إسرائيل تنظر إلى الفلسطينيين في أرضهم من الناحية الديمغرافية، على أنهم قنبلة موقوتة ستنفجر يوما لتدمر الحلم الصهيوني، بإقامة دولة يهودية «نقية» وديمقراطية في آن معاً، والقائمون على إنشاء دولة إسرائيل سعوا منذ أكثر من قرن إلى دفع اليهود في أرجاء العالم للهجرة إلى أرض «اللبن والعسل» حين كانت نسبة اليهود هناك لا تتعدى 8 بالمئة من مجموع السكان. وحين أنشأت إسرائيل عام 1948 طردت عصابات الهاغاناه والأورغون 700 ألف فلسطيني وهجرّتهم إلى لبنان وسوريا والضفة وغزة والأردن، بعدما ارتكبت تلك العصابات مذابح ضد المدنيين ترددت أصداؤها في عموم فلسطين. ثم جاءت نكسة 1967 فيما يعرف بحرب الأيام الستة لينضم مئات الآلاف من النازحين إلى من سبقوهم ليشكلّوا جميعا شتاتا فلسطينيا لم يسبق له مثيل في التاريخ الحديث (تشير الإحصائيات إلى أن عدد الفلسطينيين المهجرين عن ديارهم يصل إلى أكثر من خمسة ملايين).الآن يعيش داخل ما يعرف بالخط الأخضر 1،2 مليون فلسطيني يحملون الجنسية الإسرائيلية، تعتبرهم تل أبيب شوكة في حلق إسرائيل، فهؤلاء معدّل تكاثرهم ضعف معدل التكاثر السكاني لليهود البالغ عددهم حوالي ستة ملايين، والخشية أن يفوق عدد العرب عدد اليهود في غضون بضعة عقود، أو أن يصبح هؤلاء أقلية في دولتهم.من أجل ذلك عمدت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إلى سن قوانين وتشريعات وإتخاذ إجراءات على الأرض من شأنها إفراغ فلسطين من ساكينها الأصليين، عبر تسهيل هجرتهم إلى أميركا والدول الغربية وعبر التضييق عليهم في أماكن سكناهم، كما شهدنا في الشهور الأخيرة من عمليات إزالة لأحياء بأكملها في يافا، وهدم للبيوت في أجزاء متفرقة من الضواحي القريبة من مدينة القدس، بحجة عدم حصول أصحابها على تراخيص للبناء، إضافة إلى إقامة بؤر إستيطانية داخل الأحياء العربية في قلب المدينة المقدسة، بهدف دفع الفلسطينيين إلى بيع عقاراتهم والخروج إلى ضواحي بعيدة. ناهيك عما تمارسه إسرائيل من تضييق على الحريات المدنية والنشاطات السياسية المشروعة التي يمارسها قياديون ودعاة ووجهاء داخل الخط الأخضر، وخير دليل على ذلك التعسف الذي طال الدكتور عزمي بشارة لمجرد زيارته دمشق، وإطلاق التهديدات ضده، بأنه إذا ما عاد إلى مسقط رأسه فستتم محاكمته وسجنه بتهمة الإتصال بجهات معادية، ما اضطر بشارة إلى التنازل عن حصانته الدبلوماسية كنائب في البرلمان الإسرائيلي وبقاءه طريدا في البلاد العربية.خشية إسرائيل من القنبلة الموقوتة لا تقتصر على الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، وإنما في الضفة وغزة البالغ عدد سكانهما 3،5 مليون نسمة (تعتبر غزة الأعلى في نسبة التكاثر على مستوى العالم 4,4 بالمئة، وهي الأعلى كثافة سكانية)، لذلك انسحبت منها، وفككت مستوطناتها من حواليها، وهي إضافة مستعدة للإنسحاب من الضفة الغربية وتفكيك مستوطنات مبعثرة فيها، ضمن إتفاق سلام. واحد من جملة شروطه مبادلة للأرض بسكانها، تتخلّص فيه إسرائيل من عدة مناطق في مثلث الجليل مكتظة بالعرب، في مقابل ضمّها مستوطنات كبرى مقامة في الضفة الغربية وقريبة من حدودها.وهكذا يوما بعد يوم تتبدى لنا أجزاء من صورة المؤتمر الدولي المقترح عقده في أنابوليس بولاية ميريلاند أواخر هذا العام، والذي ان أفضى إلى شيء فسيفضي إلى إقامة نصف دولة فلسطينية هدفها إدارة شؤون سكانها وحماية أمن إسرائيل، وهي بذلك تستحق وصفا كهذا، إن فرطت بحق عودة اللاجئين، وتخلّت عن القدس عاصمة لها، وسلّمت حماية حدودها للجيش الإسرائيلي وأبقت على مستوطنات على أرضها، أو بادلت سكانا بسكان.
Leave a Reply