لقد تجنبت كثيراً الكتابة في هذا الموضوع، وتهيبت الخوض فيه لأسباب عديدة، أحدها هـو أن فتح النقاش سهل، لكن السيطرة على نتائجه ليست بذات اليُسـر.
في مقالاتٍ سابقة سلّطنا الضوء على بعض مكامن الخلل في مجتمعنا وجاليتنا، وطرحنا مفاتيح حلول علَّ ذلك يدفـع العقلاء والنشطاء في جاليتنا الى التفكير بطرُق العلاج. واحدة من «الخواصر الرخوة» التي يعاني منها مجتمعنا هي واقع المؤسـسـات والجمعيـات والمراكز الدينية علـى تنوعها وإختلافها. ولن أقول بأن هذا الكلام غير موجّه لأحد، بل على العكس، هو موجه لجميع المراكز والمؤسسات الدينية بلا اسـتثناء.
بحسـابٍ بسـيط يمكـن للقارىء أن يدرك أن «المُعلَن» مما تجمعه هذه المؤسـسـات والمراكز الدينية سـنوياً يقدر بملايين الدولارات، وهذه الاموال تنقسـم الى حقوق شـرعية من زكاة وخمس وصـدقات إلى تبرعات عامة أراد أصحابها إصابة عصفورَي «التاكس» و«الواجب الديني»، إضافة إلى «ديك» الوجاهـة كلها بحجرٍ أو شـيك مصـرفي واحد.
ليس حراماً أو عيباً ولا عاراً أن تجبى الأمـوال لهـذه الغايات. بـل إن الحقوق الشـرعية واجبة الإنفاق شـرعاً علـى الميسـورين، ولسـنا بمعـرض الحديث عن ذلك الآن. لكن كما هـو «واجـب شـرعـي» علـى الناس دفـع زكاة وأخماس أموالهم وصـدقاتهـم، كذلك فإن «الواجب الشـرعي» يُحتِّـمُ عليهـم أن يدفعـوها وينفقوها في مصـرفهـا الشـرعي الحقيقي، ويصـبح بالتالي واجباً عليهـم أن ينظروا كيف تنفق هذه الاموال وعلام… ويصـبح لزاماً عليهـم أن يحاسبوا القيّمين على هذه المؤسـسات والمراكز حول كيفية صـرف هذه الأموال، وعلى التقديمات التي تقدمها هذه المراكز والمؤسـسات والمرجعيات للجالية وللناس، للصغار وللكبار.
وقد بدأت بعض الأصوات تعلو، وهناك تذمر وكلام كبير يُقال في أوساط الجالية عـن أداء تلك المؤسسات وعملها. وقد يتطور الأمر من الإنتقاد إلى نبذ هذه المراكز، وما يعني ذلك من إبتعاد الناس عن الدين ورجاله.
فحين تصـبح تكلفة الصلاة الواحدة مئات الدولارات، وحين تصـبح قراءة الفاتحة عن روح متوفى بخمسـين دولاراً، أو يغدو المجلس العاشـورائـي مزاداً علنياً لبيع الثواب، عندها علينا أن نتوقف قليلاً ونعيد حسـاباتنا. علينا أن نتذكر أن بيوت الله هي ملك لله وقد أباحهـا سـبحانه وتعـالى لجميع الناس، وأن إذن دخولها وإسـتعمال مرافقها بيده وحده. بأي حق يطلب من بعض الشـباب والشـابات المخلصين المتطوعين لتعليم وتثقيف أولادنا، بأي حق يطلب منهم بدلاً مادياً مرتفعاً ليسـتعملوا قاعات التدريس في بعض المراكز. منذ متى يُفرض على الناس دفع بدل إستئجار القاعات في المراكز لإقامة مجلس عزاء عن روح متوفى؟
يُحكى أن بعض الناس جاؤوا يشـتكون ظلم احد الولاة إلى الإمام علي بن أبي طالب (ع)، فكان جواب الإمام لهم قبل أن يؤنبَ الولاة: «كيف إسـتُعـبدتم وقد ولدتكم أُمهـاتكم أحراراً». لذا يبقى السؤال الأهم موجهاً الى الناس: كيف تقبلون أن تعاملوا كضـيوف في بيوت الله، وقد أسـهمت أموالكم في تشـييدها وإعمارها، وحتى في دفع رواتب موظفيها.
قد يجد بعض الناقمين على الدين كلامي هذا داعماً لمنطقهم، لكنه ينبع من حرصٍ شـديدٍ على دور الدين ومكانته في المجتمع، بل يأتي من قناعة راسخة بأن هذه المؤسسات والمراكز بإمكانها أن تقوم بدور نهضوي كبير، إذا توفرت القيادة الصـالحة والمعتدلة والواعية.
الأمور بحاجةٍ إلى وقفةٍ شـجاعة من قبل القيمين على هذه المراكز لإعادة هيكلة طريقة عملها، وإفساح المجال أمام أبناء جاليتنا للتعبير عن مكنوناتهم بدل بث ثقافة الفرقة المذهبية.
كما لا بد من شـفافية أكبر في صـرف الاموال ويجب أن تكون الميزانية واضـحة ومتاحة للجميع لكي يعرفوا أين يصـرف كل سـنت. ولا بد من تخفيفٍ للهدر والصـرف على القشـور وحفلات التكريم وغيرها من الزبارج. فليتعظ الجميع مما حصـل في «الخريف العربي» ولا بأس ببعض الديمقراطية بدلاً من تعيين أعضـاء البوردات وتوريثهـا للأبناء فهذه ليست مجالس لوردات.. هذا أول الكلام، وللكلام بقية .
Leave a Reply