لم نعد نرى رئيس حزب التوحيد اللبناني وئام وهاب على منابر حزب الله خطيباً ينغص عيش الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ويمنع عنه فرحته باستعادة «الوئام» مع الوزير طلال رسلان. ولذلك اسبابه الواضحة والمعروفة، فحزب الله سار في طريق المصالحة مع النائب وليد جنبلاط وخسر بذلك وهاب، الذي حاول الاتصال بأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله خلال معارك الجبل الاخيرة في 9 ايار ولكنه لم يستطع الى ذلك سبيلا. وكان يريد ايصال رسالة للسيد يحثه فيها على كسر وليد جنبلاط بشكل لا تقوم له من بعده قائمة، متسلحاً بالقول ان وليد جنبلاط لا «يطعج» انما يكسر، خسر الهامش الكبير الذي كان يتحرك من خلاله. وصلت رسالة وئام وهاب وقتها الى حزب الله وبالتالي الى امينه العام الذي اكتفى «بطعج» الوليد وترويضه وادخال حليفه طلال ارسلان الى معادلة التمثيل الدرزي في الحكومة والى معادلة القسمة في جبل لبنان بين الثنائي جنبلاط – ارسلان. بالنتيجة اصبح وئام وهاب يخبط خبط عشواء في صحراء السياسة اللبنانية، ينتقد ارسلان حليفه السابق، لا يتجرأ على انتقاد حزب الله رغم امتعاضه الشديد منه، لانه اذا فعل يفقد كل مرتكزاته التي بنى عليها خطابه طيلة الاعوام الثلاثة المنصرمة.ببساطة فالرجل وبعد ان عاش لفترة وجيزة جداً في ايار حلم الاستحواذ على جزء من التمثيل الدرزي على انقاض الزعامة الجنبلاطية، وجد نفسه في مأزق كبير يصل به الى حد الاضمحلال والضمور عن الساحة السياسة اللبنانية.هذا كله نتيجة التفاهم بين حزب الله والحزب التقدم الاشتراكي، واذا كان ليس لوئام وهاب ما يخسره لانه بالاصل مستجد على الساحة السياسية ولا يملك حيثية شعبية معتبرة، ولم يكن من امراء الحرب ولا من الذين تقاسموا الجبنة اللبنانية، لا بل ان تقييماً عاماً لحركة الرجل منذ انطلاقته قد ينصفه ويعطيه نقاطاً بغض النظر عن الوضع الحالي المحكوم بالتركيبة الطائفية، فإن هناك في الجهة المقابلة من كان لديه الكثير وخسر ما خسره في الفترة السابقة، وبقي له ما يمكن ان يخسره اذا ساد الوفاق وعمت التفاهمات بين القوى السياسية على مشارف الانتخابات النيابية في الربيع المقبل. فالرجل الوحيد الذي يعي مأزق وئام وهاب في لبنان هو سمير جعجع الذي يعرف ان تفاهماً بين تيار المستقبل حليفه، وبين التيار الوطني الحر خصمه اللدود، سينتهي به نهاية «وهابية». فكيف اذاكانت حاله مع النائب وليد جنبلاط ليست على ما يرام وهو رافعته الانتخابية في الشوف، وخسارته في بعبدا اصبحت اكيدة ومحققة، وحظوظه في جبيل وكسروان معدومة، وفي المتن محاطة بعدوه القديم ميشال المر وبأحقية آل الجميل بالتمثل في عقر دارهم وبغضب الطاشناق وسطوة الجنرال عون. اما في الشمال فقد انتزع قانون الدوحة التمثيل المسيحي من سطو تيار المستقبل وفقد بذلك سمير جعجع رافعته الانتخابية السنية، واصبحت زغرتا محرّمة عليه، كما البترون والكورة، ليستقر الرجل في مسقط رأسه بشري منتزعاً مقعد عقيلته استريدا.هذا هو السيناريو المحقق الذي يخشاه سمير جعجع في ان تضمحل كتلته الى نائبين او ثلاثة على ابعد تقدير، فيما يتمتع غريمه الجنرال عون بأكبر كتلة نيابية تضم نواباً من جميع المناطق والطوائف، اضافة الى اكثرية النواب الموارنة، ما يجعل جعجع خارج المعادلة المؤثرة في الحكم وربما خارج المعادلة بالمطلق.على وقع هذا الهاجس اتخذ القرار من قبل المتضررين بابقاء المناطق المسيحية خاضعة لمنطق الخوف والتوتر وعدم الاستقرار، وسلاح حزب الله هو الخطر الاكبر على امن المجتمع المسيحي، وتشاء الصدف ان يحصل حادث اطلاق النار على المروحية التابعة للجيش اللبناني وان يقتل خطأ ربان الطوافة المسيحي، حيث كان الاستغلال المذهبي والفئوي لتلك الحادثة مع توجيه الاتهامات بالقتل العمد لحزب الله من جهة وبتغطية عملية القتل من قبل الجنرال عون عبر ورقة التفاهم مع حزب الله من جهة ثانية.يفتعل حادث كنيسة لاسا في جرود جبيل، ينبري «فيلسوف الامانة العامة لـ14 اذار» فارس سعيد قارعاً طبول الحرب للتصدي للفتوحات الاسلامية في بلاد جبيل المسيحية، من غير ان ينسى «الفيلسوف الفذ» مصطلح اهل الذمة الذي يخيف المسيحيين ويعيدهم بالذاكرة الى الزمن العثماني والصدر الاعظم. يبادر المعنيون الى تسليم المفتاح الى الجنرال عون فتثور ثائرة «الدكتور المثقف العلماني» كيف ان المسألة حلت بهذه البساطة والسهولة وسحب البساط من تحت قدميه وجنى الجنرال عون النقاط السياسية من غير تعب ومن دون مؤتمرات صحفية وخطابات رنانة. يفشل سعيد بالاستقطاب تحت هذه الذريعة، تتدخل الكنيسة، تنتقد بدورها الدور الذي لعبه الجنرال، تأخذ عليه كيف انه تسلم مفتاح الكنيسة من رسول حسن نصرالله غالب ابو زينب الى والي بلاد جبيل ميشال عون، وكان على الرسول ان يسلم المفتاح الى الحبر الاعظم في بكركي التي لا تكتفي بذلك، بل تطالب بتسليم مفاتيح كنائس حولت منذ عهد الخلافة العثمانية مساجد، وكأننا نعيش في زمن القرون الغابرة ونشهد حرباً طاحنة بين الصليبيين وقوات صلاح الدين الايوبي.تلك عينة من الاستغلال المذهبي والفئوي الرخيص الذي يلجأ إليه من افلس من القوى المسيحية في فريق «14 اذار» ومن يدعمهم في بكركي…فهل ينتهي سمير جعجع نهاية «وهابية» بعد ان سبقه اليها مفكر «14 اذار» الفذ فارس سعيد.
Leave a Reply