11,3 مليار دولار مشروطة بالإصلاح الاقتصادي
لم يطلقوا على اسم مؤتمر «سيدر–1»، مؤتمر «باريس–4» الذي يأتي في تسلسل لمؤتمرات ثلاثة عقدت في باريس أيضاً، وفي تواريخ متباعدة، إذ عقد «باريس–1» في عام 2001 و«باريس–2» في 2004 في عهد الرئيس رفيق الحريري، و«باريس–3» في 2007 في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، لينعقد المؤتمر الأخير في 6 نيسان الحالي بحضور رئيس الحكومة سعد الحريري، وقد سبق هذه المؤتمرات، مؤتمر عقد في واشنطن عام 1997 تحت اسم «أصدقاء لبنان».
دعم المالية العامة
هذه المؤتمرات انعقدت تحت عنوان مازال قائماً منذ نحو عقدين، وهو مواجهة الدين العام وخدمته، وتخفيف العجز في الموازنة، وكان أول مؤتمر انعقد في واشنطن ولم يكن الدين العام قد تخطى العشرين مليار دولار، لكن لبنان في كل هذه المؤتمرات، لم يقم بالإصلاحات البنيوية في اقتصاده، ولا بخفض الإنفاق والعجز، حتى وصل الدين العام إلى 80 مليار دولار حالياً، مع خدمة دين سنوية تقدر بحوالي 5 مليارات دولار تستنزف نصف الموازنة، مما يزيد من العجز ويهدد مالية الدولة بالإفلاس كما حصل في دول أخرى، وهذا ما يحذر منه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
وضع سرطاني
ولم يأخذ لبنان بالنصائح الدولية التي أسديت له لمحاربة الفساد ووقف الهدر، إذ يقول المدقق الرسمي الفرنسي الذي شارك في مؤتمر «سيدر–1»، متوجهاً إلى الرئيس الحريري والوفد اللبناني الوزاري المرافق له، «من الصعب منحكم الثقة العمياء»، فقد زودنا الحكومة اللبنانية منذ العام 1999 بالتوصيات اللازمة لتقليص الدين العام مقارنة بالبلدان الأخرى، إلا أن وضع لبنان «سرطاني»، ولا يمكن تشبيهه بدول تقارب وضعه مثل بتسوانا وأقل منه كزيمبابوي، أو في تنزانيا ونيجيريا و25 دولة أفريقية عمل فيها هذا المراقب، و«لم تكن هذه الدول في وضع سيء كلبنان»، يقول المسؤول الفرنسي الذي لا يرى في انعقاد المؤتمر الحالي «سوى منصة أرادتها فرنسا لتبرعات دولية قبل بضعة أيام من الانتخابات النيابية» في لبنان، وهو ما ترك شكوكاً عند أطراف لبنانيين، الذين تخوفوا من أن يكون المؤتمر دعاية انتخابية يقوم بها الحريري الذي وعد بتأمين 900 ألف فرصة عمل من خلال المشاريع التي سيتم تنفيذها.
وعود بقروض
وخرج المؤتمر بوعود لقروض جديدة –ميسرة وبفوائد متدنية– بقيمة 11.3 مليار دولار، قدم منها البنك الدولي 4 مليارات، والاتحاد الأوروبي ١.١ مليار يورو، وفرنسا ٥٥٠ مليون يورو، فيما وعدت الدول العربية بـ25 بالمئة من إجمالي المبلغ، موزعة على 680 مليون دولار من الكويت و500 مليون دولار من قطر ومليار دولار من السعودية، ولم تقدم دولة الإمارات العربية المتحدة أي مبلغ، بل جددت دعمها بـ200 مليون دولار للجيش والقوى الأمنية، في حين اشترطت تركيا تقديم قرض بـ200 مليون دولار على أن تقوم الشركات التركية بالاستثمار فيه، في وقت لم تعرض إيران أي قرض أو هبة.
وأعلنت بريطانيا استعدادها لتقديم قروض ميسرة للبنان توازي ١٧٠ مليون دولار. كما أعلنت المانيا استعدادها لتقديم قروض ميسرة للبنان بقيمة ٧٥ مليون دولار.
الإصلاح أولاً
هذه الوعود بالقروض شكلت 97 بالمئة والهبات 7 بالمئة، على عكس المؤتمرات السابقة التي كانت القروض بنحو 70 بالمئة والهبات 30 بالمئة، فإن مؤتمر «سيدر–1»، يكون تخلف عن المؤتمرات السابقة التي لم تنقذ لبنان وتخفف من ديونه وتعزز النمو فيه، لأن السبب بذلك هو عدم التزام الحكومة فيه، بإجراء إصلاحات، بل كانت الأموال تصرف في غير مكانها، ومازالت البنى التحتية متخلفة، والكهرباء غير متوفرة، ويعاني المواطنون من التقنين الدائم، مع عجز بنحو ملياري دولار سنوياً بسبب قطاع الكهرباء الذي يفاقم أزمة الدين العام منذ سنوات طويلة.
المشاريع المقترحة
لكن الملفت في هذا المؤتمر أن لبنان حمل إليه سلة من المشاريع تقدر بحوالي 250 مشروعاً، موزعة على قطاعات مختلفة من الكهرباء والمياه والصرف الصحي، إلى المواصلات والنقل العام والطرقات، ومشاريع أخرى مرتبطة بالاتصالات والصحة العامة والتربية وإرث لبنان الثقافي، حيث تشارك في وضع هذه المشاريع، مستشارون في رئاستي الجمهورية والحكومة بالتنسيق مع مجلس الإنماء والإعمار واستشارة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
ويمكن لهذه المشاريع لو نفّذت، أن تطلق عجلة النمو وضبط العجز إلى نحو 5 بالمئة وخفض الدين العام، لكن التجارب السابقة لم تكن مشجعة، لذلك يؤكد رئيس الحكومة أن 40 بالمئة من المشاريع الاستثمارية قد تنفذ من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بعد أن تم وضع قانون أقرّ في مجلس النواب حول تنظيم الشراكة بين القطاعين، وأن كلفة هذه المشاريع تقدر بحوالي 17 مليار دولار، حصل لبنان على 11 ملياراً منها، ولن توضع موضع التنفيذ فوراً، لأن القروض بحاجة إلى إقرار في مجلس النواب إذا وصلت، حيث يكشف خبراء اقتصاديون بوجود قروض سابقة بحوالي 3 مليار دولار لم يستخدمها لبنان بعد.
زيادة الدين العام
ولقي المؤتمر ترحيباً في لبنان، وإن تعامل معه أطراف سياسيون بحذر، وآخرون تخوّفوا من أن تشكل القروض أعباء إضافية على الدين العام، توصله إلى حدود المئة مليار دولار، وهذا ما دفع بالأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، كما الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط وقيادات سياسية ونقابية، إلى التحذير من الاستدانة، إذ لم تكن لأهداف اقتصادية ومالية واضحة ومحددة، وتم ربط الموافقة على القروض بأنها سيتم استثمارها «في المكان الصح»، وأن تكون خاضعة للرقابة من إدارة المناقصات وديوان المحاسبة، كي لا تدخل المشاريع في زواريب الصفقات كما جرت العادة، التي كان مردودها لحساب أفراد وشركات، مثل الهاتف الخليوي، الذي جنى منه أصحاب شركات وبعضهم في السلطة أموالاً طائلة تفوق المليارات من الدولارات، حتى استعادت الحكومة القطاع الذي تجني منه سنوياً نحو مليار ونصف مليار دولار، ومثله السوق الحرة في مطار بيروت، ورفع النفايات إلخ…
ليس مؤتمر مانحين
وما يمكن استخلاصه من مؤتمر «سيدر–1»، أنه لم يكن مؤتمراً للمانحين، وهو واحد من ثلاثة مؤتمرات تقرر عقدها بشأن لبنان لدعم الجيش والاقتصاد والمساعدة بقضية النازحين السوريين، تم الاتفاق عليها في كانون الأول (ديسمبر) الماضي في باريس، بتشجع من الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، فعقد مؤتمر في روما لدعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية الشهر الماضي، وحصل لبنان أيضاً على وعود بشأن تسليح الجيش وتجهيزه، بما لا يزعج العدو الإسرائيلي، وأراد منه البعض، أن يكون صاحب السلطة الوحيدة في لبنان، ويمتلك السلاح دون غيره، وتحديداً «حزب الله»، كي ينأى لبنان بنفسه عن صراعات المنطقة، إذ ثمة شرط دائم على تسليح الجيش هو فك ارتباطه بالمقاومة والتنسيق معها، وهو ليس بقدرة الحكومة اللبنانية القيام بذلك، لأن الحرب الأهلية ستقع.
ومؤتمر «سيدر–1»، خرج بوعود أيضاً، وإن كان رأى البعض فيها ومنهم الرئيس الحريري، اهتماماً دولياً وإقليمياً وعربيا بلبنان، والحفاظ على استقراره، في ظل حروب وحرائق المنطقة، إلا أن تنفيذ الوعود هو ما ينتظره اللبنانيون الذين يعاني ثلثهم من الفقر، ووصلت نسبة البطالة بينهم لاسيما في صفوف الشباب إلى 40 بالمئة، وهو ما يتركهم ينظرون بسلبية إلى نتائج المؤتمر الذي سبقته مؤتمرات أخرى، ولم تكن مشجعة، لا بل تفاقمت الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية.
فلبنان هو من الدول الأغلى معيشياً في العالم، ومن الدول المتقدمة في قائمة الفساد والمديونية العامة والهدر ومخاطر الإفلاس، وهو يقف اليوم على أعتاب انتخابات نيابية يعول البعض أن تكون منفذاً لإنتاج طبقة سياسية جديدة أكثر جدية في التعامل مع التحديات الكبرى التي تواجه البلاد في الوقت الحاضر وفي المستقبل المنظور.
الحريري: هذه رؤيتنا لتحقيق الاستقرار والنمو وخلق الوظائف
باريس – في كلمته الافتتاحية، قال رئيس الحكومة سعد الحريري: «لبنان بلد صغير يواجه تحديات هائلة: سياسية واقتصادية وأمنية. وتتفاقم هذه التحديات بسبب الحرب السورية وأزمة النازحين السوريين في لبنان».
وأضاف أنه في السنوات الثلاث التي سبقت الأزمة السورية، شهد اقتصادنا نمواً سنوياً بمعدل 8 بالمئة كحد متوسط. ومع الحرب في سوريا والنزوح الكبير للسوريين إلى لبنان، انهار هذا النمو إلى معدل سنوي بلغ واحداً بالمئة».
وتابع: «وفقاً للبنك الدولي، فإن الخسارة في الناتج المحلي الإجمالي في لبنان بسبب الأزمة السورية كانت 18 مليار دولار حتى سنة 2015. وزادت نسبة الفقر والبطالة بشكل ملحوظ وانخفضت الصادرات بمقدار الثلث. وازداد التفاوت بين الطلب والعرض في مجال البنى التحتية بسبب وجود النازحين السوريين، بينما تراجعت البنى التحتية العامة القائمة. بلغت نسبة ديوننا الإضافية بسبب وجود أكثر من مليون نازح سوري في أراضينا 6 مليارات دولار حتى عام 2016. فعلى سبيل المثال، احتسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن تزويد النازحين بالكهرباء وحدها كلفنا مليار دولار حتى عام 2016».
وأضاف: «أدت هذه التطورات بالإضافة إلى الانقسامات السياسية الداخلية إلى إضعاف اقتصادنا وعمل مؤسساتنا بشكل كبير»، لافتاً إلى أن انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية وتشكيل حكومة وفاق وطني برئاسته أدى إلى استقرار البلد، وإعادة عمل المؤسسات والحفاظ على الأمن.
وأردف أن «ما يعزز هذا الأمر هو الالتزام الذي قطعته جميع مكونات الحكومة في كانون الاول الماضي باحترام سياسة النأي بالنفس. وقد ظهر بوضوح دعم المجتمع الدولي خلال اجتماعي مجموعة الدعم الدولية ومؤتمر روما 2. انه يدل على الأهمية التي يوليها أصدقاء لبنان لاستقراره وأمنه».
إلى ذلك، قال الحريري إن الرؤية الشاملة للحكومة «من أجل الاستقرار والنمو وخلق فرص العمل تستند إلى أربعة دعائم مترابطة».
وتابع: «أولاً، زيادة الاستثمار في البنى التحتية من خلال تنفيذ برنامج الانفاق الاستثماري الطموح. ثانياً، ضمان تنفيذ هذا البرنامج الاستثماري في إطار مالي شامل وديون مستدامة من خلال تعزيز ضريبي يهدف إلى خفض عجز الميزانية بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5 بالمئة خلال السنوات الخمس المقبلة. ثالثاً، تنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي يحتاجها لبنان لتحقيق كل إمكانات النمو المستدام بقيادة القطاع الخاص مع زيادة العدالة الاجتماعية. وتشمل هذه الإصلاحات مكافحة الفساد وتحسين إدارة الضرائب وتحديث وإعادة هيكلة القطاع العام وعملية تموين أفضل والتصديق على قانون حديث بشأن التموين العام وتحديث وترشيد الجمارك والتحول الرقمي للحكومة وبيئة أفضل للأعمال التجارية فضلا عن الإصلاحات القطاعية اللازمة لجعل القطاعات أكثر كفاءة واستدامة. ورابعاً، تطوير استراتيجية لتنويع القطاعات الإنتاجية وتحقيق إمكانات التصدير اللبنانية».
وأكد أنه لا يمكن للبنان أن ينجح في هذا الجهد بمفرده: هو بحاجة إلى دعم المجتمع الدولي. إن وجود مؤشر واضح وملموس على هذا الدعم، متمثلاً بمنح وقروض ميسرة، سيعطي الأمل في إمكانية تنفيذ رؤية الحكومة ويعزز الثقة مما سيقود البلاد نحو الاستقرار والنمو وخلق الوظائف».
Leave a Reply