لم يخطر ببالي هذا المشهد الرائع والجميل الذين شاهدته ليلة عيد الهالوين ومنظر الاطفال وهم يرتدون أحلى الملابس ويأتون جماعات وفرادى يطرقون الأبواب وقلوبهم مفعمة بالفرحة، ثم يلقون التحية بمناسبة عيد الهالوين، وزاد المشهد جمالاً حركة الأطفال البريئة وهم يجمعون (الكاندي) حلوى العيد، وشعرت بالغبطة والسرور حين شاهدت أطفالي يشاركون رفاقهم في المدرسة في حركة أنسيابية يمرون على بيوت الحارة التي تكتظ بالعوائل، وقد شاركوا أطفالهم بتعليق أشكال الزينة أمام منازلهم، وزادني تأثراً بعض النظرات من الكبار والراشدين المرافقين للإطفال في تجوالهم وكأن لسان حالهم يقول: لا نصدق أن أسرة مسلمة فتحت باب منزلها لتشارك أطفالنا فرحتهم وتوزع الحلوى، ثم ما لبثت تلك النظرات أن تحولت الى كلمات مفادها تعبير عن السعادة من قلوب طرية تتأثر بالفعل الطيب والمعاملة الحسنة، بينما كنا نحن العائلة الوحيدة المسلمة في هذه الحارة على حذر أن يساء فهمنا أو نكون غير مرغوبين بسبب إنطباعهم عنا وتأثرهم بالإعلام، ولم يخيب ظننا في أنفسنا، فقد جاء الجواب في صبيحة اليوم الثاني من أحد الطلبة الأماجد في الجامعة حين علم بموضوع المشاركة بهذه المناسبة، ثارت حميته وغيرته على الدين وقال عبارات النصيحة التي لا مكان لها في هذا المقال، إنما كان سبباً دفعني لكتابة هذا الموضوع.
تعريف مبسط بعيد الهالوينفي الأصل كان عيد الهالوين بسيطا جدا ويحتفى به في الكنيسة على الأغلب. ولكن عبر أوروبا ينظر الناس إلى هذه المناسبة كفرصة للمزاح والإثارة، لرواية قصص الأشباح ولإخافة بعضهم البعض. لذا عوضا عن كونه مكرسا للاحتفال بالخريف، أضحى مناسبة مكرسة للخرافات والساحرات والأرواح. هناك بعض العادات الغريبة التي نشأت بالارتباط مع الهالوين: يقام بسرقة بوابات وقطع أثاث وإشارات وهلم جرا لجعل الناس يعتقدون أنها سرقت من قبل الأرواح الشريرة وبالطبع لا أحد يقترب من المقبرة في الهلوين لأن الأرواح تخرج كما يدعون. يتنكر المحتفلون بعيد الهالوين بازياء الساحرات، والاشباح، والرمز الأكثر شيوعا لعيد الهالوين هو القرع الجلاطي (اللقطين) المسمى، بالانكليزية «بامبكين» واسم هالوين يعني ليلة مقدسة. الهالوين (عيد جميع القديسين) الذي يقع في الواحد والثلاثين من تشرين الأول هو في الواقع عيد للاحتفال بالخريف. وكان الدرويديون القدماء (الدرويديون كانوا كهنة أتقياء في بلاد الغال القديمة وبريطانيا وايرلندا) يقيمون عيدا كبيرا للاحتفال بالخريف يبدأ في منتصف ليلة الواحد والثلاثين من تشرين الأول (اكتوبر) ويمتد عبر اليوم التالي، الأول من تشرين الثاني (نوفمبر)، كانوا يؤمنون أن إله الموت العظيم، ويسمى سامان، يدعو سوية في هذه الليلة كل الأرواح الشريرة التي ماتت خلال السنة والتي كان عقابها بأن تستأنف الحياة في أجساد حيوانات! بالطبع مجرد فكرة هذا التجمع كانت كافية لإخافة الناس الساذجين في ذاك الزمان، لذا كانوا يوقدون مشعلة ضخمة ويلتزمون بمراقبة شديدة لهذه الأرواح الشريرة، ومن هنا في الواقع بدأت الفكرة بأن الساحرات والأرواح تكون هنا وهناك في الهالوين، ولازال يوجد أناس في مناطق معزولة محددة من أوروبا يؤمنون بأن هذا صحيح. وفي هذا العيد يقوم الأطفال في كل أنحاء أميركا الشمالية مساء الحادي والثلاثين من تشرين الأول من كل سنة بطلي وجوههم وارتداء زي معين، حيث يخرجون ليدوروا على البيوت ويجمعوا منها الهدايا، كما يقوم الكثير من البالغين بتزيين بيوتهم برسومات الأشباح، ويصنعون من القرع أشكالا لأوجه مخيفة ويضعون شمعة في داخل القرعة ليحصلوا على ما يسمى عندهم «جاكو لانتيرين»، ما علينا عن صدق أو كذب تلك المناسبة ولكن حديثنا هو عن تلك الفرحة التي تغمر الأطفال وتدخل الفرحة والسرور في قلوبهم خصوصاً حين تسمع من ألسنتهم البريئة كلمة في غاية الأهمية! إنهم يقولن «ماذا تطلب من الله» أو «ما هي أمنيتك على الله».
موقفنا فـي مناسبات غيرنافي الحقيقة أحببت أن لا تفوت الفرصة لمعرفة ما يدور من حولنا في هذه البلاد. والأهم من ذلك الشعور بإحترام كل ما هو مقدس له علاقة بأي دين من أديان البشر وهو محل إحترام وتقديس بين الشعوب في الحدود التي تحفظ الخصوصية لكل دين ومذهب، والمشاركة لا تعني الإعتراف وإعطاء الشرعية لكل ممنوع ومحرم كما يفسرها البعض من المسلمين حسب إجتهادهم ويحكمون بالكفر على إخوانهم المسلمين الذين يختلفون في إجتهادهم وتفسيرهم لهذه المناسبات حسب أدلتهم ويضعونهم في خانة واحدة مع الأمم التي لا تؤمن بالله، يقول إحد المشايخ البارزين إن عيد القرقعان تشبه بعيد للنصارى.. يسمى بعيد «الهالوين» وهو محرم ومن وجهة نظر اسلامية كما يقول الشيخ إن عيد الهالوين هو أحد أسوأ الأعياد بسبب أصله الوثني فلا شك أنه محرم المشاركة في هذه العيد.
ماذا يريد بعض الدعاة من النبز والتعريض بإخوانهم؟إنه من المؤسف أن تستمر حالة التعريض بمعتقدات بعضنا على صفحات الجرائد من علماء لهم مكانة في التأثير على الجمهور فتثير في نفوس المسلمين شحناء وبغضاء في الوقت الذي هم في أمس الحاجة الى التفاهم والتقارب والتناصح بالتي هي أحسن حتى يتمكنوا من مواجهة التحديات الكبرى التي تترصدهم، ويكفي دولنا الإسلامية ما تعانيه من صراعات طائفية ضحاياها بالآلاف يقتلون في أي مكان وزمان بعد أن أهدرت دماءهم بفعل الفتوى التي تبيح للمكلف سفك دم أخيه. وينال بذلك التقرب الى الله ورسوله.
ماذا تريد الحكومات من المؤسسات الدينية؟ في الوقت الذي تجتهد الحكومات لعقد المؤتمرات لمحاولة نزع فتيل الفتن وسحب الذرائع عن الطامعين الذين يهمهم تمزيق الأمة بأسم الدين كمؤتمر مكة الشهير الذي نص في مسودة البيان الختامي للقمة الاسلامية بخصوص التعدد المذهبي تنفيذ التوصيات المتضمنة في البيان الصادر عن المؤتمر الاسلامي الدولي الذي عقد في عمان بالاردن في تموز (يوليو) بشأن احترام المذاهب الاسلامية المعروفة وعدم تكفير اتباعها، والذي نص على الآتي: إن كل من يتبع أحد المذاهب الأربعة من أهل السنة والجماعة الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي، والمذهبين الشيعيين الجعفري والزيدي، والمذهب الأباضي، والمذهب الظاهري، فهو مسلم، ولا يجوز تكفيره، ويحرم دمه وعرضه وماله، وأيضا لا يجوز تكفير أصحاب العقيدة الأشعرية، ومن يمارس التصوف الحقيقي، وكذلك لا يجوز تكفير أصحاب الفكر السلفي الصحيح. كما لا يجوز تكفير أي فئة أخرى من المسلمين تؤمن بالله سبحانه وتعالى وبرسوله (ص) وأركان الإيمان، وتحترم أركان الإسلام، ولا تنكر معلوما من الدين بالضرورة. إن ما يجمع بين المذاهب أكثر بكثير مما بينها من الإختلاف، فأصحاب المذاهب الثمانية متفقون على المبادئ الأساسية للاسلام. ان الاعتراف بالمذاهب في الاسلام يعني الالتزام بمنهجية معينة في الفتاوي، فلا يجوز لأحد أن يتصدى للافتاء دون مؤهلات شخصية يحددها المذهب، ولا يجوز الإفتاء دون التقيد بمنهجية المذهب، ولا يجوز لأحد أن يدعي الإجتهاد ويستحدث مذهبا جديدا أو يقدم فتاوى مرفوضة تخرج المسلمين عن قواعد الشريعة وثوابتها وما استقر من مذاهبها.
Leave a Reply