نوال حمادة التي هاجرت الى الولايات المتحدة قادمة من بيروت في العام 1971 وصلت الى بلاد العم سام وهي وبالكاد تتكلم بضع كلمات إنكليزية، ولكنها سرعان ما شقت طريقها لتكتب قصة نجاح ملهمة للمهاجرين ولاسيما العرب الأميركيين منهم. اليوم تشرف حمادة على شبكة من المدارس المشتركة (تشارتر) في منطقة ديترويت الكبرى، التي تثبت عاماً بعد عام تفوقها في الولاية عبر حصد الجوائز التقديرية الرفيعة على مستوى ميشيغن والولايات المتحدة.
المربية نوال حمادة. |
حمادة تمتلئ بالغبطة حين تتحدث عن خدمتها لجموع الطلبة الذين درسوا وتخرجوا من مؤسسة حمادة للخدمات التربوية (أتش إي أس) التي أطلقتها في العام 1998، لتحتضن اليوم 2700 طالباً وطالبة من صفوف الرياض ولغاية الصف 12 (التخرج الثانوي) ويعمل فيها 370 من المعلمين والموظفين.
واحدة من المدارس التابعة لمؤسسة حمادة هي مدرسة «ستار انترناشونال أكاديمي» في ديربورن هايتس والتي صنفتها مجلة «يو أس نيوز أند وورلد ريبورت» بأنها واحدة من أفضل المدارس في أميركا بين العامين 2007 و2012.
في لقاء مع «صدى الوطن»، أجري الأسبوع الماضي، قالت حمادة «دائماً أتلقى الشكر والامتنان أينما ذهبت على الخدمات التربوية التي تقدمها مؤسستنا، وهذا أفضل شيء بالنسبة لي.. فرسالتنا دوماً هي إحداث فرق إيجابي في حياة الطلاب ومستقبلهم».
المدارس الاخرى التابعة للمؤسسة هي: «يونفرسال أكاديمي» في ديترويت، «نور إنترناشونال أكاديمي» في ستيرلينغ هايتس، «يونيفرسيل ليرنينغ أكاديمي» في وستلاند، وجميعها أسستها حمادة وهي المديرة التنفيذية لها.
وجميع المدارس التابعة للمؤسسة معترف بها من قبل وزارة التربية في ميشيغن التي صنفتها كمدارس متميزة طيلة السنوات الأربع الماضية. في حين سميت مؤسسة حمادة للخدمات التربوية واحدة من أفضل 15 مؤسسة تعليم مشترك على مستوى الولايات المتحدة، وفق صندوق تنمية المدارس المشتركة في العام 2010، فيما حازت ثانوية «ستار أكاديمي» على لقب «التميز من الدرجة الأولى» من وزارة التربية في الولاية عام 2011، كما مُنحت ثانويتيا «ستار» و«يونفيرسيل» شهادات تميز عالية.
وتعتبر حمادة أن المدارس العامة وكذلك الخاصة تجري تحسينات دائمة على النظام التربوي، إلا أن هناك مجالات أخرى للتحسين تتبناها المدارس المشتركة، مع العلم أن المناهج التربوية في مدارس حمادة توافق معايير الولاية والمعايير الوطنية والدولية.
ولكن مدارس حمادة تتميز عن غيرها في توفير البيئة التعليمية ذات الثقافات المتعددة، وهذا أحد أبرز الأهداف التي عملت حمادة على إنجازها، إضافة الى وضع آليات تسعى لعدم تخلف أي طالب عن مواصلة الدراسة بسبب انتمائه العرقي. وقد لاحظت حمادة خلال مسيرتها المهنية كيف أن بعض الطلاب عانوا من التراجع الأكاديمي بسبب لون بشرتهم أو طريقة نطقهم أو لباسهم، الأمر الذي شكل لها دافعاً قوياً «لامتلاك المدارس حتى يكون بوسعها تغيير هذه السلوكيات وتوفير مكان مميز لهؤلاء الطلاب لا يشعرون فيه بأنهم مختلفون أو غرباء بسبب خلفياتهم العرقية أو لكنتهم».
وأكثر من ذلك، لعبت مؤسسة حمادة للخدمات التربوية دوراً في جذب السكان للمناطق المحيطة بمدارسها التي استقرت في مبان كانت مهجورة قبل اشغالها بمئات الطلاب والموظفين والمعلمين.
ويُشهد لمدارس «حمادة» بالمعدلات والنتائج العالية التي يحققها طلابها إضافة الى تحقيق نسبة تخرج عالية جداً تبلغ 100 بالمئة مع نسبة قبول في الجامعات تبلغ 100 بالمئة أيضاً، حسب حمادة.
اليوم جميع المدارس التابعة للمؤسسة فيها قوائم انتظار لتسجيل الطلاب، فهناك 700 طالباً على هذه القائمة في «ستار أكاديمي»، الأمر الذي تعتبره حمادة «مشكلة محببة لدينا.. فهي تعبر عن مستوى التعليم العالي في مدارسنا وتعطينا الدافع للتقدم وتحقيق المزيد». وتقول حمادة «بعض خريجي مدارسنا أكملوا تعليمهم وعادوا ليعملوا معنا في الإدارة وسلك التدريس». وأضافت «سعدت كمربية بفرصة امتلاك المدارس، لأحقق رسالتي ورؤيتي وفلسفتي واقدم للمجتمع واحدة من الاحتياجات الأساسية».
تلامذة في مدارس حمادة |
ويذكر أن حمادة حاصلة على بكالوريوس في التاريخ والعلوم الاجتماعية من «جامعة ديترويت» حيث أكملت الدراسة في سنتين ونصف سنة عام 1974، وحصلت على الماجستير في القيادة التربوية وإدارة المدارس الثانوية من جامعة «إيسترن ميشيغن» وقطعت شوطاً في الحصول على درجة الماجستير في السياسة الدولية وإدارة الأعمال.
وفي العام 1976 اقترنت بزوجها علي حمادة وهو مهندس ميكانيكي، حيث انتقلا للعيش في ممفيس (تينيسي) لمدة خمس سنوات قبل الذهاب للسعودية لـ18 سنة حيث عملت معلمة ورئيسة لقسم اللغة الانكليزية في «مدرسة التربية النموذجية» قبل العودة إلى اميركا في العام 1989، حيث أسست «مدرسة السبت العربية» التي لا زالت تعمل في «المركز الاسلامي في أميركا» (ديربورن)، وعملت كمساعدة لمدير «كرينست أكاديمي» في مدينة كانتون بين العامين 1991 و1995. وكذلك أسست «الأكاديمية الإسلامية الأميركية» وكانت مديرتها من العام 1995 ولغاية العام 1997. بعد ذلك أسست في 1998 «أكاديمية الشبان الإسلامية الأميركية» المعتمدة من «جامعة أوكلاند».
وفي عام 2004 أسست حمادة أكاديمية «يونفيرسيل ليرنينغ» في ديترويت المعتمدة من «كلية باي ميلز»، ومؤخراً أطلقت أكاديمية «نور انترناشونال» المعتمدة من «جامعة سنترال ميشيغن».
لدى حمادة اربعة أولاد وهم نادر (صيدلي)، ماجد (متخصص في تقويم العظام) رامي (تكنولوجيا الحاسوب)، وسالم (طبيب باطنية). وعن أبنائها تقول «بدأت بتعليم ابني القراءة في سنته الثانية، حينها أيقنت أني خلقت لأكون معلمة»، وبالفعل حققت حمادة «حلم والدها بفتح مدرسه».
مصاعب واجهتها حمادة
تقول حمادة «مررت بصعوبات لا يمكن تخيلها.. فلقد اضطررت لأخذ قرض من البنك مقابل رهن منزلي لأفتح أول مدرسة مشتركة.. وكان رهاننا: إما ان نخسر كل شيء عملنا لأجله لسنوات طويلة أو ننجح».. التحديات منذ ذلك اليوم لم تنته، وكان آخرها توجيه اتهامات جنائية لأربعة طلاب من لاعبي كرة القدم الأميركية (الفوتبول) من أكاديمية ستار، لكن هذه التهم أسقطت بعد معركة قضائية اخذت اهتماماً كبيراً من وسائل الإعلام المحلية.
وتقول حمادة «في كل مرة أتعرض فيها للمحن أقول لنفسي اصمدي بوجه كل السهام الموجهة نحوي.. عليك أن تستمري في رسالتك». وتضيف «الغريب أن مواصلة النجاح يلزمه كتم العواطف، ولكن لا أستطيع إلا أن أكون عاطفية في واجباتي المهنية، فالإنسان يبدع في المجال الذي يحبه».
لقد حققت حمادة ومؤسستها نجاحاً باهراً على مدى عقد من الزمن، وفي تموز (يوليو) الماضي أصدر «مركز ماكيناو للسياسات العامة» دراسة حول 684 مدرسة ثانوية في ميشيغن، تم تصنيفها وفق التميز في الأداء وحصلت بموجبها «أكاديمية ستار» على المرتبة الأولى تلتها «أكاديمية يونيفرسيل»، ولكن برغم كل هذا النجاح تحافظ حمادة على تواضعها وتقول «مال الدنيا كله لا يعوضني عن إحداث تطور في حياة الآخرين.. هذا ما يدفعني نحو النجاح وليس المال».
——-
ضمن مبادرة مشتركة مع وسائل إعلامية إثنية في منطقة ديترويت، تهدف الى إظهار دور المهاجرين في النهوض باقتصاد جنوب شرق ميشيغن، دأبت «صدى الوطن» على نشر تقارير عن مؤسسات اقتصادية ناجحة أطلقها عرب أميركيون. في هذا العدد:
مؤسسة حمادة للخدمات التربوية ..
——-
Leave a Reply