة، تنبأ القائمون على المسلسل، المستقبل الذي ينتظر المسلمين في هذه البلاد، وتحديداً سكان ديربورن التي عانت على مرّ السنوات الماضية من حملات تشويه وشيطنة في الإعلام الأميركي، حتى بات اعتقال سكانها أمراً مبرراً ومقبولاً من وجهة نظر المواطن الأميركي العادي، مع صبيحة اليوم الأول من دخول البلاد في حالة الطوارئ.
اليوم التالي من الهجوم
يبدأ مشهد باتصال الرئيس «كيركمان» بحاكم ولاية ميشيغن «رويس»، متسائلاً عن قيام الشرطة في مدينة ديربورن بتنفيذ اعتقالات جماعية للسكان المسلمين، ومطالباً إياه بوقف تلك الإجراءات.
ولكن الحاكم يرفض طلب الرئيس الجديد، ويبلغه بأنه هو من أعطى أوامر الاعتقالات من أجل حماية سكان الولاية.
ويضيف الحاكم: تدرك أن لدينا أكبر تجمع للمسلمين في البلاد.
يرد الرئيس: لكن هذا لا يعني أنهم قاموا بأي شيء خاطئ أو أنهم أصبحوا راديكاليين.
الحاكم لا: لكنني أراهنك أنهم يعرفون بأمر أحد كذلك.
الرئيس: أيها الحاكم لم يمكنك استهداف سكان أبرياء لمجرد أنك خائف.. لديك مسؤولية..
يقاطعه الحاكم بالقول: الأولوية الأولى والوحيدة بالنسبة لي هي الحفاظ على أمن المواطنين.. وهذه المسؤولية قد أثبتت واشنطن -إن كان لا يزال هناك شيء أو مكان اسمه واشنطن- أنها غير قادرة على القيام بها.
بعد ذلك يقوم الحاكم بإقفال الهاتف بوجه الرئيس المكلف قائلاً له إنه «ليس رئيسه» وسيقوم بحماية مواطني الولاية البالغ عددهم عشرة ملايين نسمة، «فيما أنت تتمرن على القيام بمهام الرئيس».
شفاعة المخبرين
وفي مشهد آخر، يتواصل الرئيس المكلف مرة أخرى بحاكم ميشيغن لكن هذه عبر اتصال بالفيديو، ويأمره بوقف اعتقالات الشرطة بحق المسلمين في ديربورن وعدم التحرش بهم، ويضيف «آمرك بالإفراج عن كل من تم اعتقاله اليوم، ولم توجه له تهم بعد».
فيرد الحاكم بالقول إن الشرطة تقوم بواجبها في حماية المواطنين، لكن الرئيس المكلّف ذكره بالدستور ولفت انتباهه الى أنه من بين المعتقلين ثلاثة مخبرين يعملون لصالح الحكومة الفدرالية، قائلاً له إنه لا يمكنه الكشف عن هوياتهم لأن ذلك سوف يهدد سرية التحقيقات، مهدداً إياه بتهمة عرقلة تحقيق فدرالي في حال عدم الإفراج عن جميع المعتقلين لتتسنى عودة المخبرين الى مهامهم.
فيرضخ الحاكم في النهاية ويستجيب لطلب الرئيس مؤكداً له أن كل ما يريده هو حماية المواطنين فقط، وأنه سوف يتصل بالشرطة للإفراج عن كل المعتقلين.
وبعد انتهاء المحادثة عبر الفيديو، يتبين أن الرئيس المكلف اختلق قصة المخبرين الثلاثة من أجل معالجة الموقف، ولولا هذه «الخدعة» لكان استمر اعتقال سكان ديربورن بحجة حماية أمن الأميركيين، وهو أمر يبرره المسلسل بقول إحدى مستشاري الرئيس بأن الحاكم «رجل طيب.. لكنه كان مخطئاً في هذه».
يشار الى أن رئيس بلدية وستلاند، الواقعة غرب ديربورن، كان أول من بادر الى انتقاد المسلسل والصورة السلبية التي روجها عن ديربورن، مؤكداً أن المدينة تنعم بالازدهار والتنوع والإلفة بين مكوناتها على عكس ما أظهر العمل الدرامي الذي وصفه بيل وايلد بالمثير للانقسامات.
ولفت وايلد في مقال رأي، نشرته صحيفة «ديترويت فري برس»، إلى أن هوليوود دأبت منذ ولادتها على تشويه صورة العرب منذ حقبة الأفلام الصامتة، مستدلاً على ذلك بما وثقه المخرج العربي الأميركي الراحل جاك شاهين في كتابه الذي تحول لاحقاً الى فيلم وثائقي Reel Bad Arabs.
بالنووي
وباستثناء وايلد لم تُسجل انتقادات تذكر من المسؤولين في ديربورن وضواحيها للمسلسل المستمر عرضه على شاشة «أي بي سي» والذي أثار أيضاً احتجاج الجزائر حيث يبرر العمل الدرامي ضرب هذه الدولة العربية بالسلاح النووي بحجة إيواء تنظيم إرهابي. وتظهر الحلقات التالية أن الجماعة التي نفذت الاعتداء تتخذ من الجنوب الجزائري معقلاً لها، لتبدأ مفاوضات بين الولايات المتحدة والحكومة الجزائرية لتسليم قائد المجموعة المدعو ماجد ناصر الملقب بـ«الصقر».
وتنفي السلطات الجزائرية -حسب ما جاء في العمل التلفزيوني- وجود هذه الجماعة الإرهابية على أراضيها، وهذا الرد أثار استياء أميركا التي قررت إعلان الحرب على الجزائر بتوجيه ضربة نووية تستهدف مقر الجماعة المسلحة التي يقودها ماجد ناصر.
في المقابل، اعتبرت جوان بولاشيك، السفيرة الأميركية في الجزائر، في أولّ تعليق لها على القضية أنّ «الأمر يتعلق فقط بمسلسل خيالي، وأن الولايات المتحدة تربطها علاقات صداقة قوية مع الجزائر». وغرّدت الثلاثاء الماضي على «تويتر» قائلة: «آسفة لأنّ الناس كانت مستاءة، السلسلة مجرد عمل خيالي، والولايات المتحدة الأميركية تربطها علاقة صداقة قوية مع الجزائر».
أوريلي تعليقاً على مسلسل Designated Survivor: دعونا لا نفاقم الموضوع
سامر حجازي – «صدى الوطن»
في حديث لـ«صدى الوطن»، نفى رئيس بلدية ديربورن جاك أورايلي علمه بشأن تفاصيل المسلسل التلفزيوني Designated Survivor، لافتاً الى أنه سيكتفي حالياً برسالة احتجاج وجهها الى الجهات المنتجة للعمل التلفزيوني (استديوهات شبكة «أي بي سي»، و«شركة مارك غوردون»، و«كينبيرغ جينر»).
وقال أورايلي: «إنهم لا يتحدثون عن مدينتنا، إنهم يتحدثون عن مدينة خيالية»، وأضاف بأنهم «لا يدركون أن هذا شيء فظيع بالنسبة لنا، مشيراً الى أن «السكان الذين يعيشون حولنا في هذه المنطقة، يعلمون أن لا شيء من هذا صحيح».
وتابع أورايلي حديثه قائلاً بأنه لا يعتقد بأن المسلسل يشكل «خطراً كبيراً» كأن يعتقد سكان المنطقة بأن شيئاً ما يجري في ديربورن، «لكن الناس الذين يعيشون في مناطق بعيدة عنا لا يدركون أن هذا المسلسل مجرد عمل ترفيهي.
وأشار أورايلي إلى أن مكتبه -خلال السنوات الماضية- كان يغص بأفراد من المجتمع المحلي يحثونه للرد على التشويهات التي تستهدف صورة مسلمي المدينة، لكن هذه المرة لم يبادر أحد منهم للحديث معه في هذا الخصوص، كما حدث في السابق خلال زيارات حارق القرآن، القس المتعصب تيري جونز، لمدينة ديربورن، أو عندما أظهر تقرير مسرب أن المدينة مصنفة كثاني مدينة في أميركا تضم مواطنين أدرجت أسماؤهم على «لائحة مراقبة الإرهاب» الفدرالية.
وأكد أورايلي أن أحداً من سكان المدينة هذه المرة لم ينبهه إلى المسلسل التلفزيوني، مضيفاً أنه يفكر فيما إذا كان من الأفضل عدم إعطاء الموضوع أهمية أكثر من اللازم «حتى لا تسوء الأمور». وأضاف قائلاً «لا أريد للأمر أن يتطور إلى جدال وطني طالما لا توجد حاجة لذلك»، واستدرك بالقول: «يمكننا أن نقوم بذلك ونشعر بالارتياح، ولكن هل سيغير ذلك من الأمر شيئاً؟ لا يمكننا مقاضاتهم لأنهم لم يقوموا بالتشهير بنا».
وتمنى أورايلي لو استخدم القائمون على العمل «إسماً متخيلاً» لمدينة تضم كثافة عالية من المسلمين، بدل استخدام إسم مدينة ديربورن، ولكن تلك الحلقات عرضت ولا مجال للعودة إلى الوراء».
وأضاف: أن المبالغة في حبكة قصة المسلسل، حيث قتل تقريباً جميع المسؤولين في العاصمة واشنطن (بحسب الحلقات المعروضة) تظهر بوضوح أن «العرض ليس واقعياً وليس هناك نية لأن يكون كذلك».
جدير بالذكر أن حلقات مسلسل «الناجي المكلّف» الذي يعرض على شاشة «أي بي سي» في الساعة 10 من مساء كل أربعاء، تستقطب جمهورا واسعاً من مشاهدي التلفزيون، حيث أشارت شبكة «أي بي سي» إلى أن العمل قد حقق نسب مشاهدة عالية جداً، وفق بيانات المشاهدة حسب الطلب، متقدمة بذلك على بعض العروض الشهيرة مثل «إمباير» و«ذي فويس» و«بيغ بانغ ثيري».
وفي بيان أرسلته لصحيفة «صدى الوطن» أدانت رئيسة مجلس بلدية ديربورن سوزان دباجة الطريقة التي تناول بها مسلسل «الناجي المكلف» مدينة ديربورن، وقالت إنه «لا يمثل مجتمعنا»، وأضافت إنه تصوير مضلل وغير عادل للمدينة. ونظراً إلى المناخ السياسي الحالي على منتجي البرامج التلفزيونية والمحطات أن يتمتعوا بالمسؤولية ويعيدوا النظر بما يصنفونه ترفيهاً.
Leave a Reply