بسبب عزوف سائقي الحافلات عن نقلهم إلى قلب العاصمة
واشنطن، ديترويت – المئات من اليهود الأميركييين وأنصار إسرائيل المسافرين جواً من ديترويت إلى العاصمة واشنطن للمشاركة في تظاهرة مؤيدة لدولة الاحتلال، وجدوا أنفسهم عالقين في مطار داليس الدولي بولاية فيرجينيا يوم الثلاثاء الماضي بعد امتناع سائقي الحلافات عن نقلهم إلى مركز التظاهرة في ساحة «ناشونال مول».
وكانت منظمات يهودية أميركية عديدة قد عمدت إلى حشد أكبر مظاهرة مؤيدة لإسرائيل في تاريخ الولايات المتحدة رداً على مئات الفعاليات المؤيدة للقضية الفلسطينية في عموم الولايات الأميركية، وفي مقدمتها التظاهرة الوطنية التي شهدتها العاصمة واشنطن تحت عنوان «فلسطين حرة» يوم الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، للمطالبة بوقف إطلاق النار في غزة وإنهاء المساعدات الأميركية لدولة الاحتلال، إلى جانب وصف الرئيس الأميركي بالمشاركة في الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني.
وفي إطار التحشيد للتظاهرة الداعمة لإسرائيل، سافر أكثر من ٩٠٠ شخص من مطار ديترويت الدولي على متن ثلاث طائرات مستأجرة إلى العاصمة الأميركية للمشاركة في المظاهرة التي اجتذبت قرابة 290 ألف شخص من كافة الولايات الأميركية، لكن اختفاء سائقي الحافلات المفاجئ حال دون انضمام معظمهم إلى التظاهرة التي أقيمت تأييداً لإسرائيل واحتجاجاً على معاداة السامية، بالإضافة إلى المطالبة بالإفراج عن الرهائن الذين أسرتهم فصائل المقاومة الفلسطينية خلال عملية «طوفان الأقصى».
وإذا كانت التظاهرة الداعمة لإسرائيل قاربت حجم تظاهرة «فلسطين حرة»، إلا أنها تميزت بحضور سياسي رفيع تقدمه رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون (جمهوري) وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر (ديمقراطي) فضلاً عن عشرات المشرعين الآخرين.
في المقابل، كانت التظاهرة الوطنية المؤيدة لفلسطين قد ضمت نحو ٣٠٠ ألف متظاهر –بحسب المنظمين– مما جعلها أكبر فعالية شعبية تشهدها واشنطن منذ احتجاج أنصار الرئيس السابق دونالد على نتائج انتخابات 2020، كما أنها جاءت بعد تنظيم مئات الاحتجاجات المماثلة في عموم الولايات الأميركية منذ اندلاع الحرب في غزة.
وبحسب «مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها» ACLED، شهدت الولايات المتحدة نحو 600 تظاهرة تتعلق بحرب غزة بين ٧ و27 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، من بينها نحو ٦٠ تظاهرة واجهها احتجاج مضاد.
وفي الجامعات الأميركية، واجهت مجموعات متنافسة من الطلاب المتظاهرين بعضها البعض في مشاهد متوترة، وكانت هناك تقارير عن مضايقات واعتداءات على الطلاب المؤيدين لإسرائيل والمؤيدين للفلسطينيين.
استياء في ديترويت
جاء تنظيم «مسيرة من أجل إسرائيل» بمشاركة منظمات ومدارس ومعابد يهودية، بالإضافة إلى جمعيات المغتربين الإسرائيليين ومراكز الجالية اليهودية التي نظمت رحلات جماعية من عموم الولايات المتحدة إلى واشنطن، فيما شقّ الكثيرون طريقهم بمركباتهم الخاصة من الولايات المجاورة. غير أن الجهود التي بذلها المنظمون في ميشيغن ذهبت أدراج الريح بسبب سائقي الحافلات الذين تركوا المسافرين في حرم مطار داليس يضربون أخماساً بأسداس بعد أن تكبدوا عناء السفر وتكاليفه.
وأعربت قيادات يهودية في منطقة ديترويت عن قلقها واستيائها من عزوف السائقين عن نقل مئات المتظاهرين، الذين حشدتهم منظمتا «الاتحاد اليهودي بديترويت» و«المجلس اليهودي للعلاقات المجتمعية»، إلى مركز التظاهرة التي وصفها المسؤول في «الاتحاد اليهودي بمنطقة ديترويت»، ديفيد كورزمان، بأنه جاءت «لتركيز الحوار الوطني على قضية إطلاق سراح حوالي 240 رهينة» تحتجزهم فصائل المقاومة الفلسطينية داخل غزة منذ السابع من أكتوبر المنصرم.
وأفاد كورزمان في بيان –الثلاثاء الماضي– بأن بعض الحافلات التي تم استئجارها تخلفت عن نقل مئات المحتجين من المطار إلى قلب العاصمة (زهاء 42 ميلاً)، وذلك بسبب توقف السائقين عن العمل بشكل «متعمد وخبيث»، على حد تعبيره.
وقال الاتحاد اليهودي بمنطقة ديترويت في بيان منفصل «نرجو أخذ العلم بأننا نجمع المعلومات ونقيّم الخطوات المستقبلية مع مستشارينا المهنيين بما يتعلق بهذه المسألة».
وقال كورزمان: «بينما نشعر بالفزع العميق إزاء هذا السلوك المشين، فإن تصميمنا على الوقوف بفخر متضامنين مع شعب إسرائيل، وإدانة معاداة السامية والمطالبة بعودة كل رهينة تحتجزها حماس هو أكبر من أي وقت مضى»، لافتاً إلى أن شركة الحافلات المستأجرة كانت قد أبلغت منظمته مساء الاثنين المنصرم بأنها تواجه «مشكلة» بسبب إبلاغ بعض السائقين عن معاناتهم من حالات مرضية.
واستدرك كورزمان بالقول إن شركة الحافلات ملتزمة بالوفاء بوعودها تجاه «مجموعتنا»، وأضاف «كنا نتوقع أنهم سيفعلون ذلك تماماً، فلقد أظهروا الرغبة والنية الكاملة للقيام بدورهم، ولكن اليوم يبدو أنهم يواجهون بعض التحديات». ولم يذكر كورزمان عدد الحافلات التي استأجرتها المنظمة اليهودية، لكنه أشار إلى أن ثلث المسافرين لم يتمكنوا من المشاركة في المسيرة.
وعن أهمية التظاهرة، قال كورزمان «كيف يمكن ألا أكون في العاصمة في مثل هذا اليوم، هذه هي فرصتنا كجالية يهودية، إلى جانب آخرين، لإظهار دعمنا الحقيقي لإسرائيل»، مردفاً بأن الاحتجاجات «الأخرى» حول الحرب والاحتلال تصرف التركيز عن مقتل المدنيين والرهائن لدى «حماس».
واستدرك كورزمان بأنه يشعر «بالفزع تجاه كل طفل يعاني ويقتل»، ملقياً باللوم على حركة «حماس»، وقال: «إنها حرب مروعة ضد حماس، واللوم يقع مباشرة عليها».
السناتور عن منطقة ساوثفيلد في مجلس شيوخ ميشيغن، جيريمي موس، كان من بين المسافرين إلى واشنطن على متن إحدى الطائرات المستأجرة التي وصلت إلى العاصمة الأميركية صباح الثلاثاء الماضي، إلا أن الأمر انتهى بمجموعته بالانتظار على متن الطائرة طوال فترة ما بعد الظهر، بعد امتناع السائقين عن نقل الركاب، ما حال دون وصول مجموعته إلى العاصمة واشنطن.
وقال السناتور الديمقراطي إنه حرم مع المئات من يهود منطقة ديترويت الآخرين من فرصة المشاركة في «عرض هائل لدعم الرهائن والرفض القوي لمعاداة السامية»، مضيفاً: «ما زلت في انتظار جميع التفاصيل حول أسباب عدم حضور سائقي الحافلات».
كذلك، كان الحاخام مايك موسكوفيتش –من كنيس «شير شالوم» في وست بلومفيلد– من بين الذين انضموا للمظاهرة لكنه أكد بأن بعض المسافرين وجدوا أنفسهم من دون حافلات تنتظرهم على المدرج. وقال: «ما سمعته هو أن بعض سائقي الحافلات الذين كانوا ينقلون ركاباً من طائرة أخرى حملوا أشخاصاً في حافلاتهم، ثم نزلوا من الحافلات ورفضوا نقل الركاب إلى المظاهرة».
من جانبها، قالت إيلا كوهين، البالغة من العمر 19 عاماً من مدينة برمنغهام، إنها كانت واحدة ممن حالفهم الحظ للمشاركة في المسيرة، بعدما «خدعت» شركة الحافلات بعض المجموعات الأخرى، مضيفة: «لقد توجب علينا أن نجمع الكثير من الناس في بعض الحافلات ما اضطر البعض إلى الجلوس في أحضان الآخرين أو الوقوف في الممر».
وأوضحت بأن الوضع كان «محموماً للغاية»، لافتة إلى أن بعض شركات الحافلات تمكنت من التدخل في اللحظة الأخيرة من أجل خدمة المسافرين، في حين اعتمد البعض الآخر على تطبيق «أوبر» لكي يتمكنوا من اللحاق بالتظاهرة التي أقيمت وسط إجراءات أمنية مشددة.
Leave a Reply