بين “حياة ريجنسي” و”دبل تري”.. مؤتمران متناقضان في ديربورن
ديربورن – خاص “صدى الوطن”
اختارت مديرة منظمة “أوقفوا أسلمة أميركا” الناشطة المتعصبة باميلا غيللر مدينة ديربورن لتوجيه رسائل لترويج وتعميق “الإسلاموفوبيا” في الولايات المتحدة، وذلك من خلال استغلال مقتل العربية الأميركية جيسيكا مقداد في أيار (مايو) 2011، حيث نظمت مؤتمرا بعنوان “مؤتمر جيسيكا مقداد لحقوق الإنسان” في فندق “حياة ريجينسي” في ديربورن، يوم الأحد الماضي، شارك فيه عدة متحدثين بينهم مدير منظمة “مراقبة الجهاد” روبرت سبنسر. وتركز الموضوع الأساسي حول جرائم الشرف في المجتعمات الإسلامية، حيث أدرج المؤتمرون مقتل مقداد في سياق جرائم الشرف، وهو ما دفع عدة مؤسسات عربية وإسلامية إلى تنظيم مؤتمر مضاد، في فندق “دبل تري” في ديربورن، تحت عنوان: “رفض الإسلاموفوبيا: مجتمع يقف ضد الكراهية” والذي سبق مؤتمر غيللر بثلاث ساعات.
ممنوع الدخول
ورغم أن غيللر كانت قد أعلنت في أكثر من مناسبة أنها اختارت مدينة ديربورن لتوعية النساء المسلمات وحمايتهن من عسف الدين الإسلامي وأحكامه القاسية بحقهن، فقد كانت مثيرة.. الطريقة التي تعامل بها المنظمون مع بعض الفتيات العربيات اللواتي قصدن الفندق لحضور المؤتمر، والتي انتهت بطردهن من المكان من قبل رجال الشرطة (المتواجدين بكثافة) مع عدد آخر من الأشخاص.
وكان رجال الشرطة (يساعدهم موظفون في أمن الفندق) قد انتشروا في خارج المكان وداخله، تحسبا “لأية أعمال عنف” بحسب ما قال أحد أفراد الشرطة لـ”صدى الوطن”. وعلى باب القاعة المخصصة لعقد المؤتمر كان المنظمون صارمين بشأن الأشخاص غير المسجلين (وأغلبهم من العرب) الذين طلب منهم الاصطفاف في طابور من أجل تسجيل أسمائهم. ولكن تبين لاحقا أن المنظمين كانوا يماطلون ويقومون بتمرير الوقت، ثم انفرط الطابور عندما أُخبر المتواجدون أنه لن يكون بإمكانهم الدخول، لأن التسجيل يجب أن يكون عبر “الانترنت” (أون لاين).
وحاججت بعض الفتيات المشرفين بأنهن حاولن التسجيل أكثر من مرة عبر الانترنت لكن لم يتم قبول طلباتهن، كما أن بعض الأشخاص أبرقوا رسائل للمنظمين في هذا الشأن ولم يتم الرد عليها.
وتعقّد الموقف أكثر، حين منع المنظمون دخول مراسل “صدى الوطن” الذي طالب بمعاملته بالمثل مع مراسل “ديترويت فري برس” الذي سمح له بالدخول بطريقة سرية رغم عدم تسجيله للمشاركة في المؤتمر، ولدى مطالبة المعنيين بتقديم أجوبة على سلوكهم التمييزي، طالبوا رجال الشرطة بإخراج جميع المتواجدين في المكان، وهذا ما تم بالفعل..
إلا أن مراسلة “صدى الوطن” الزميلة ناتاشا دادو تمكنت من الدخول برفقة زملاء من مؤسسة إعلامية أوروبية شاركت في تغطية المؤتمر.
مؤتمر جيسيكا مقداد: لا وجود لفلسطين!
وتمحور مؤتمر “جيسيكا مقداد لحقوق الإنسان” الذي تم توقيته في الذكرى السنوية الأولى لمقتل مقداد، حول موضوع جرائم الشرف في المجتعمات الإسلامية و”التهديد” الذي يمثله تطبيق قوانين الشريعة (الإسلامية) في الولايات المتحدة، بحسب معظم المؤتمرين.
ووصفت غيللر مؤتمر “رفض الإسلاموفوبيا” الذي أقيم في فندق “دبل تري” بأنه فعالية “داعمة لجرائم الشرف” وقالت متسائلة: “لماذا لا يقف هؤلاء ويتكلمون ضد جرائم الشرف؟”.
وتجدر الإشارة إلى أن غيللر وزملاءها صنفوا حادثة مقتل مقداد كجريمة شرف، مع أن تقرير الشرطة المتعلق بالحادثة نفى وجود أية دوافع دينية وراء الجريمة. وفي هذا السياق قال مساعد المدعي العام في مقاطعة ماكومب بيل كاتالدو لـ”صدى الوطن”: “إنه لا يوجد أي دليل حول كون الحادثة جريمة شرف.. وأن مقداد قصدت مركز الشرطة لتشتكي على تحرشات زوج أمها الجنسية والاعتداء عليها”.
أضاف: أن المتهم (العراقي رحيم الفتلاوي) غضب جدا في إحدى المرات حين ضبطها تناقش هذا الموضوع مع صديق لها عبر الهاتف.
وكان من الواضح أن غيللر تابعت مجريات أخبار مؤتمر “رفض الإسلاموفوبيا” وعلقت على ملاحظات إمام “المركز الإسلامي في أميركا” السيد حسن القزويني الذي طالب غيللر، إن كانت مهتمة فعلا بالنساء المسلمات، “أن تقف إلى جانب نساء فلسطين اللواتي يقتل أزواجهن وأبناؤهن وأولادهن”. وردت غيللر على ذلك بالقول: “حسنا.. ها إنني اقف وأعلن أنه لا وجود لفلسطين”.
وضجت القاعة، التي ضمت حوالي مئتي شخص أغلبيتهم الساحقة من الأميركيين البيض، بالتصفيق والضحك حين قالت في سياق انتقادها “للعمليات الانتحارية التي ينفذها مسلمون”: “أنا بحياتي لم أر اشخاصا يفجرون أنفسهم وهم يصرخون: المسيح أكبر”.
بدورها، تحدثت نوني درويش، التي غيرت دينها من الإسلام إلى المسيحية، والتي عاشت لعقود طويلة في الشرق الأوسط، عن جريمة شرف ذهبت ضحيتها فتاة في الـ16 من عمرها، وبحسب درويش فإن تلك الفتاة حملت بطفل بعد اغتصابها وبعدما ولدته قام أقاربها بقتلها.
وأضافت درويش: “للإسلام وجهان: واحد معتدل وسلمي وهو الإسلام في أميركا، والثاني هو الإسلام في العالم الإسلامي الذي عشت فيه، وهذا العالمان منفصلان ولا أريد للأميركيين أن يخدعوا في هذا الشأن”.
وأجمع معظم المتحدثين وبينهم مدير منظمة “مراقبة الجهاد” روبرت سبنسر حول التهديد الذي تمثله قوانين الشريعة (الإسلامية) في أميركا، وقالت درويش بهذا الصدد: “إن أحكام الشريعة يجب أن تزال عن وجه الأرض، فكل امرأة مسلمة تخاف أحكامها”.
كما تم عرض شريط فيديو للمبشرين المسيحيين الأربعة الذين تمت “إدانتهم بتهمة التبشير بالسلام” في المهرجان العربي في ديربورن، عام 2010، بحسب المنظمين. (الصحيح أنه تم توقيفهم بتهمة تعكير الأمن والسلامة العامة حسب شرطة ديربورن).
وتضمن المؤتمر شهادة لمن قال أنه أحد أصدقاء جيسيكا ويدعى داوين غيلز، قال فيها إنه كان شاهدا أكثر من مرة “على القمع الذي كان واقعا على جيسيكا.. أثناء حديثي معها على الهاتف”. أضاف “جيسيكا لم تكن راغبة أبدا بارتداء الحجاب وكانت عائلتها تشعر بأنها متمردة على الإسلام”.
والجدير بالذكر أن عائلة جيسكا مقداد أعلنت رفضها في أكثر من مناسبة لاستخدام اسم ابنتها في المؤتمر، ولكنها لم تلق آذانا صاغية من المنظمين.
رفض الإسلاموفوبيا وأجندات الكراهية
وقبل انعقاد “مؤتمر جيسيكا مقداد” بساعات، عقدت مؤسسات عربية وإسلامية أميركية مؤتمرا، في فندق “دبل تري”، تحت عنوان: “رفض الإسلاموفوبيا: مجتمع يقف ضد الكراهية” دعت له عدة مؤسسات بينها “اللجنة العربية لمكافحة التمييز” (أي دي سي) و”الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية”، و”أكسس”، و”المعهد العربي الأميركي”، و”غرفة التجارة الأميركية العربية”، وصحيفة “صدى الوطن” ومجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير) و”المركز الإسلامي في أميركا” ومؤسسات أخرى.
وتمكن المؤتمر من جذب أضواء الإعلام بمواجهة مؤتمر غيللر. وقال عضو الكونغرس الأميركي جون كونيورز الذي كان من بين عدة متحدثين في المؤتمر الذي استمر لحوالي ساعتين: “تستمر المعاناة في مواجهة الممارسات العنصرية والتقسيمية التي تفرض وجودها بصورة دائمة في تفاعلنا الإجتماعي، ليس فقط في مدينتي ديربورن وديترويت بل في كل أنحاء الولايات المتحدة الأميركية.. ومكافحة الإسلاموفوبيا ليست مجرد ظاهرة إجتماعية معزولة بل هي جزء لا يتجزأ من الحرب ضد العنصرية”.
ومن جهته قدم الناشط إيلاي كليفتون، من “المركز الأميركي للتقدم” اليساري، عرضا وأمثلة عن الدعم المالي الذي تتلقاه الجماعات المناهضة للإسلام في أميركا منذ أحداث ١١ أيلول (سبتمبر) عام 2001، مشيرا الى الدعم الكبير الذي كان يقدمه الرئيس جورج بوش وحكومته لهذه الجماعات. وقال: “في العام 2002 قامت صحيفة “واشنطن بوست” ومحطة “أي بي سي نيوز” بدراسة عينية أظهرت أن 39 بالمئة من الأميركيين يكنون العداء للإسلام. وقد أجريت الدراسة نفسها في العام 2010 لتظهر إزدياد العداء للمسلمين بنسبة 49 بالمئة من الأميركيين”.
وأضاف في هذا السياق: “إنه من غير المنطقي أن يزيد العداء للإسلام في فترة زمنية قصيرة، إلا أن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذه النتيجة هو الدعم المادي واللوجستي الذي تتلقاه المجموعات المناهضة للإسلام من قبل أطراف متعددة في الولايات المتحدة الأميركية، خصوصا بين العامين 2007 و2008 حيث استخدمت “الإسلاموفوبيا” كمادة دسمة في سباق المرشحين للرئاسة الأميركية.. ليس المال وحده ما يمول “الإسلاموفوبيا” بل أيضا الإيديولوجيا الخاصة بهذه الجماعات”.
وتحدثت الصحفية سارة بوزنر عن الأفلام المعادية للإسلام والتي تقوم بتمويلها الحكومة الأميركية وتدخل في تدريبات الشرطة ومؤسسات تطبيق القانون، وقالت: “إن المرشحين للإنتخابات الرئاسية الأميركية من الحزب الجمهوري يستخدمون “الإسلاموفوبيا” والعداء للإسلام في الترويج لحملاتهم الإنتخابية ولإستقطاب الناخبين.. وللأسف إن هذه الحملات تلقى ترحيبا بين المواطنين”.
من ناحيته، قال رئيس “المعهد العربي الأميركي” جيمس زغبي: “إن الكراهية متفشية في مجتمعاتنا والسبب يعود الى مصادر المعلومات التي تغذي المواطنين بالعنصرية والتمييز. وهذه المصادر تتشكل بصورة أساسية من الثقافة الشعبية المستوحاة من الوسائل الإعلامية والديانات التي يتبعها الأفراد من جهة ومن الثقافة السياسية المدعومة من الحكومة الأميركية ورجالات السياسة من جهة أخرى”. وأضاف “إذا تعمقنا في الثقافتين الشعبية والسياسية في أميركا نجد أنهما المنبع الأول للتنميطات المجحفة والعنصرية والكراهية والحقد الممارس على الأقليات الإجتماعية وعلى رأسها الإسلام”.
ووصف إمام “المركز الإسلامي” السيد حسن قزويني منظمي “مؤتمر جيسيكا مقداد” بالمتسولين الذين يملكون أجندة إيديولوجية الذين جاؤوا إلى مدينة ديربورن من أجل مناهضة الدين الإسلامي وبث مشاعر الكراهية والتعصب ضد المسلمين”.
وأشار المدير الإقليمي لـ”اللجنة العربية الأميركية لمكافحة التمييز” (أي دي سي) فرع ميشيغن، عماد حمد، إلى خطر الترويج لثقافة الإسلاموفوبيا داعيا إلى مكافحتها بكافة السبل، وقال: “هذا الأمر لا يتطلب منا أن نكون متفاعلين فقط، بل أيضا إستباقيين في سبيل مواجهة تحديات الظلم والكراهية الممارسة على الإسلام. كما يتطلب من العرب والأميركيين المسلمين وضع خطة متماسكة وفعالة من أجل مكافحة العنصرية ضدهم”.
بدوره، أدرج المدير التنفيذي لـ”مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية” (كير)–ميشيغن، داوود وليد، في كلمته الإسلاموفوبيا في “تاريخ الولايات المتحدة العنصري”، وقال: “تُمارس العنصرية على الأميركيين المسلمين ليس فقط على أساس الإنتماء الديني بل أيضا على أساس عرقي. فالعرب الأميركيون هم بيض من الناحية العرقية الا أنه يتم التعامل معهم في أميركا بتمييز عرقي بإعتبارهم من الملونين”. وأضاف: “وإذا عدنا في التاريخ الى الوراء نجد أن أقيات كالإيرلنديين والإيطاليين واليهود مورس عليهم التمييز إلا أنهم كانوا مقبولين كجماعات تنتمي الى العرق الأبيض في أميركا”.
وقال ناشر صحيفة “صدى الوطن” الزميل أسامة السبلاني “هنالك إختلاف جذري بين الندوة التي تجري هنا وبين الندوة المقررة عند الخامسة في فندق “حياة ريجنسي”. نحن نقف من أجل أميركا ومن أجل المبادئ السامية فيها بينما يقفون هم ضد أميركا وضد التاريخ الحضاري الذي إنبنت عليها”.
وأضاف: “نعرف جيدا أن هذه الجماعات المناهضة للإسلام مدعومة ماديا ولديها أجندة واضحة ولكن هذا ليس بسبب كاف لنجاحها.. هم سيفشلون في تحقيق أهدافهم لأنهم يعملون ليس فقط ضد الإسلام بل ضد التاريخ الأميركي وضد التنوع الحضاري فيه وضد الأهداف الأساسية التي نشأت عليها أميركا”.
ونوه رئيس “الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية” المحامي نبيه عياد بتنوع منطقة ديترويت العرقي والديني وقال “هذه ميزة يجب أن تحفزنا على المشاركة بفعالية من أجل محاربة كل من يحاول المساس بهذا التنوع الخلاّق، لأنه عندما نسمح بممارسة التمييز على فئة معينة، المسلمين مثلا، نكون بذلك نشرع الأبواب أمام الممارسات التمييزية والعنصرية ضد كل فئات المجتمع. وبدءا من هذه اللحظة، أدعو أبناء الجاليات العربية وأبناء مجتمعات ميشيغن كاملة على إطلاق حملات تمويل تهدف الى محاربة العنصرية وكل أشكال التمييز”.
وقال راعي الكنيسة المعمدانية القس ريفان دان بيتري: “إن العنصرية ليست حكرا على الملونين بل تمارس ضد كل مجتمعات الأقلية وعلينا أن نقف معا متحدين من أجل محاربة شتى أشكالها. والعنصرية ليست قضية محلية فقط بل هي قضية عالمية تقع ضحيتها العديد من الفئات الإجتماعية المتنوعة”.
كما أدان عضو الكونغرس الأميركي هانسن كلارك “الأجندة التي تعمل على خلق الكراهية ضد الإسلام حتى في الكونغرس الأميركي”. وقال “عندما يحارب الإسلام أشعر بأنهم يحاربون دين أبي الذي كان رجلا صالحا بسبب إيمانه القوي بدينه. يجب أن نرفض كل أشكال التمييز والعنصرية الممارسة على الأقليات العرقية والإجتماعية والاسلام جزء منها، لأنه بدفاعنا عن الإسلام والمسلمين ندافع عن وحدة هذا الوطن وعن العدالة السامية فيه”.
Leave a Reply