المأدبة نصف السنوية لجمع التبرعات التي أقامها المركز الإسلامي في أميركا الأحد الماضي، كانت غير “عادية”، ليس بالنظر إلى الشكل الذي ينعقد في إطاره هذا النوع من المآدب، بل من حيث المضمون الذي حمل “جديدا” في خطاب إمام المركز السيد حسن القزويني وفي انتقاء أفراد من الجالية العربية ومن المجتمع الأميركي للحصول على جوائز تحمل اسم مؤسس المركز ورائد العمل الإسلامي في أميركا الإمام الراحل المغفور له الشيخ محمد جواد شري.
أما الموعظة التي القاها إمام المركز السيد القززويني في المناسبة فقد بدت فريدة في بابها واعتمدت الانخراط المباشر في ما يعني قضايا الناس وهمومهم مبتعدة عن الكلام المقولب الذي سئم الناس سماعه منذ سنين طويلة.
توجه إمام المركز إلى الحضور الحاشد الذي ملأ قاعة المركز بالحديث عما يتصل بتفاصيل حياتهم ومشاكلهم خصوصا مشاكل الشباب، وساق امثلة من صلب واقع الحياة الاجتماعية لبعض الأسر العربية والمسلمة، منبهاً ومحذراً من تفاقم ظواهر وأمراض اجتماعية خطيرة، داعيا الأهل إلى التدقيق في سلوك أبنائهم وبناتهم وعدم الركون إلى ما يسمعونه منهم عن كيفية صرف أوقاتهم ومخصصاتهم خارج المنزل.
الموعظة بدت متحررة أيضا من أسر الخطاب المكرر عن الطقوس والشعائر وضرورة الالتزام بها على أهميتها، فلم تقتصر كالعادة، على علاقة الإنسان المسلم بربه، وتلاوة شروط قبول الناس في “نادي المؤمنين” بطريقة تحمل من الترهيب أكثر مما تحمل من الترغيب. تحدث إمام المركز بجرأة عن عدم اقتصار الإيمان على طقوس العبادة وما يتصل بهما من تفاصيل، بات المؤمنون يحفظونها عن غيب ولا داعي لصرف جل المواعظ على التذكير بها.
تناولت الموعظة جوانب من سلوك الناس وشددت على مفاهيم مثل الصدق والنزاهة والاستقامة والابتعاد عن النميمة وأذى الكلام واحترام القوانين والولاء للبلاد التي نقيم على أرضها، مثلما حثت على القيام بالواجبات المدنية من مشاركة في الانتخابات وسواها.
أما وجه الجدة اللافت والهام الذي ارتدته المأدبة فتمثل بعدد من الجوائز التي منحها المركز وحملت اسم مؤسسة الراحل الإمام محمد جواد شري والذي كرست المأدبة لإحياء ذكرى غيابه السنوية الثانية عشرة، بعد عرض شريط مصور عن أبرز محطات حياته وخدمته للجالية المسلمة في هذه المنطقة.
وكانت الخطوة الأكثر توفيقا وإصابة هي منح “جائزة الإمام محمد جواد شري الإنسانية” لسيدة أميركية مسيحية تدعى شيري لادويغ أقدمت على التبرع بكليتها لشاب عربي مسلم يدعى رامي حيدر (نشرت “صدى الوطن” القصة خلال شهر رمضان الماضي).
كان مشهد تسليم المتبرعة الأميركية جائزتها التقديرية مشهدا إنسانيا غاية في التأثير والتعبير، عندما اعتلت السيدة الأميركية منبر المركز الإسلامي وسط وقوف وتصفيق الحضور تقديرا لها، وبما فاق في دلالاته الجائزة الرمزية ذاتها، لتقول باقتضاب “إن العمل الإنساني الذي أقدمت عليه عليه يحتاج إلى الإيمان وإلى إرادة للقيام به”. كانت تلك الكلمات المقتضبة أبلغ من أطول خطاب يمكن أن يقال في موقف كهذا.
وتنبع أهمية هذا التكريم الذي أصاب به القيمون على المركز الإسلامي، من ندرة هذا النوع من المبادرات التكريمية، لدى المؤسسات والمراكز الدينية والاجتماعية التي تملأ خواء دورها بحفلات تكريم مكلفة وملفقة وعديمة الجدوى أو المنفعة العامة أو حتى الدلالة الرمزية لمفهموم التكريم ودوافعه ومبرراته.
المركز الإسلامي يستحق تحية تقدير على مأدبة تميزت بمبادرات نبيلة، وخطاب يحترم عقول الناس ويؤمل أن يتمثل بها المصابون بـ”وسواس” التكريم لأي كان، بصرف النظر عن أهلية المكرم وحجم الأثر الاجتماعي والإنساني الذي يحدثه في مجتمعه أو بيئته.
هكذا يمكن القول إن مؤسسة المركز الإسلامي أقامت مأدبة ناجحة ليس فقط بمقياس حجم التبرعات التي جمعتها، على ضرورة هذا الوجه من أوجه النجاح للمآدب السنوية أو النصف سنوية، بل بالمضمون التثقيفي والإنساني الذي تطرحه أمام جمهور المؤمنين والذي يجب أن يتقدم على أية اعتبارات أو مقاييس أخرى للنجاح.
Leave a Reply