لن يكن هناك أكثر من هكذا مفارقة عجيبة غريبة كالتي حصلت في شبه الوطن منتصف الأسبوع المنصرم!
كارثة جوية وطنية لبنانية أو “كوتونو-٢” فجعت قلوب كل الناس نجمت عن تحطم الطائرة الأثيوبية فوق سماء حزام البؤس في الاوزاعي، راح ضحيتها خيرة الرجال والنساء من الذين أهملهم “وطنهم” ولم يكد يعترف بهم لكنهم بادلوا جحود نظامه البالي وحكوماته الرثة سياسياً وشعبياً بتأمين شريان الحياة فيه عبر أموالهم التي حصلوها بالجهد والتعب والدماء والدموع وحتى الأرواح الغالية.
وبينما كان أهالي هؤلاء الضحايا المصعوقين والملدوعين وغيرالمصدقين أنهم يودعون ابناءهم إلى الأبد على شاطئ البحر في اليوم التالي، الضحايا من عوائل جبل عامل الصامد الأبي الذين حضنهم البحر العاصف وكأنه أراد أن يعوضهم نكران جميل نظام بلدهم العاق، كان يتم تكريم محمد الحوت المدير العام لشركة طيران الشرق الاوسط من قبل رئيس مجلس الإدارة المدير العام لبنك “الاعتماد اللبناني” جوزف طربيه، الذي للصدفة يحتل أيضاً منصب رئيس الرابطة المارونية. وحضر التكريم “لتجديد” الثقة بمحمد الحوت، لمناسبة إعادة انتخابه رئيساً لمجلس الادارة ومديراً عاماً لشركة طيران الشرق الاوسط” ثلةً من علية القوم في فندق “فنيسيا” في حين كان أهالي الضحايا يقبعون على شط البحر وهم قلقون على فلذات أكبادهم وعلى كيفية إكرام أمواتهم بدفنهم تحت الثرى وليس تحت الماء!
في اليوم الثالث نشرت جريدة “الأخبار” الوطنية تقريراً عن تجاوزات الحوت الذي حول شركة طيران الشرق الاوسط إلى مملكة خاصة له ولحزبه. وككل شيئ في لبنان المؤسسات أصبحت ممذهبة تماماً ومجرد إقطاعيات لأمراء الطائفة المالكة ومن يقتات على بقاياها. لكن الطامة الكبرى لهذه الشركة “الوطنية” يبقى تقصيرها عن تلبية حاجات المغتربين في بلدان اغترابية معينة مثل أفريقيا. فهناك جاليات لبنانية مكافحة في ساحل العاج وكوتونو وأنغولا والسنغال وغيرها تضطر إلى إستعمال طائرات أوروبية كترانزيت إلى القارة السوداء فيتعرض هؤلاء المغتربين إلى شتى أنواع الإهانات في مطارات أوروبا وإلى أكثر من ٢٠ ساعة طيران. فهذه الجاليات لهكذا شركة طيران وحكومات متعاقبة هي غير مهمة لأن ابناءها ليسو من الطائفة المالكة وإن اعطوا وطنهم الحرية والعزة والكرامة. وكما بني هذا الوطن، هناك في الإغتراب أبناء ست وأبناء جارية.
المفروض أن وقوع كارثة وطنية بحجم خسارة من هذا النوع تستدر الاجماع والعطف والتعاطف مع الأهالي المنكوبين فالمصيبة تجمع، أما في وطن التكاذب المشترك فإن هذه الكارثة المهولة تحولت عند البعض وكأنها حادثة سير بسيطة طالما “زاحت عني بسيطة”. فسمير جعجع تمتم بكلمات تعزية مبهمة لرفع العتب ليس إلا، في حين أن البطرك الذي أقام مشكوراً قداساً على أرواح ضحايا “١١ أيلول” لم يقدم واجب التعزية حتى بالضحايا من المسيحيين! طبعاً فعقل هاشم بنظره شهيد ويستحق كل التعازي لأنه من أصحاب الدار! أما نائلة معوض وتلك التي اعدت أطبقاً شهية لشارون فكانتا مشغولتان بحفلة “البونبون”!
على صعيد آخر، كان الجمهور مشغولاً بأمور “أهم” من حادثة الطائرة الأثيوبية. كانوا منشغلين بحادثة خطف محمد المجذوب لنفسه لغرض تسعير فتنة سنية-شيعية في هذا الوقت بالذات وفي حمأة التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان وإستمرار حديث البطرك عن وجود جيش ثانٍ في لبنان. فقد وقى الله لبنان فتنةً كانت ستذهب بالأخضر واليابس. ذلك أن والد المجذوب الذي إستنفر طائفته بعمامة ابنه، الذي يظهر أنه تخصص في روايات ارسين لوبين البوليسية إضافةً إلى “علم الفتنولوجي” الجديد، لقي تجاوباً من كبار الطائفة الذين كانوا يحضرون لخطاباتٍ نارية فتنوية مالم يظهر المجذوب الذي إعتقل وهو يقضي وقته على الكمبيوتر في حين كان يمكن أن تسيل الدماء إلى الركب! فأحمد فتفت القبضاي في مرجعيون نظر أن المجذوب أصبح في سوريا ضارباً على وتريبدو أنه غير وتر سعد الحريري (أو هكذا يراد أن يوحى لنا). هذا المخطط يجب أن لا يمر مرور الكرام. فالحديث عن علاقة المجذوب بالعميل الإسرائيلي الحمصي دليل على وجود مؤامرة كبيرة لن يسلم منها لبنان.
بالعودة إلى “كوتونو-٢” أنه لمن المستهجن الا تبحث فرضية الأصابع الإسرائيلية وراء هذه الكارثة. فمعلوم أن إسرائيل لن تألو جهداً في سبيل الضرر بلبنان داخلياً طالما أنها غيرقادرة عسكرياً على الإنتصار وخصوصاً بعد هزمتها المنكرة في ٢٠٠٦.
كتب على هذا الشعب الصابر الصامد أن يتحمل ويدفع الجزية عن الجميع.فرحمة الله على ضحايا الطائرة من الشهداء ودفع الله عن أهلهم البلاء فليس لهم الا الله ورسوله والمؤمنون
Leave a Reply