تدابير غير مسبوقة لإنقاذ الاقتصاد لكن المخاطر مستمرةواشنطن – خاص “صدى الوطن”احتفل باراك أوباما الأربعاء الماضي بمرور ١٠٠ يوم من ولايته كرئيس للولايات المتحدة بعد بداية صعبة أوضح فيها نهجا جديدا تجاه سياسات مختلفة من الاقتصاد إلى التغير المناخي إلى العلاقات الأميركية الإيرانية والانفتاح على سوريا وصولا الى قرار الانسحاب من العراق والتركيز على أفغانستان وباكستان، ناهيك عن الانفتاح على الدول اللاتينية ذات التوجهات اليسارية.
استغل البعض هذه المناسبة لتقييم سياسات أوباما حتى في الوقت الذي حذر فيه محللون من أن من السابق لأوانه تحديد ما إذا كانت القائمة الطويلة من المبادرات التي يقوم بها قد حققت نجاحا، لكن هذا لم يمنع الكثيرين من البدء بحملات ضد سياسات أوباما ولاسيما من المحافظين عبر إعلامهم المرئي والمسموع والمكتوب.وفي حين أن البيت الأبيض يصف أول مئة يوم من رئاسة أوباما بأنها مقياس مصطنع من اختراع وسائل الإعلام إلا إنه يسلط الضوء عليها من خلال مظاهر للاحتفال بالمناسبة. ومن بينها زيارة أوباما إلى مدينة أرنولد في ولاية ميسوري لحضور اجتماع يشبه اجتماعات مجالس البلدية وعقد مؤتمر صحفي في البيت الأبيض للمناسبة.واستغل الرئيس الذي يحظى بقبول بنسبة ٦٠ في المئة المناسبتين في التحدث عن أهدافه فيما يتعلق بالرعاية الصحية وإصلاح القطاع المصرفي المتأزم وإنقاذ شركات السيارات الأميركية ومحاربة ظاهرة ارتفاع حرارة الأرض والسعي إلى قدر أكبر من التفاهم مع دول أخرى.ومن القضايا التي تلزم أوباما بالتعامل معها أيضا تفش لانفلونزا الخنازير الذي كان بالنسبة له أول حالة طواريء صحية عامة وجدل متزايد حول قراره بالكشف عن وثائق سرية تذكر تفاصيل وسائل تحقيق قاسية مع المشتبه بهم في قضايا الإرهاب خلال إدارة الرئيس السابق جورج بوش.ويعود تقليد الاحتفال بذكرى أول مئة يوم من الرئاسة إلى الرئيس فرانكلين ديلانو روزفلت الذي تفاخر بقدرته على تمرير ١٥ تشريعا رئيسيا في تلك الفترة بعد توليه المنصب عام ١٩٣٣ خلال فترة الكساد العظيم.وعلى الرغم من أن أيا ممن خلفوه لم يكونوا بنفس القدر من النشاط الذي أبداه روزفلت في أول أشهر من وجوده في البيت الأبيض فما زالت وسائل الإعلام مولعة بأول مئة يوم.وقال روس بيكر استاذ العلوم السياسية في جامعة “رتجرز” “ليس هناك سحر في أول مئة يوم.. أعتقد أن الناس تبحث عن علامة بارزة أو نوع من الاسترشاد”.ويرى محللون إن المثال على خطأ الاسترشاد بأول مئة يوم الرئيس السابق بوش.فقد تحددت سمات فترتي ولاية الرئيس الجمهوري بقرارات مثل شن الحرب في العراق وذلك في اعقاب هجمات ١١ ايلول (سبتمبر) ٢٠٠١ التي وقعت بعد نحو تسعة أشهر من تولي بوش منصبه.ولكن بيكر وخبراء آخرين قالوا إن الشهور الأولى لأوباما كشفت الكثير عن أسلوب حكمه بما في ذلك اتزانه وفاعليته في القيادة ولكن أيضا ولعه بإضافة الكثير من المهام في جدول أعماله السياسية.وفيما يتعلق بالسياسة الداخلية انتقد البعض أوباما لأنهم يرون أن برنامج تحفيز الاقتصاد والميزانية التي وضعها والتي يبلغ حجمها ٣,٥٥ تريليون دولار لعام ٢٠١٠ ستحد من النمو الاقتصادي في المستقبل لأنها ستؤدي لزيادة الدين الحكومي.كما انتقد آخرون أوباما بسبب طريقة تعامله مع الأزمة المصرفية قائلين إنه كان عليه أن يتحرك أسرع من ذلك وبشكل أكثر حسما لمحاولة مواجهة مشكلة الديون المتعثرة التي تطوق النظام المالي. ولكن أنصار أوباما يشيرون إلى ما يعتبرونه مؤشرات مبكرة على أن الحلول الاقتصادية التي وضعها ربما تنجح بما في ذلك استقرار أكبر للبورصة وثبات في طلبات إعانات البطالة بعد زيادات هائلة في فترة سابقة.مسار اقتصادي جديداتخذت إدارة اوباما التي مضى مئة يوم على بدء عملها، تدابير مهمة لإخراج الاقتصاد الأميركي من أزمة خطيرة غير مسبوقة منذ ستين عاما بدأت نتائجها الايجابية تظهر اليوم بالرغم من وجود مخاطر حقيقية.ولدى وصوله الى سدة الرئاسة في ٢٠ كانون الثاني (يناير)، ورث الرئيس الأميركي اوضاعا كارثية لان البلاد كانت تشهد انكماشا منذ أكثر من عام وتراجعا لإجمالي الناتج الداخلي بوتيرة غير مسبوقة وصرف من الخدمة على نطاق واسع وارتفاعا لنسبة البطالة الى أعلى مستوى منذ ١٩٩٢. ولزيادة الأمور تعقيدا، كانت المالية العامة في الولايات المتحدة في حالة سيئة مع تسجيل عجز قياسي في الموازنة.ولم يتحسن الوضع كثيرا مذاك، لكن الأميركيين يعتبرون ان الاتجاه المعتمد جيد. وبحسب استطلاع أخير للرأي يرى ٥٨ بالمئة من الأميركيين ان الرئيس يتبع “خطة واضحة لتسوية المشاكل الاقتصادية للبلاد”.ويبدو ان فترة الشكوك الناجمة عن الصعوبات التي واجهها تيموثي غايتنر لموافقة مجلس الشيوخ على تعيينه في منصب وزير الخزانة، أصبحت من الماضي.وقال الوزير ان الحكومة حركت الملف الاقتصادي أكثر من أي ملف آخر وفي فترة زمنية قياسية.والإجراء الأساسي الذي اتخذ في فترة المئة يوم من الحكم، يتمثل في الخطة التي أعلنها اوباما في منتصف شباط (فبراير) لإنعاش الاقتصاد وقيمتها ٧٨٧ مليار دولار على ثلاث سنوات. وبدأت نتائج هذه الخطة تظهر للعيان بحسب عدد من المحللين بفضل تخفيضات ضريبية قيمتها ٢٨٦ مليار دولار يفترض ان تساهم في تحسين الاستهلاك. وتخصص باقي الخطة لنفقات استثمارية ستظهر نتائجها في وقت لاحق.وفي موازاة ذلك واصلت الخزانة التحرك الذي اطلقته الحكومة السابقة لاستقرار النظام المالي.ومن أصل الـ٧٠٠ مليار التي خصصها الكونغرس لهذا الغرض، أنفقت حكومة جورج بوش ٣٥٥,٤ مليارا. وفي عهد اوباما، أنفقت الخزانة ٢٣٥ مليار دولار إضافي منها خمسون مليارا للسماح لأصحاب المنازل الذين يواجهون صعوبات بإعادة التفاوض بشأن قروضهم.وأطلق غايتنر خطة لشراء الأصول الهالكة والمتراكمة لدى المصارف والتي تخلى عنها سلفه ويتوجب ان يضخ فيها مئات المليارات من الدولارات بفضل شراكات بين الدولة والقطاع الخاص. وأخذت الصورة تتضح تدريجيا، لكن ما زال هناك الكثير يجب القيام به. وبدد صندوق النقد الدولي آمال الإنعاش السريع للاقتصاد متوقعا الا تتحسن الأوضاع الاقتصادية في الولايات المتحدة قبل ٢٠١٠ وان يكون النمو فيها معدوما هذه السنة. وعلى الأجل الأبعد، عندما يعود النمو ستضطر الحكومة الى خفض العجز في الموازنة الذي سيبلغ هذه السنة ١٧٠٠ الى ١٨٠٠ مليار دولار.وهناك أيضا الوعود التي قطعها اوباما خلال حملته الانتخابية بخفض الضرائب عن ٩٥ بالمئة من الأميركيين اذ ان تلك الواردة في خطة الإنعاش هي مؤقتة.كما تعهد اوباما بتأمين تغطية اجتماعية لـ٤٦ مليون أميركي. وهو رهان خطير في فترة تشهد ارتفاعا في عجز الموازنة خصوصا وان المزيد من الأميركيين يحرمون من الضمان الاجتماعي عندما يخسرون وظائفهم.ساهم في التقرير مارك جوردييه وكارين بوهان
Leave a Reply