كمال ذبيان – «صدى الوطن»
تقدم الحل الاقتصادي للصراع الإسرائيلي–الفلسطيني، على الحل السياسي، في المبادرة الأميركية التي أوكلها الرئيس دونالد ترامب لصهره ومستشارع جاريد كوشنر، قبل نحو أكثر من عام. الخطوط العريضة تقوم على مبدأ أن الازدهار يجب أن يسبق السلام، لإنهاء الصراع التاريخي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إذ يرى كوشنر أنه من دون مستقبل اقتصادي لا يمكن ترسيخ الحل السياسي، وأن الاقتصاد مكوّن أساسي لأيّ حلّ.
سلام من أجل الازدهار
وانطلاقاً من تقديم الحل الاقتصادي على الحل السياسي، انعقد في البحرين مؤتمر تحت عنوان «سلام من أجل الازدهار»، دعت إليه أميركا، صاحبة المبادرة، وحضرته دول عربية خليجية هي السعودية وقطر وسلطنة عمان اضافة إلى مصر والأردن والمغرب، وغاب عنها لبنان والكويت والعراقل وسوريا، كما شارك ممثلون لروسيا ودول أوروبية والصين، ومراجع مالية دولية ومستثمرون، وقاطعها الفلسطينيون اصحاب القضية، بسلطتهم الوطنية وكافة القوى والمنظمات الفلسطينية، مما استدعى انتقاداً من كوشنر، الذي أعطت مبادرته للسلام القدس وهضبة الجولان إلى إسرائيل، ولم تلحظ حل دولتين كما في اتفاق أوسلو.
الاقتصاد أولاً
وما طرحته المبادرة الأميركية، على أن الاقتصاد أولاً، هو البديل كمرحلة انتقالية للحل السياسي الذي أوصى بـ«أريحا أولاً»، في اتفاق أوسلو، لكنه أبقى الوضع ملتهباً، كما يعتقد كوشنر، الذي أراد للحل أن يبدأ بإخراج الضفة الغربية وغزة،من حالة الفقر والحصار، وبناء خط نقل بينهما بمبلغ خمسة مليارات دولار، بما يعزز فرص العمل، وحصول نهوض اقتصادي وتنمية، وهذا ما يمهّد لحل سياسي ويوقف العنف، ويقيم التواصل بين إسرائيل والفلسطينيين، كما يشجع على تطوير التطبيع القائم منه بالعلن والمستتر منه بين أنظمة عربية والكيان الصهيوني.
الشرق الأوسط الجديد
في الواقع، تستند المبادرة الأميركية للسلام، التي يروّج لها كوشنر، إلى ما سبقها من مشاريع سلام للشرق الأوسط، كان أبرزها ما طرحه رئيس الحكومة الأسبق شيمون بيريز لإنهاء الصراع عبر قيام «شرق أوسط جديد» يقوم على العلاقة الاقتصادية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فيندمجون في مشروع واسع، بإنضمام دول عربية وغير عربية إليه، ولا تبقى مسألة الحل متوقفة على انسحاب إسرائيلي من الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967، بحيث تسقط الحدود السياسية لصالح فتح بوابات اقتصادية، تقيم الازدهار والسلام في منطقة الشرق الأوسط، بدلاً من الحروب والدمار.
الرفض الفلسطيني
لكن الفلسطينيين الذين خبروا مبادرات السلام، وانخرطوا في الحل السياسي والسلمي لقضيتهم مع العدو الإسرائيلي، رأوا في «صفقة القرن» التي يطرحها ترامب، ليست إلا تصفية لقضيتهم، كما أنها «وعد بلفور» جديد، يكرّس الكيان الصهيوني في فلسطين، بأن تصبح القدس عاصمته، ورفض الانسحاب من الجولان والضفة الغربية، كجزء من أرض إسرائيل، والعمل على ترحيل الفلسطينيين من الاراضي المحتلة في العام 1948 ومنع حق العودة للاجئين الفلسطينيين، بل يسقط المشروع الأميركي كامل حقوق الشعب الفلسطيني، فماذا تنفع الاستثمارات، إذا لم تسترجع الأرض، التي ترفض الدولة العبرية إعادتها، وقد مضى على اتفاق أوسلو 26 عاماً، ولا تزال خاضعة للاحتلال الإسرائيلي؟
توطين الفلسطينيين
أخطر ما في «صفقة القرن»، هو تجاهل عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم التي نزحوا عنها في العام 1948 واستقروا في الدول العربية المجاورة، ولطالما ظلت هذه القضية عالقة حتى المفاوضات النهائية لعملية السلام بين ممثلي السلطة الفلسطينية والمفاوضين الإسرائيليين، إذ كان التشبث بالقدس عاصمة لدولة فلسطين وحق العودة الذي حفظه قرار الأمم المتحدة 194، إلى أن جاءت مبادرة ترامب، لتؤكد على تنفيذ ما طلبته إسرائيل، فمنحها القدس، وضم إليها الجولان، فلم يعد أمام الفلسطينيين سوى رفض المشروع الأميركي، الذي يتم رصد حوالي 25 مليار دولار من أصل 50 مليار دولار، طلبها كوشنر لتوزيعها على الدول العربية المجاورة التي تستضيف لاجئين فلسطينيين، وهي الأردن ومصر وسوريا ولبنان، الذي وبسبب وضعه الاقتصادي والمالي، ستحاول أميركا إغراءه بمشاريع اقتصادية للقبول ببقاء الفلسطينيين على أرضه، على أن يحصل مقابل ذلك على دعم مالي واقتصادي من صندوق الاستثمار الذي أقرّه مؤتمر البحرين، برأسمال قدره خمسين مليار دولار، سيتم جمعه من الدول المشاركة وبينها دول خليجية التي سيقع عليها العبء الأكبر في تأمين المبلغ، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي ومستثمرين من القطاع الخاص، وعلى مدار عشرة أعوام، من أجل إطلاق مشاريع ضخمة في البنى التحتية.
لبنان يقاطع ورشة المنامة
لبنان المأزوم اقتصادياً قاطع مؤتمر البحرين، بعد أن وُجّهت له دعوة رسمية لحضوره رد عليها وزير المال علي حسن خليل بالرفض، لأن في «صفقة القرن» رائحة تصفية الحقوق الفلسطينية بعنوان اقتصادي، وهو ما لفت إليه رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي يرى في مؤتمر البحرين بيعاً لفلسطين أمام أعين العرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً، وأن مؤتمر البحرين ليس إلا إنطلاق مشروع تصفية القضية الفلسطينية الصامدة في ظل وعي مع شعبها للخطر الصهيوني وللخطط التي تحاك ضده، واستعداده للمقاومة، وأن لبنان يجب أن ينتبه جيداً، من هذه الصفقة التي في بنودها توطين مباشر أو مقنّع للفلسطينيين في أماكن إقامتهم ولبنان منهما، كذلك أعلن وزير الخارجية جبران باسيل موقفاً رافضاً للمشروع الأميركي، وأيضاً رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري.
إغراء مالي
الإدارة الأميركية تحاول إغراء لبنان مالياً، عبر إقامة مشاريع استثمارية ورصد مبلغ 6 مليار دولار لإنجازها، على أن يوطن الوجود الفلسطيني فيه، من خلال دمج الفلسطينيين بالمجتمع اللبناني، وإعطائهم كامل حقوقهم المدنية، في السكن والعمل إضافة إلى تجنيسهم، كما حصل في مرات سابقة، بالرغم من دعوات لإسقاط الجنسية عنهم، لأنها تخل بالواقع الديمغرافي والطائفي.
وسبق للبنان أن تعرّض لضغوط سابقة، وعُرضت عليه إغراءات لقبول بقاء الفلسطينيين في أرضه وإسقاط حق العودة عنهم، إذ يعاني هؤلاء من اكتظاظ المخيمات، مما حوّل السكن إلى غير لائق، مع تزايد عدد أفراد الأسرة، ومنع عليهم توسيع البناء، ليتّسع لعائلات جديدة، إضافة إلى تحديد المهن التي يعمل فيها الفلسطينيون وغالبيتها في الزراعة، كما أن «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» المعروفة بـ«الأونروا»، بدأت بتقليص الخدمات الصحية والتربوية والغذائية في المخيمات الفلسطينية، مما رفع من نسبة الفقر لديهم، وقد حصل ذلك في العقود الأخيرة، لفرض التوطين كأمر واقع، وقد اتّخذت الإدارة الأميركية مؤخراً «قراراً بخفض تمويل الأونروا» التابعة للأمم المتحدة بحجب 65 مليون دولار عن خمسة ملايين فلسطيني لاجئ، ثم قطعت كل التمويل للوكالة وقيمته 300 مليون دولار سنوياً، إضافة إلى مساعدات أخرى تقدم عبر وكالات إنسانية وتنموية أخرى ومستشفيات، وكل ذلك للضغط على الفلسطينيين لدفعهم إلى الرضوخ، ومعهم الدول المضيفة.
الحوار اللبناني–الفلسطيني
وقد استبق لبنان، مشروع التوطين الفلسطيني القادم في إطار «صفقة القرن» حيث قال رئيس لجنة الحوار اللبناني–الفلسطيني التابعة لرئاسة الحكومة الوزير السابق حسن منيمنة خلال مؤتمر انعقد في السراي الحكومي بين ممثلين عن كتل نيابية موجودة في الحكومة، وآخرين عن الفصائل الفلسطينية، حيث أجمع الطرفان على رفض التوطين، وهذه خطوة إيجابية جريئة تحول دون وقوع صدام كما حصل في العام 1975، حين كانت القراءة متفاوتة للتوطين، أما اليوم فهي موحّدة.
Leave a Reply