خليل إسماعيل رمَّال
أهضم شيء فـي بلد «البلع من دون هضم» بعد اكتشاف شبكة الدعارة، التي سمَّاها الإعلام اللبناني «العبودية الجنسية» (!)، اندلاع «ثورة» وليد جنبلاط الفجائية العنيفة وحديثه عن فساد الدولة واهترائها وتآكلها بسبب الفضائح التي تفرِّخ كل يوم فـي «شبه الوطن»، وسَرْد جنبلاط لسيرة الكيان الجهيض وكأنه بريء من كل هذا الفساد أو كأنه ليس إبن ووريث وحامي وحارس وحرامي هذا النظام. لكن الجديد الملفت فـي «ثورته التويترية» هذه اتهامه لمسؤولين كبار فـي مكتب حماية الآداب بضلوعهم فـي شبكة الدعارة، وهذا صحيح مئة بالمئة بدليل أنَّ الشبكة الموبوءة كُشِفَ أمرها من قبل، عدة مرات، بل أنَّ مالك الفندقين المشبوهين، موريس جعجع، يقبع فـي سجن رومية لكن الشغل كان ماشي عال العال بالريموت كونترول ومعظم الدركيين هم من «همشرياته» على حد تعبيره. وفور إعلان جنبلاط، دعا نهاد المشنوق لفتح تحقيق فـي القضية على نمط الدول المتحضرة (بلا قياس وتشبيه) والذي يسمع يصدق لأننا نعرف مصير التحقيقات فـي بلد الفضائح ولفلفتها! فحتى الطبيب المجرم، الذي أجرى ٢٠٠ عملية إجهاض مقابل المال للتستر على تجارة الجنس والدعارة، دافع عنه رئيس نقابة الأطباء، فالمحاسبة محرَّمَة فـي بلد مصطنع كلبنان! تخيلوا لو حدث هذا فـي بلد يحترم نفسه!
يبقى أنَّ كلام جنبلاط حقٌ يُراد به باطل لأن سر ثورته ليست بسبب المباديء والأخلاق والقيم المدنية والمواطنية الصالحة (لا لا أبداً فكل هذه الصفات هجَرَتْ تلك البقعة منذ زمن طويل) بل يبدو أنه لم يأخذ نصيبه من الصفقة كعادته فـي كل مرة كما حصل فـي فضيحة النفايات التي تقاسمتها طبقة زمرة النظام ولم نعرف من المسؤول عن تسعة أشهر من السموم ولماذا لم يُحاسب وكيف طُمطمت القضية وطُمِرَت (عفواً نسيت أني أتحدث عن النظام اللبناني). وإذا تبيَّن أنَّ اتهام جنبلاط كان صحيحاً، وهو الأعلم بشركائه فـي هذه الطغمة الحاكمة، وطبعاً بما أنَّ مسؤولي حماية الآداب لهم ظهور سياسية تحميهم فهذا يعني أنه أصبح لوحوش السياسة فـي لبنان مهنة جديدة: قوادون! مبروك وطن النجوم.
«ثورة» جنبلاط انسحبت أيضاً على فضيحة «الإنترنت الأسود» حيث يُسجَّل له أنه أول من حمل على مدير «أوجيرو» الديكتاتور الحاكم بأمره، عبدالمنعم يوسف، الذي لا تطاله يد دولة ولا قضاء المحسوب على فريقه السياسي، والذي تبيَّن فـيما بعد أنْ أحد أزلامه متورط فـي تهريب الإنترنيت. لقد حاول عبد المنعم النأي بنفسه والإيهام بأنَّ شبكة الإنترنت إسرائيلية فقط، ولا دخل له بالموضوع مع انه هو بوابة عبور الصفقات العنكبوتية المرتشية. وكأن التجسس الاسرائيلي عبر الإتصالات فـي البلد السايب لم يعد يكفـي، حتى تبيَّن أنَّ الأم الحنون، فرنسا، تتجسس على صنيعتها عبر الكابل البحري، من دون أنْ تنبس الدولة المتهالكة ببنت شفة بالضبط كما صمتت صمت القبور بعد الإهانة التي وجهتها جريدة «الشرق الأوسط»، التابعة لآل سعود، للبنان عندما وصفته بكذبة نيسان.
والأنكى من ذلك، أنَّ الحكومة الصلعاء من الشيم هي التي كادت تعتذر من الوهابيين أسيادها بسبب اليافطة التي علَّقها فـي جل الديب الناشط العوني طوني أوريان حول مملكة القهر ردَّاً على «الشرق الأوسط» مما أدى إلى استنفار أشرف ريفـي الذي عاد عن استقالته بقدرة قادر فقط لكي يحمي ويرضي معلميه آل سعود عبر تحريك النيابة العامة ضد منتقديها لا غيرةً على البلد، وللتغطية على فضيحة سرقات قوى الأمن الداخلي فـي عهده اللاميمون. فمسخ الدولة لم يستفزه إذلال بوق آل سعود، حتى أنَّ أحمد فتفت دافع عن السعودية متأسفاً على مغادرة شبكة «العربية» لبيروت بذريعة الوضع الأمني وقد مرت مخاطر أمنية أكبر على لبنان من هذه الظروف واستمر مكتبها بلا إشكال واحد!
لقد جيَّشَتْ الدولة كل قضائها ضد بيار حشاش وطوني أوريان اللذَين عبرا عن اعتراضهما على إهانة الإعلام المُرتزق لآل سعود ولاحقتهما كرمى لعيون مملكة آل سعود ومكتب شبكة «العربية»!
تخيلوا مجرد تخيُّل ماذا كان سيفعل أذناب آل سعود لو وصَفَتْ صحيفة «كيهان» الإيرانية لبنان بكذبة نيسان كما فعلت الصحيفة السعودية؟ كانت الدنيا قامت ولم تقعد من قبل جماعة «آل سعود أولاً» على «الإهانة الفارسية والمؤامرة الإيرانية» بحق لبنان. أما ٨ آذر… فعودوا إلى النوم العميق حتى لا يفسد الحوار مع تيار «المستقبل»!
لكن كل هذا «كوم» وفضيحة «أوراق بنما» كوم آخر، هذه الفضيحة التي كشَفَتْ عن وجود أسماء مسؤولين فـي دول العالم ممن لهم حسابات بنكية ومعاملات مصرفـية وتجارية مشبوهة وسريَّة (أوف شور) من أجل تهريب اموالهم وتفادي الضرائب، أي نقلها خارج حدود بلدهم، والمثل العامي يقول «كل مخبأ بدُّوق». وكان أول ضحايا «أوراق بنما» رئيس حكومة ايسلندا المسكين الذي لم يحالفه الحظ حيث أضطر تحت ضغط المطالبات الشعبية لتقديم استقالته وهذا ما يحدث عادةً فـي بلاد راقية تحكمها شعوبها وليس العكس كما يحصل فـي العالم العربي، حيث لا يحلمن أحد أنْ يحدث هذا الرقي فـي المحاسبة والتعبير الشعبي فـي لبنان أو فـي أي بلد عربي رغم أن معظم الأسماء المُتدَاولة بالطبع ستكون من نصيب الحكام العرب وخدامهم. وبالنسبة للبنان فإن السؤال هو ليس عما إذا كانت هناك أسماء لبنانية ستصدر عن هذه الوثائق بل كم عددها، وها نحن بانتظار إعلان «التصفـية النهائية» لنعرف عدد وحوش المال من سياسيي لبنان وناهبي مال الشعب الذين يملكون أرصدة خارجية. لكن ما النفع من نشر أسمائهم (وهم معروفون سلفاً)، فهل هناك شعبٌ يُراقِب؟! (لا تندهي ما فـي حدا).
العبودية الجنسية ليست أكبر مصائب لبنان رغم فداحتها، بل عبودية المال من قبل وحوش الطغمة الفاسدة طبقة الـ٤ بالمئة المتحكمة برقاب النَّاس الذين سيُدعون للانتخابات البلدية فـي شهر أيار المقبل وسيلبُّون النداء كالعادة ويقترعون كالأشاوس لنفس الوجوه. لقد أوهموا الشعب أن انتخابات النوَّاب والرئاسة لن تتحقق فـي ظل الوضع الأمني المضطرب المزعوم فتم التجديد للنواب بحضور كامل النصاب أين منه عندما يتطلب الأمر البحث باوضاع الشعب المعيشية معاذ الله، ولكن الانتخابات الأدنى أهميةً وقيمة فلا بأس من إجرائها ولا ينطبق عليها الظرف الاستثنائي!
العبودية المالية والتبعية والاسترقاق للخارج وسياسة نهب ثروات البلد وآخرها الرملة البيضاء هي سمات شبه الوطن، ولكن ماذا عن شبكة الاتجار بالشعب اللبناني عبر الشبكة الأخطر منها وهي الدعارة الفكرية والسياسية التي يمارسها حكام النظام البائد؟!
Leave a Reply