يحاول أصحاب »مؤتمر سميراميس« السوري المعارض التملص من الانتقادات اللاذعة والمواقف المناوئة بحجة متكررة مفادها أن المؤتمرين لا يمثلون الشارع السوري المنتفض، وإنما يمثلون أنفسهم فقط! وفي هذه الحال يصح التساؤل عن الدلالة والجدوى السياسية لعقد هكذا مؤتمر.. بات يرى فيه الكثيرون غطاء سياسياً لممارسات النظام الحاكم في سوريا.
والسؤال الذي يطرح نفسه تالياً: ما هو تفسير »الادعاءات« الوافرة بعدم تمثيل المحتجين، من قبل معظم المتداعين والداعين إلى عقد مؤتمرات وندوات واجتماعات، على هامش الأزمة السورية أو في صميمها؟
إن اختبار السقف السياسي لمؤتمر سميراميس وتفحصه، والاعتراف بأنه أقل من طموحات ومطالب الشارع السوري، يعني بالضروة أن المؤتمرين فشلوا في بلورة وتخريج الصيغة السياسية للحركات الاحتجاجية في سوريا، حتى ليكاد أن الأمر يبدو، وعلى الرغم من جميع النوايا الحسنة وأخذ الظروف الموضوعية بعين الاعتبار، بمثابة مسك العصا من الوسط.
فالمؤتمر، ورغم كل ما يقال عن محاربته على المستوى الرسمي، هو محاولة لتسويق »فريق« سياسي تمهيداً للاشتراك في »الحوار« الوطني الذي يدعو إليه نظام الأسد، وهي دعوة تبدو أقرب إلى سحب الفتيل وكسب الوقت منها إلى النية الحقيقية بالتئام الفرقاء حول الطاولة، والتفكير بحلول جذرية تنهي الأزمة في سوريا، أو على الأقل تضع تصوراً لإنهائها.
إن تعدد المعارضة السورية وكثرة أطيافها، والقول بوجود »معارضات« في سوريا ليس أكثر من تعبير ملطف، عن الخلاف على تمثيل الحركة الاحتجاجية السورية، وتبرير انخفاض السقف السياسي لمؤتمر سميراميس بدعوى أنه انعقد تحت عيون النظام وسمعه، يدحضه الشارع نفسه، الذي رفع مطالبه وشعاراته تحت دوي المدافع و»كلبية« (بالمعنى السيكولوجي) أجهزة الأمن وضغط الإعلام الرسمي.
من جهة ثانية، لا معنى حقيقيا وراء التشكيك بارتفاع سقوف المعارضات السياسية الخارجية، بدعوى أنها تقيم في أميركا أو في أوروبا، وأنها تستفيد من مناخات الحرية والديمقراطية في تلك البلدان من جهة، ومن بعدها عن قبضة النظام وسطوته من جهة ثانية، فالحقيقة التي لا يستطيع أحد أن يجادل فيها، تدحضها الظروف الموضوعية وتاريخ »المعارضات« السورية في الخارج، فخلال عدة عقود من الزمن، لم نسمع أو نلمس أية طروحات أو مواقف تعارض النظام السوري، ناهيك عن تلك »القوى« المفترضة لم تستطع تشكيل »جبهة« سياسية أو تنظيمية، في أضيق الأحوال، تتبنى خطاباً معارضاً..
والشيء الذي لا بد من إعادة النظر فيه، والتحقق فيه، هو جدية النظام السوري في التعامل مع الأزمة التي تعصف بالبلاد، سواء على مستوى الادعاءات الإصلاحية، أو على مستوى تصريف الاختناق الحاصل في سوريا، وتخريجه عبر »فبركة« الحوار الوطني. والمشكلة أن السوريين يؤمنون بشكل لا يدع مجالا للشك، أنه بإمكان النظام تحقيق أي نوع من الإصلاح في فترات قياسية من الزمن فيما لو توفرت لديه النية الحقيقية لذلك، وبدون الحاجة إلى تشكيل لجان وعقد لقاءات وفعاليات، وقد كان للنظام سابقة بخصوص تغيير أهم مادة دستورية تتصل بمسألة انتخاب الرئيس بشار الأسد.
العصب المكشوف والمؤلم والذي لا يريد أحد مسه، أو معالجته، هو فقدان الثقة بين النظام والشعب، وهذه مسألة يُسأل عنها النظام السوري، أخلاقيا وسياسيا، طالما أنه كان يدعي على الدوام و»يستعمل« فكرة »التحام« الشعب مع القيادة السياسية. وإذن فالسؤال الذي في ملعب حكام دمشق: أين تبخرت تلك الثقة، ولماذا لا يجازف السوريون بإعطاء مهلة للرئيس للقيام بالإصلاحات »العميقة والجذرية«؟ وهل يعقل أن يصبر السوريون على عقود من القمع والاستبداد، ويعجزون على الصبر لمدة عدة شهور أخرى؟
ولماذا.. يتنفض السوريون بعد 11 عاما من حكم رئيس شاب جاء إلى سدة الحكم بوصفه قائدا لمسيرة »التطوير والتحديث«؟
Leave a Reply