ماذا تعني هذه السيدة؟ سألتني حفيدتي وهي تشير إلى شابة تمشي بغنج ودلال مع رجلها في مدينة الأحلام والبدائع البصرية، مدينة ديزني لاند، حيث الجو بديع والدنيا ربيع، مثلما غنت الراحلة سعاد حسني.
استغربت حفيدتي الصغيرة -عمرها 4 سنوات- أن ترى سيدة تغرق نفسها في السواد ثوبا فوق ثوب وتغطي وجهها بنقاب كثيف أكثر سوادا، لا يبدو منه إلا عينيها المكحلتين بطنٍ من الكحل العربي والمسكرة الباريسية مما يلفت النظر اليها أكثر مما لو خرجت بلباسها وحجابها العادي.
احترت بماذا أجيب على سؤالها. كنت في إجازة، لأنسى الأخبار والمناكفات السياسية والدينية على الفضائيات والجدال في مناطق ظلامية بعيدة عن سماحة الدين وعصر العلم الذي يجب أن ننتمي ونسعى إليه.
مسألة النقاب فرضت نفسها مؤخرا لأسباب سياسية إضافة إلى صراع فتاوى بين العديد من الفقهاء، فرغم كل التقدم العلمي في العالم، ومساهمة المرأة فيه، مازال في شرقنا غير العزيز، بعض الذكور، لازالوا ينظرون الى المرأة كجسد، كمصدر للشهوة والغواية فقط. فالأنثى.. منبع فتنتهم وبلائهم في الحياة، لأنها، حسب فهمهم القاصر، ولدت مع الشيطان في وقت واحد. ويعتبرون أيضا أن لمسها والنظر اليها ينقض وضوءهم، وأنها سبب نجاساتهم وزعرناتهم وقلة حيائهم، لذلك يجب دفنها وهي على قيد الحياة بأثقال من السواد والنقاب المظلم على جسدها ووجهها حتى لا يظهر منها أي شيء يفتن ذكورة الذئاب الكامنة أو يثير غرائزهم “النايمة” الخامدة. والسؤال البسيط هنا، ما هو الداعي لارتداء بعض التابعات للدين الاسلامي ذلك القناع، والنقاب الأسود، هنا في بلاد الغرب حيث الحرية الشخصية وحرية الدين والعبادة تحميها قوانين وشرائع تفتقر لها دول الشرق الأوسط، التي يدور فيها الآن جدل صاخب حول النقاب.
في مصر مثلا، اعتبر شيخ الأزهر “بأن النقاب نوع من التشدد الديني تتجنبه الشريعة الإسلامية وليس فرضا دينيا بل هو زي للاحتشام فقط”. (“الأهرام” 19 شباط 2009).
شخصياً، لي تجربة مريرة مع واحدة من هؤلاء المنقبات. كانت جارتي. ولأنها ست “محجبة” فوق العادة حتى النقاب، كان يحلو لها أن ترمي زبالتها خارجا، قريبا من الباب. لأنها يا حرام.. ليس لديها الوقت الكافي لتضع أثقالها من الثياب حجابا لفتنتها الآسرة وفي كل مرة تضطرها الظروف لرمي زبالتها في برميل القمامة وإغلاقه. كانت تعتبر ذلك من وظيفة “بعلها” الملتحي، ذي الختم الديني الظاهر على جبهته المنخفضة دوما، وهو يلعن الشيطان الرجيم الذي جعل الكلاب والقوارض والفئران تعبث بأكياس زبالة زوجته الملفّعة في النقاب الأسود، والبعيدة عن الإيمان لقلة نظافتها، ولعدم اكتراثها برؤية أطفالها الصغار يسرحون ويمرحون ويزعجون جيرانها الفقراء إلى لله تعالى، بحجة سجنها الاجباري لنفسها في قناع مظلم وهو النقاب. أحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه أنها لم تعد جارتي!
أيضا هنا في ديربورن، العين لا تخطئ رؤية العديد من السيدات المنقبات في المحال التجارية الكبرى أو في الحدائق العامة. يعف قلمي عن وصف تصرفاتهن الصبيانية الخالية من الاحتشام والاحترام، فالبعض منهن للأسف يمارسن سلوكيات تنكرها على الآخرين.
ذات النقاب التي رأيتها في “ديزني لاند”، دلعها الثقيل وتشبتثها بذراع الذكر الأسمر المرافق لها بدت لي كعروس تقضي شهر العسل. ما الذي كان يمنعها من التحرر من أثقالها السوداء ومن ارتداء لباس محتشم خفيف لتستمتع بالجو البديع في مدينة الأحلام.. ديزني؟ وتعفيني من الجواب على سؤال حفيدتي الحبيبة: ماذا تعني هذه السيدة؟
Leave a Reply