إذا كان تعيين رئيسة مجلس ديربورن التربوي السابقة، المحامية مريم بزي، قاضيةً في محكمة مقاطعة وين، يُحسب لصالح الجالية العربية التي -رغم ذلك- لا تزال تفتقر للتمثيل الوافي في محكمة المقاطعة، فإن المسار الذي سلكه تعيين بديل عنها في المجلس التربوي، أساء تماماً لصورة جاليتنا، خاصة وأن التشويش والتعطيل المعيب مصدره عضو عربي أميركي لم تتوان الجالية عن منحه أصواتها في انتخابات العام الماضي، ليعود إلى المجلس.. مخرّباً هذه المرة.
فقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية الكثير من الشحن والتوتير غير المبرر على وقع الإشاعات والثرثرات الفارغة على مواقع التواصل الاجتماعي وصولاً إلى اللجوء إلى المحاكم، لا لشيء إلا لإصرار العضو حسين بري على موقفه الغامض برفض تعيين العضو العربية الأميركية سيليا ناصر زميلةً له في المجلس الذي يشرف على مدارس ديربورن العامة وكلية هنري فورد.
وفي زمن ترامب، حيث لا مكان للحقيقة والحقائق، لا نستغرب من أن تنتشر الإشاعات والأكاذيب التي تجد في مواقع التواصل بيئة خصبة للتضليل والتهويل، لاسيما هنا في ديربورن، حيث لا يزال الكثيرون يجهلون الأنظمة والقواعد والقوانين التي تضبط عمل المؤسسات، ومن المخجل أن يكون بين هؤلاء عضو مسؤول في المجلس التربوي، قرر الاستعانة بـ«المحترفين» لمقاضاة منطقة ديربورن التعليمية، رغم اكتشاف جهله بقواعد المجلس الذي يخدم مجتمعه من خلاله. وبدلاً من أن يتدارك الموقف ويتقبّل الواقع، قرر التصعيد بشكل عدائي لا مبرر له، خاصة وأنه لم يتجرأ على دعم أي من المرشحين المنافسين لناصر بشكل علني، وكل ما كان يطمح إليه هو تعطيل دور المجلس في اختيار بديل لرئيسته السابقة مريم بزي، وإحالة المهمة إلى المجلس التربوي الإقليمي لمقاطعة وين RESA.
وأمام سيل الإشاعات والادعاءات الفارغة، لا بد من وضع النقاط على الحروف، لاسيما وأن هناك في جاليتنا من لا يتردد في إحراق قرية كاملة لإشعال سيجارته، كما يقول المثل الأميركي.
في ١٢ حزيران (يونيو) الماضي، صوت الأعضاء الستة لاختيار بديل لملء مقعد بزي، فحصلت سيليا ناصر على ثلاثة أصوات، وروكسان ماكدونالد على صوتين في حين لم يحصل أربعة آخرون على أي صوت، حيث امتنع العضو حسين بري عن المشاركة في التصويت.
وفي الجلسة التالية، ١٩ حزيران، كانت المفاجأة بإعلان فوز ناصر بالمقعد بعد احتساب صوت بري لصالحها عملاً بقواعد المجلس استناداً إلى قانون ولاية ميشيغن، فاستشاط بري غضباً وبدأ بكيل التهم في جميع الاتجاهات، دون أن يفصح عن اسم الشخص الذي يرغب بتوليه المقعد لعام ونيف بانتطار الانتخابات القادمة.
وفي جلسة ٢٧ حزيران، بدلاً من أن يلملم بري حراجة الموقف قرر الإمعان في تصرفاته الغامضة، بتقديم دعوى قضائية ضد المنطقة التعليمية وكلية هنري فورد والمجلس التربوي منحياً باللوم على الجميع في الفوضى والتوتر اللذين تليا ورافقا ذلك التعيين، متجاهلاً المسؤول الحقيقي عن تلك المعمعة غير الضرورية، ألا وهو بري نفسه الذي ذكر في مناسبات عديدة قبل التصويت أن عملية التعيين «ملوثة»، دون أن يحمل نفسه مسؤولية تقديم أي دليل عليها.
بري، حتى الآن، لم يفصح لمن سيعطي صوته، أو أسباب معارضته الشرسة لتعيين ناصر.
فلو أتيحت الفرصة له لسحب امتناعه والتصويت، فهل سيصوّت للمرشح عادل معزب الذي فشل بالحصول على أي صوت في المجلس رغم العراضة التي رافقته في جلسة المقابلات؟ أم أنه سيصوّت لصديقته روكسان ماكدونالد التي يخجل بالمجاهرة بدعمه لها بسبب حرمانها المربي العربي الأميركي الراحل عماد فضل الله فرصة لتولي منصب المشرف العام على مدارس ديربورن؟ أم أنه -وبكل بساطة- سيصوّت بـ«لا» لجميع المرشحين؟ لا أحد يعرف الجواب الحقيقي على هذه الأسئلة.
يدعي بري أنه لم يمتنع عن التصويت وإنما لم يشارك في العملية، وهذا تملص أقبح من ذنب. أوليس الامتناع عن التصويت يعني عدم المشاركة. ولمعرفة الحقيقة -في هذا السياق- لا يتطلب الأمر أكثر من الاطلاع على محضر الاجتماع، فجلسة التصويت كانت موثقة ومصورة، ويؤكد الفيديو الرسمي الذي بثه مجلس ديربورن التربوي امتناع بري عن التصويت. ولكن العضو العربي لجأ للعب على الكلام وتحريفه من أجل إرباك الناس وترميم موقفه البائس، بينما الحقيقة لن تتغير، فقد سئل بوضوح فيما إذا كان يمتنع عن التصويت، وكانت إجابته بـ«نعم».
ورغم كل ما سبق، لجأ بري إلى محكمة مقاطعة وين، دون أن يتقدم بشكوى أمام مدعي عام ميشيغن. لماذا اختار هذا الطريق؟ لأنه يمهد للحصول على تعويض مالي من المنطقة التعليمية التي من المفترض أن يحمي أموالها بدلاً من إنفاقها على أتعاب المحامين.
وإلى جانب الإحراج الذي شكله موقف بري الصبياني، فإنه لم يتردد أيضاً في إذكاء الخلافات العربية العربية والبناء عليها لمصالح آنية، عبر الحديث عن «مظلومية اليمنيين» الذين «يأكل» اللبنانيون حقوقهم في ديربورن، بحسب آخر صيحات العابثين بعلاقات الجاليات العربية في منطقة ديترويت!!
وكخطوة أولى في سياق الجهود المبذولة لاحتواء هذا الخطاب الضار بمجتمعنا المحلي، التقى قياديون من الجاليتين اللبنانية واليمنية حول طاولة حوار صريح وشفاف لمساعدة المجتمع على التماثل للشفاء من عقابيل الانقسام والتمزق.
الدعوة للاجتماع جاءت بمبادرة من «النادي اللبناني» وفعاليات يمنية متعددة، وهي بداية لسلسلة اجتماعات وخطوات لرأب الصدع في المجتمع العربي. لكن مرة أخرى لم يتمكن بري من مساعدة نفسه، إذ بدلاً من أن يكون جزءاً من الحل، قرر إطلاق سهامه على المجتمعين، محاولاً إلهاب مشاعر أنصاره وتأليبهم إلى أقصى حد، استعداداً للانتخابات البلدية القادمة.
إنه لمن السهل إثارة العواطف وشحن المشاعر في حقبة انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن القادة الحقيقيين لا يكتفون بالإشارة إلى المشاكل والعراقيل وإنما يسعون ويكافحون من أجل إيجاد الحلول لها، وهذا ما لا ينطبق على حسين بري.. الذي يبدو أنه عالق في المشكلة وعاجز عن إيجاد حل حقيقي ومقنع لها.
Leave a Reply