إنفض مؤتمر أنابوليس والذي شاركت فيه 49 دولة ومنظمة إقليمية ودولية، البعض منها حضرت راغبة في تحقيق مكاسب، وأخرى ذهبت هناك بالإكراه فالسعودية مثلا مورست عليها ضغوط هائلة عبر الهاتف طيلة أسبوع قبيل الإنعقاد، ومن أجل حفظ ماء الوجه أمام العرب والمسلمين اشترطت تضمين «مبادرة السلام العربية» في سياق خطابات المؤتمر وديباجاته، حتى لا يسجّل على المملكة موقف تاريخي ينحو باتجاه التفريط بمدينة القدس.سوريا قرنت حضورها بإدراج «الجولان» على قائمة التسوية المفترضة، وبوش سمح لها بذلك من باب «إتقاء الشرور» على حد وجهة النظر الأميركية، خشية أن تضع دمشق العصي في دواليب المؤتمر.واشنطن استضافت أعمال المؤتمر وفي خاطرها تسجيل مكرمة لرئيس أضحى في الهزيع الأخير من فترة حكم خضبّها بالدم، وألحق ببلاده خسائر فادحة وشوّه سمعتها في أرجاء العالم، وبات في عهده الدولار ذليلاً بعد أن كان سيد العملات. إسرائيل ذهبت إلى المؤتمر بعد أن أخفضت سقوفه لدرجة الركام، فقادتها استبقوا اللقاء بتصريحات وخطابات أجمعت على وحدة القدس وأبديتها كعاصمة لإسرائيل، مشترطة إعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة، وذلك من شأنه قطع الطريق على حق عودة اللاجئين إلى أراضيهم، بل ومنح الإسرائيليين الحق بطرد العرب من أراضي 48 داخل الخط الأخضر، عبر مبادلة للأراضي والسكان فيما بين دولة يهودية (مفترضة) وأخرى فلسطينية.أما الفلسطينيون فقد حضروا المؤتمر مثلهم في ذلك كمريض أعيا مرضه الطب والدواء، فلم يعد عنده ما يخسره إن هو أسلم نفسه لسكاكين الجراحين، وكأنهم بذلك يقامرون بحياتهم، وهذا ما ارتضاه محمود عباس لنفسه ونفر قليل من أعوانه في القيادة – أبو العلاء وصائب عريقات – ارتضى ثلاثتهم أن يدخلوا مخاطرة مؤتمر كئيب كهذا حتى لو خسروا حياتهم السياسية، لكنهم على أي حال لن يفرطوا في القضايا المركزية لشعبهم، لعلمهم أنهم إن فعلوا ذلك، سينفذ فيهم شعبهم حكم الإعدام، وتشتعل الأرض المحتلة بحروب أهلية وأخرى مع الإسرائيليين وثالثة في مناطق إقليمية. وهذا ما حذر منه على أي حال محللون سياسيون أميركيون، توقعوا أن ينجم عن مؤتمر أنابوليس إنتفاضة ثالثة أو إقتراب من شفير حرب بين الغرب وإيران، فهذه الأخيرة أعلنت حديثا نجاح تجربة في إطلاق صاروخ يصل صداه إلى 2000 كيلومتر، ما يعني أنها مستعدة لمواجهة محتملة.الكثير من الناس يسألون: لماذا الشرق الأوسط دون غيره في العالم تتصدّر أخباره الأحداث الكونية، ولماذا هو دوما يتقلّب على صفيح ساخن؟ والجواب على ذلك مسألتان: النفط والأديان، فالشرق الأوسط مهد الأديان السماوية الثلاثة، وجميعها تتمركز في بؤرة واحدة هي القدس، وتحديدا الأقصى المبارك وأكناف الأقصى، فتحت قبة الصخرة المشرفة التي صعد منها الرسول الكريم (ص) في رحلة الإسراء والمعراج، يوجد حسب الإدعاءات الإسرائيلية جبل الهيكل، أو ما يعرف بهيكل نبيهم سليمان عليه السلام، وعلى مسافة عشرات الأمتار غربا يوجد حائط البراق المعروف لدى اليهود بحائط المبكى ويعتبرونه مقدسا، وإلى الشمال الغربي توجد كنيسة القيامة المقدسة أيضا لدى المسيحيين.لذلك يصر الفلسطينيون المسلمون منهم والمسيحيون على إستحالة حلّ للصراع دون عودة القدس لسيادتهم، وكذلك الإسرائيليون مستعدون لخوض حروب حتى قيام الساعة دون التفريط (من وجهة نظرهم) بعاصمتهم الموحدة والأبدية.الشرق الأوسط أيضا فيه مكامن «الذهب الأسود» الذي هو العنصر الأساسي للطاقة في العالم، بدونه تصاب الحياة في الولايات المتحدة وأوروبا بالشلل، لا بد لهؤلاء تحديدا أن يشعلوا صراعات ويخوضوا حروبا في سبيل تأمين موارد الطاقة. وعليه فالمنطقة غير مؤهلة في مديات منظورة أن تشهد سلاما وإستقرارا، فمؤتمر أنابوليس ما هو إلا جملة في سطر من كتاب.
Leave a Reply