اتسمت المئة يوم الأولى من حكم الرئيس دونالد ترامب بمحاولات رفض ودحض كل الأعمال التي قام بها الرئيس السابق باراك أوباما خلال ولايتي رئاسته. بعبارة أخرى، كان أداء ترامب بمثابة «محو بالأبيض» لما فعله الرئيس الأسود.
وفي الواقع، فإن المئة يوم الأولى من رئاسة ترامب تميزت بوهم العمل، ولم يكن ذلك سوى نتيجة طبيعية لمواصلة المحاولات بإلغاء ونقض كل التشريعات والقرارات التنفيذية التي أصدرها أوباما.
أما الحلقة الأخيرة من جهود ترامب فقد أثمرت تمزيقاً متسرعاً لمشروع قانون الرعاية الصحية المعروف باسم أوباماكير وسط تجاهل تام لمصير ملايين الأميركيين الذين وفر لهم النظام الحالي التغطية الصحية التي كانوا محرومين منها سابقاً.
فقد تمكن ترامب من جمع الأصوات اللازمة من الجمهوريين في مجلس النواب الأميركي، لإسقاط «أوباماكير» بهامش 217 صوتاً مقابل 213، وسط رفضل شامل من جميع النواب الديمقراطيين.
وقد اعترف أحد النواب الجمهوريين، وهو كريس كولينز (جمهوري عن نيويورك) بأنه لم يقرأ مشروع القانون كاملاً، ولكن يبدو أن النزعة إلى التخلص من إرث أوباما لا يضاهيها شيء بالنسبة لبعض المشرعين والسياسيين في اليمين الجمهوري.
ولكن لا يزال أمام ترامب إقناع العدد الكافي من أعضاء مجلس الشيوخ لإنهاء «أوباماكير» الذي وصفه بأنه «يحتضر».
وكان لافتاً أنه بعد فشل محاولته الأولى في الكونغرس، لم يتوان الرئيس عن انتقاد –وحتى تحقير– مشرعي حزبه، بمن فيهم رئيس مجلس النواب بول راين.
رغم نجاح ترامب الأولي في الكونغرس، إلا أن قراراته وتوجهاته الرئاسية لم تكلل جميعها بالنجاح، حيث عطّل القضاء الفدرالي قرارين تنفيذيين بشأن حظر دخول مواطني سبعة دول ذات أغلبية إسلامية في المرة الأولى، وست دول في المرة الثانية (باستثناء العراق)، قبل أن تعلق محكمة فدرالية لاحقاً قراره بشأن حجب التمويل الفدرالي عن مدن الملاذ.
أما قرار إدارته بحظر اصطحاب الأجهزة الإلكترونية على متن الرحلات الجوية القادمة من ثمانية بلدان إسلامية، فقد جاء كمحاولة بائسة لإرضاء شركات الطيران الأميركية تحت وطأة المنافسة الشديدة من الشركات العربية المنافسة.
وبانتظار ترجمة ترامب لوعوده إلى واقع ملموس، بإصلاح نظام الضرائب والبنى التحتية المتهالكة في البلاد وغيرها من تعهداته للناخب الأميركي، لا يزال الغموض والتخبط يطغيان على السياسة الخارجية للإدارة الجديدة.
وفي واقع الأمر لا يمكن لأحد أن ينكر حجم المآزق الدولية التي خلفتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، غير أن سياسة ترامب الخارجية لا يبدو أنها تسير في اتجاه تعزيز مكانة الولايات المتحدة الدولية، في ظل التناقضات شبه اليومية في التصريحات والمواقف الأميركية، من الأزمة الكورية الشمالية إلى إيران وسوريا مروراً بإسرائيل والقضية الفلسطينية وصولاً إلى العلاقات مع روسيا والصين.
فترامب لا يستطيع حتى أن يعلن عن موقفه من السعودية أو إسرائيل، الحليفتين الأقرب للولايات المتحدة، فمرة يعلن عن التزامه الثابت بالحلف الاستراتيجي مع السعودية، وأخرى يتعهد بمكافحة جذور التطرف والدول الراعية للإرهاب. ومرة يدوخ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من خلال الإعلان عن عزم أميركا الإيفاء بوعودها نحو إسرائيل، وأخرى يسبب الإحباط للدولة العبرية التي يقترح عليها التخفيف من بناء المستوطنات.
وفيما كانت حدة التوتر مع كوريا الشمالية تصل إلى حافة حرب نووية، فاجأ ترامب الجميع –الأسبوع الماضي– بإطرائه على الزعيم الكوري مبدياً استعداده للقائه «في حال توفرت الظروف المناسبة»، وفي نفس الوقت يهدده بفرض عقوبات اقتصادية جديدة على بلده، كوريا الشمالية.
وأمام تقلبات مزاج ترامب، لا يبدو أن السياسة الخارجية الأميركية في طريقها للتعافي واستعادة مصداقيتها على الساحة الدولية. فقد بات المراقبون والمحللون السياسيون اليوم أمام واقع جديد، حيث لم يعد بإمكانهم الاستناد إلى تصريحات سيد البيت الأبيض، التي كانت فيما مضى تقاس بميزان الذهب، أما اليوم فقد بات الجميع مقتنعين بأن ترامب ليس إلا «بياع كلام»، وما أقواله ومواقفه إلا جزء من أسلوبه التفاوضي الذي يتطلع إلى النتائج بغض النظر عن الأساليب مهما تدنى مستواها.
Leave a Reply