ديربورن، ديربورن هايتس
شهد شهر رمضان المبارك إقامة العديد من مآدب الإفطار الرسمية والأهلية بمنطقة الديربورنين، وذلك بعد توقف متقطع لفعاليات الشهر الفضيل خلال السنوات الأخيرة بسبب تداعيات وباء كورونا وتبعات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ولبنان التي أرخت بظلال ثقيلة على المجتمعات العربية والإسلامية الأميركية في ولاية ميشيغن، وعموم الولايات المتحدة.
وفي الإطار، أقام رئيس بلدية ديربورن عبدالله حمود مساء الأربعاء 12 آذار (مارس) الجاري حفل إفطار رسمياً في صالة «بيبلوس» بحضور زهاء 700 شخص إلى جانب عديد المسؤولين الحكوميين والرسميين المنتخبين، من بينهم نائب حاكمة ولاية ميشيغن غارلين غيلكريست ونائب محافظ مقاطعة وين أسعد طرفة ورئيس بلدية ديترويت مايك داغن وشريف مقاطعة جينيسي كريس سوانسون ومفوض مقاطعة وين سام بيضون والمشرف العام على منطقة ديربورن التعليمية الدكتور غلين ماليكو وقائد شرطة ديربورن عيسى شاهين، ومسؤولون آخرون.
خطاب وحدوي
في كلمة مقتضبة سبقت مائدة الإفطار، أشار رئيس البلدية اللبناني الأصل إلى قيم التنوع والشمول التي تتمتع بها مدينة ديربورن، لافتاً إلى أن المعاني الرمضانية تعزز أواصر العلاقات الاجتماعية بين الأفراد بمختلف فئاتهم وشرائحهم، وتنشر أجواء الألفة والتكافل بين الناس، وقال: «نادراً، ما تُتاح لي فرصة حضور فعالية يجتمع فيها البيض والسود والسمر، والمسيحيون والمسلمون واليهود، جميعهم في غرفة واحدة، وأعتقد بأن هذا الأمر يُحسب لمدينة ديربورن، المدينة المرحبة للغاية بالجميع».
وأعرب حمود عن أمله في تنظيم المزيد من اللقاءات التي تعزز التفاهم المجتمعي وتقوّي جسور التواصل بين مختلف الشرائح الاجتماعية، داعياً إلى ضرورة العمل على توسيع وتفعيل الحوار بين أتباع الديانات والمذاهب المتعددة.
وقال رئيس البلدية الذي يسعى للاحتفاظ بمنصبه في انتخابات العام الجاري، إنه «على الرغم من حاجتنا إلى العمل على حوار الأديان، فإنه نادراً ما يحدث أن يجتمع السنّة والشيعة، وكذلك اليمنيون واللبنانيون والعراقيون والفلسطينيون والسوريون، لتناول الإفطار معاً، وأعتقد بأن الوقت قد حان لنسهم في بذل المزيد من الجهود في هذا المجال».
وفي حين يشكل الصيام والصلاة مظهرين أساسيين من مظاهر التعبد في رمضان، إلا أن أعمال الخير والإحسان والتواصل الإنساني تعد جزءاً لا يتجزاً من روحانيات الشهر الفضيل، حيث «تتقاطع معاني الصوم مع معاني التقوى والتراحم»، بحسب حمود الذي جدّد التزام ديربورن باحتضان التنوع الثقافي وتعزيز قيم الانفتاح والتعايش، مهنّئاً سكان المدينة، وكذلك جميع المسلمين حول العالم، بحلول الشهر الفضيل.
تضامن اجتماعي
في مأدبة إفطار رسمية أخرى، استأنف رئيس مجلس بلدية ديربورن هايتس، محمد (مو) بيضون، إقامة مأدبة الإفطار السنوية لتكريم قسم الإطفاء في المدينة، بعد تعليقها العام الماضي تضامناً مع ضحايا الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان.
المأدبة التي أقامها بيضون للمرة الرابعة في مقر إطفائية ديربورن هايتس يوم الاثنين العاشر من رمضان، (قبل استئناف العدوان الإسرائيلي على غزة) كانت قد بدأت فكرتها بممازحة بين بيضون وبين قائد الدائرة فيل هول في عام 2021، عندما طلب الأخير من عضو مجلس المدينة آنذاك، استضافة طاقمه على مائدة إفطار، ليوافق بيضون على الطلب بشرط أن يصوم هارت في ذلك اليوم.
واستقطب إفطار الإطفائيين هذا العام زهاء 100 شخص من كافة الخلفيات الاجتماعية والإثنية في المدينة ذات التنوع الديني والثقافي، من بينهم نائب محافظ مقاطعة وين أسعد طرفة، والنائب في مجلس ميشيغن التشريعي عن مدينة ديربورن العباس فرحات، وشريف مقاطعة وين رافايل واشنطن، ورئيس مجلس مدينة ديربورن هايتس السابق دايف (وسيم) عبدالله، وعضو مجلس المدينة الحالي حسن صعب.
ورّحب قائد دائرة الإطفاء فيل هول بالحضور، معرباً عن سعادته بازدياد المشاركين في الفعالية، وقال: «هذه مناسبة عظيمة، لقد بدأت بعدد محدود، ولكن لدينا اليوم حضور كبير من سكان وفعاليات المدينة، وإننا نعدكم بإقامة هذه المأدبة وتحويلها إلى تقليد سنوي طالما واظبتم على المجيء إلينا».
ولفت قائد الدائرة التي تضم زهاء 60 إطفائياً إلى تزايد عدد الإطفائيين الذين جرّبوا الصوم خلال السنوات السابقة لمشاركة مسلمي المدينة شعورهم وثقافتهم الرمضانية، لافتاً إلى أن عددهم في يوم المأدبة «تراوح بين 12 إلى 15 إطفائياً»، وقال ممازحاً: «لم أتحرَّ العدد بدقة، لأنني كنت صائماً»، في إشارة إلى صعوبة الامتناع عن الطعام والشراب من الفجر ولغاية المغرب.
وأوضح هول، بأن المبادرة، آنفة الذكر، أسهمت في تعزيز التفاهم بين رجال الإطفاء وأفراد المجتمع، قائلاً: «إن اختبار بعض إطفائيينا لتجربة الصوم، وكذلك تجربة الإفطار مع الصائمين الآخرين، تتيح لهم التعرف بشكل أعمق على الثقافة الإسلامية في هذه المدينة الجميلة التي تضم أعداداً متزايدة من المسلمين».
أما بيضون الذي يخوض انتخابات رئاسة البلدية هذا العام، فقد أعرب عن أمله في أن تتحول مأدبة الإفطار إلى تقليد سنوي، مؤكداً أن «عناصر الإطفاء في ديربورن هايتس ليسوا مجرد موظفين في المدينة، بل هم جزء لا يتجزأ من مجتمعنا، وهم يعملون دائماً من أجل سلامتنا، ومن واجبنا أن نُظهر لهم تقديرنا وامتناننا».
وكان بيضون قد أفاد لـ«صدى الوطن» بأن «مأدبة إفطار الإطفائيين» تتوخى تعزيز الروابط بين المجتمع المحلي والمؤسسات الرسمية في المدينة ذات الكثافة العربية، مشيراً إلى أن المناسبة تشكل فرصة لرجال الإطفاء لاختبار تجربة الصيام ومشاعر المسلمين خلال الشهر الفضيل، إلى جانب توثيق أواصر التعاون والتفاهم بين الجميع.
مؤسسات محلية
يشهد شهر رمضان في منطقة ديترويت إقامة العديد من حفلات الإفطار الخيرية التي تنظمها المؤسسات والجمعيات الأهلية، ومن أكبرها الحفل السنوي لـ«مؤسسات الصدر–أميركا الشمالية»، الذي استقطب في نسخته الخامسة والعشرين يومي السبت والأحد الماضي، أكثر من 1,500 شخص توافدوا إلى «المركز الإسلامي في أميركا» بمدينة ديربورن، بحضور كريمة الإمام المغيّب موسى الصدر، السيدة رباب الصدر القادمة من لبنان، وكذلك شقيقها حميد الصدر، إلى جانب مدير عام «مؤسسات الصدر» نجاد شرف الدين.
وبحضور فعاليات مجتمعية ودينية وتجارية من منطقة ديربورن، أعرب المسؤولون في «مؤسسات الصدر» عن شكرهم لدعم المغتربين اللبنانيين لبرامج المؤسسة الخيرية التي تأسست في مطلع ستينيات القرن المنصرم، والتي تسعى عبر برامجها وخططها التنموية إلى «بناء المجتمع العادل المتعافي من الجهل والفقر والمرض»، بحسب الموقع الإلكتروني لـ«مؤسسات الصدر».
وبينما شكرت رباب الصدر المغتربين اللبنانيين في ولاية ميشيغن على «ثقتهم ودعمهم المتواصل» للمؤسسة الخيرية، أوضح السيد نجاد شرف الدين بأن الحفل السنوي لـ«مؤسسات الصدر» هذا العام يكتسب «معنى خاصاً» بسبب تبعات الحرب الإسرائيلية على لبنان خلال الشهور السابقة، والتي أسفرت عن تهجير عشرات آلاف اللبنانيين من مدنهم وقراهم في جنوب وشرق البلاد.
وخلال الحفل الذي تضمن سحب يانصيب على تذكرتي سفر لزيارة العتبات الشيعية المقدسة، تم تسليط الضوء على إنجازات المؤسسة الخيرية وبرامجها التعليمية والخدماتية والاقتصادية والتربوية التي تولي أهمية كبيرة لتأهيل المرأة اللبنانية وتفعيل دورها في المجتمع، وفي الحياة العامة.
وفي حفل حاشد آخر، أقامت مؤسسة «طه فاونديشن» حفل إفطارها السنوي الثاني في «نادي بنت جبيل الثقافي» بمدينة ديربورن يوم الأحد الماضي، بحضور حشد من أبناء الجالية وفعالياتها الدينية والأهلية حيث تم جمع التبرعات لدعم المنظمة الأم لـ«مشروع عاشوراء» الذي ينظم سنوياً –منذ عام –2017 مسيرة عاشورائية من ثانوية «فوردسون» إلى منتزه «فورد وودز»، بمناسبة أربعينية الإمام الحسين.
وخلال الحفل الذي تضمن أيضاً سحب قرعة لزيارة العتبات المقدسة، أعرب رئيس «كشافة المصطفى» لدى مؤسسة «طه»، علي ناصر، عن شكره وامتنانه لدعم الجالية المستمر لكافة المشاريع التربوية والثقافية والاجتماعية لدى مؤسسة «طه» التي قامت –خلال العام المنصرم– بنقل جميع برامجها الدورية إلى مقرها الجديد في مدينة ديربورن هايتس.
وكانت «طه فاونديشن» التي تأسست في مدينة ديربورن عام 2013، قد اشترت عام ٢٠٢٢ عقاراً ضخماً في مدينة ديربورن هايتس لجعله مركزاً لها بهدف «تعزيز القيم الإسلامية وحماية اليافعين والشباب، إلى جانب تأهيلهم لكي يكونوا قادة ناجحين في المستقبل»، بحسب المسؤولين في المنظمة.
وأشار ناصر إلى أن المنظمة المجتمعية عانت من صعوبات مالية خلال العام الفائت بسبب تبعات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ولبنان، لافتاً إلى تغلبها على العقبات المالية بفضل «الدعم المجتمعي»، ونجاحها في مواصلة العديدة من البرامج، بما فيها برامج عاشواء، وكشافة الأطفال الذي شهد العام الماضي انضمام 25 عضواً، ليصل عدد الكشافة لديها إلى 531 من 324 عائلة.
وقال ناصر إن «طه فاونديشن» نجحت أيضاً في إعادة تأهيل كنيسة في العقار الجديد وتحويلها إلى صالة متعددة الأغراض باسم «قاعة الزهراء» التي تستضيف حالياً العديد من الفعاليات، بما فيها أنشطة «مؤسسة نرجس» للنساء، وهي مؤسسة مجتمعية مستقلة في منطقة ديربورن.
وخلال الحفل، تم عرض فيديو قصير حول أنشطة «طه فاونديشن»، كما ألقى رئيس المنظمة السيد نجاح الحسيني كلمةً شدد فيها على ضرورة دعم المؤسسة مادياً ومعنوياً، مؤكداً أن هذا الدعم «يعود بالنفع على المؤمنين في الدنيا والآخرة».
ومن المتوقع أن يشهد الأسبوع الأخير من شهر رمضان إقامة العديد من حفلات الإفطار الأخرى التي ستنظمها منظمات ومراكز دينية محلية، بالإضافة إلى الجمعيات الأهلية غير الربحية.
نوادٍ اجتماعية
كما يتميز شهر رمضان في ديربورن بإقامة مآدب إفطار للنوادي الاجتماعية التي غالباً ما ترتبط بالقرى والبلدات الأم، مثل بنت جبيل وبرعشيت وغيرهما.
وفي السياق، أقام أهالي بلدة كفرحونة في جنوب لبنان، حفل إفطار يوم الأحد الفائت في قاعة «بيبلوس» بحضور المئات من أبناء البلدة وضيوفهم، وسط كلمات عكست روح التعاون والتآخي المجتمعي.
وبينما أكد المهندس غانم ريشوني، مدير العلاقات العامة لدى «نادي كفرحونة» على أهمية تعزيز التواصل مع جميع مكونات المجتمع العربي الأميركي بمنطقة ديربورن، استعرض الدكتور حسين عجروش مهام النادي وإنجازاته خلال الفترة الماضية، مسلطاً الضوء على الجهود المبذولة لتعزيز العمل الجماعي بين أبناء البلدة الجنوبية الواقعة في قضاء جزين.
وأما كلمة المحامي محمد نعمة، فقد شددت على المعاني الدينية لشهر رمضان المبارك، وكذلك على أهمية الروابط القوية بين أبناء البلدة، وضرورة تعزيز التعاون بينهم لدعم وتطوير المجتمع بشكل أفضل، مؤكداً أن التكاتف والتضامن هما الأساس لبناء مستقبل مزدهر للجميع.
وفي لقاء مماثل، أقام «نادي صلحا الاجتماعي» حفل إفطاره السنوي الثالث في صالة «بيبلوس» قبل أسبوع واحد، بحضور حشد كبير من أهالي البلدة التي تعد من القرى السبع المحتلة.
وشهد الحفل مشاركة واسعة من رجال الدين وفعاليات المجتمع المحلي ووفد من مؤسسة «الأمل» الاجتماعية
وألقى كلمة النادي أمين السر الحاج غسان عون الذي تناول معاني شهر رمضان المبارك مثنياً على الحضور الحاشد، وداعياً إلى مد جسور المحبة والتواصل بين أبناء البلدة الواحدة. واختتم الاحتفال بتوزيع الهدايا على الأطفال.
وبلدة صلحا هي قرية فلسطينية مهجرة، تقع على بعد 12 كم إلى الشمال من مدينة صفد، وتحدها بلدة مارون الراس على الجانب اللبناني. واحتلت صلحا على يد عصابات الهاغاناه الإسرائيلية مع مجموعة من القرى المجاورة يوم 30 تشرين الأول (أكتوبر) 1948.
Leave a Reply