تكاد تصبح ديربورن مدينة التناقضات والتفاوت المناطقي. فبالرغم من أن المدينة هي مسقط رأس هنري فورد أحد أهم أعمدة الإختراعات ورمز الرخاء الإقتصادي والمالي، وبالرغم من وجود مراكز جذب سياحية هامة مثل «قرية غرينفيلد» والمقر العالمي لشركة «فورد» للسيارات بالإضافة إلى أعداد كبيرة من المعالم الثقافية والتجارية والفندقية إلا أن الجانب الغربي الذي يشمل وسط المدينة «الداون تاون» لا يبدو أنه في أفضل حال.. وكأنه في الموقع الخطأ.
فهذه المنطقة التي يجب أن تكون نقطة جذب للمتاجر فيها ٢٣ محلاً، على الأقل، مهجوراً تماماً على امتداد نصف ميل على طول شارع «ميشيغن أفينيو» بين شارعي ميليتري وأوكوود. هذا الشغور هو ولا شك من مخلفات الكساد الإقتصادي الذي دبّ في البلاد عام ٢٠٠٨ وجمّد العديد من المشاريع الإنشائية في المنطقة التي عرفت إزدهاراً باهراً في السنوات السابقة. وبسبب الأزمة الإقتصادية والمالية، اضطرت بعض المؤسسات التجارية إلى إغلاق أبوابها وهجر محلاتها وكذلك فإن العديد من المحلات التي بُنيت حديثاً من أجل تأجيرها، بقيت خالية ولم تنتقل إليها أية مؤسسة تجارية.
رجل الأعمال حكيم فاخوري يمتلك عدّة محلات في منطقة ديربورن التجارية، كانت شركته المسماة «شركاء قرية ديربورن» تعتزم بناء دار سينما ومبنى للعبة «البولينغ» مع مطاعم وحانات بالتعاون مع البلدية. لكن بعد خسارة ديربورن لـ٦٠ ألف وظيفة ذات الدخل العالي عام ٢٠٠٨، معظمها جاءت من إدارة الهندسة في شركة «فورد»، تأجلت مشاريع فاخوري العمرانية إلى أن إنهارت تماماً بعد فشل البلدية في الحصول على الدعم المادي من حكومة الولاية للمساعدة في تنفيذ المشاريع.
ويقول بيري موري مدير التنمية الإجتماعية والإقتصادية لبلدية ديربورن «إن معظم المشاكل تُعزى إلى الملكية الفردية وبسبب الظروف الإقتصادية السيئة فإن المشاريع العمرانية لم تنجز مما منع حدوث أية تنمية أو بحبوحة إقتصادية للمنطقة». وأشار موري إلى أن فاخوري يملك ١٤ متجراً في المنطقة التجارية «وأن المنطقة تتحسن قليلاً حالياً لأنها تشهد مشاريع تنمية فردية متزايدة».
أما صاحب غاليري «فيليج» للقطع الفنية وإطارات اللوحات، توماس كلارك، فقال «إن ضعف الإقتصاد هو الذي تسبب بوجود هذه المحلات الأمامية المهجورة». إلا أن رجل أعمال آخر هو جان لوسيا صاحب محل «النبيذ الفاخر» في منطقة «الداون تاون»، أبدى رأياً مخالفاً حين قال إن المشكلة رقم واحد للمحلات التجارية هي قلة مواقف السيارات. والمعروف أن البلدية تملك ثمانية مواقف للسيارات في منطقة «الداون تاون» على جانبي شارع ميشيغن أفينيو، حيث ثمن وقوف السيارة لمدة ١٥ دقيقة هو ٢٥ سنتاً في الساعة الأولى و٧٥ سنتاً لكل ساعة إضافية. وبالرغم من أن الرسم قليل لا يعتد به إلا أن لوسيا يصر على أنه يؤدي إلى إبعاد الزبائن عن المنطقة لأنهم يفضلون إيقاف سياراتهم مجاناً.
وأضاف لوسيا «إن الزبائن ينظرون إلى رسم الوقوف على أنه دفع إضافي ويشعرون أنهم يدفعون ثمن شيء يتيحه الآخرون لهم مجاناً. إنه رسم زهيد لكنه يتسبب بمشكلة هي في الغالب نفسية». وختم لوسيا بالقول «إن مفهوم الزبون هو المفتاح الأساسي في التجارة»، ورسم مقارنة حصلت مع شركة «جاي سي بيني» العملاقة التي أرادت أن توقف مبادراتها، التسويقية والإحلال محلها، وضع أسعار رخيصة، ولكن بالرغم من أن الأسعار نزلت أحياناً إلى حد سعر الجملة إلا أن الشركة خسرت الكثير من الزبائن لأن مفهومهم الخاص أن الأسعار في «جي سي بيني» هي أعلى من أسعار المبيع بالجملة». في النهاية، أكد لوسيا، «تخلت الشركة عن هذه السياسة».
زبون يرتاد حانة «لا سيغار» في الجهة المقابلة لمتجر لوسيا قال «إذا أردت أن أزور إحدى المحلات وتطلب الأمر أن أدفع دولارين لركن سيارتي أو المجازفة بالحصول على ضبط مخالفة سير قبل أن أشتري شيئاً ما فلن أفعل». وأضاف «إن الشرطة تنفذ قانون العدادات عندما تتخطى الوقت المسموح «بخشونة» وبعض الضباط ينتظرون بجانب السيارات من أجل أن «يصدروا ضبط مخالفة فور إنتهاء فترة العداد». لكن لوسيا إستدرك قائلاً «أنا لا ألوم رجال الشرطة فهم يقومون بعملهم إلا أن عملهم هذا يبعد الزبائن».
وبسبب مشكلة الوقوف فإن شركة «النبيذ الفاخر» بدأت مع باقي المحلات التجارية بدفع رسوم المواقف عن الزبائن إذا جاؤوا إلى المحل وتسوّقوا فيه. وقال لوسيا إنه يدفع حوالي ألف دولار شهرياً أجر مواقف للسيارات لكن هذا المسمى لا يرضي كل الزبائن كلياً ولن يحل المشكلة نهائياً لأن بعض الناس يرفض من الأساس فكرة ركن السيارة المدفوع، ولكن الألف دولار تحمل معها عبئاً إضافياًَ.
يذكر أن مشروع قانون المواقف المدفوعة الأجر قد أُقر في مقترح للتصويت عليه بعد أن رفض سكان المدينة رفعاً في الضريبة، وذلك من أجل بناء مواقف سيارات في المنطقة.
إلا أن رسوم إيقاف السيارات رفعها المجلس البلدي في تموز (يوليو) 2011 بعد أن كان إيقاف السيارة مجانياً في أول 30 دقيقة. ويشعر لوسيا أن ليس من العدل للمحلات التجارية في المنطقة أن تعاني بمفردها من المواقف المدفوعة الأجر في وقت تتمتع أماكن تجارية أخرى بمواقف مجانية.
إلا أن رئيس البلدية جاك أورايلي قدم شرحاً حول الموضوع تضّمن أن كل المحال التجارية خارج نطاق الوسط التجاري يشعرون أيضاً بعدم المعاملة العادلة لأنهم، بعكس المحلات في «الداون تاون»، يدفعون تكاليف محددة لصيانة مواقفهم المخصصة للزبائن. وقال «إن المواقف المملوكة للبلدية تخلق إفادة غير عادلة للمحلات المتواجدة ضمن الوسط التجاري لأنه في مناطق أخرى من المدينة، على التجار أن يجدوا مواقف خاصة لهم بأنفسهم، ودفع التأمين ورسوم الإضاءة وإزالة الثلوج. أما في الوسط التجاري فأصحاب المتاجر لا يحتاجون ليقلقوا لإيجاد مواقف خاصة وهذا ما ينتقص في الجوار لأنهم يشعرون بالغبن من دون رؤية الصورة شاملة». وأثنى موري على كلام رئيس البلدية حول المواقف مؤكداً «إن إستفتاءاً جرى من السكان أقر الرسوم من أجل المواقف في وسط المدينة. المواقف ليست مملوكة بشكل فردي بل مملوكة للبلدية وبوجود كثافة سكانية عالية فإن المواقف البلدية تشكل فائدة للمحلات التجارية».
وأضاف موري أن متعهد مواقف السيارات المنتدب من البلدية شركة «ريبابليك» تستمع إلى شكاوى أصحاب المحلات التي لا يمكن حلها وترفعها إلى المجلس البلدي.
عداد للنقود في أحد الشوارع الفرعية في غرب ديربورن. (عدسة عماد محمد) |
وذكر صاحب الغاليري أنه الوحيد في محيطه الذي يوفر موقفاً مجانياً لركن سيارات الزبائن، لكنه يشعر أنه بهذا يؤذي باقي المحلات المجاورة، وأردف أن «المواقف المدفوعة لم تكن مشكلة لولا الوضع الإقتصادي الصعب». ودعا البلدية إلى إيقاف فرض رسوم على مواقف السيارات إلى أن يتحسن الوضع المالي.
وحول المشاكل الأخرى في المنطقة قال لوسيا إنها نابعة من كون ديربورن فسيفساء من المجموعات الإثنية. وأضاف لوسيا، وهو عراقي الأصل، «أن العرب الأميركيين من شرق ديربورن يملكون كل شيء حولهم ويفضلون التعامل التجاري مع أقرانهم من الجالية لذا فإنهم بشكل عام لا يرتادون المحلات الواقعة غربي المدينة». وأكد «عندنا قاعدة سكانية قوية ولكن نريد إستقطاب زبائن من خارج ديربورن ليأتوا ويتسوقوا هنا».
أما موري فأكد مقولة أن البلدية تحاول جذب زبائن من الخارج عبر تسويق المحال التجارية والمدينة. إلا أن مرشح المجلس البلدي في ديربورن باتريك ميلتون فقال «إن البلدية لا تخلق وظائف كافية لجذب المستثمرين والزبائن إلى ديربورن». واعترف ميلتون بعواقب الكساد الإقتصادي لكنه إستدرك «أن الناس مازالوا يشترون وليس فقط من ديربورن ولماذا لا نحضر شركات نخبوية فارهة إلى ديربورن؟ نحن بحاجة إلى إستثمار أكبر ولا يمكن العيش من وراء السكان فقط، نحن بحاجة إلى المزيد من الزوار كما تفعل مدينتا برمنغهام ورويال أوك.
أما أورايلي فقال إن البلدية تقوم بتسهيل الأمور أمام الساعين إلى تأسيس شركات تجارية بالرغم من سمعة البلدية غير الحميدة في هذا المجال. وختم قائلاً «إن البلدية تسعى بجهد لتمهيد الطريق بشكل أفضل وإذا تحدثتم إلى الشركات التي أُسست في ديربورن مؤخراً فستجدونها سعيدة جداً بنظامنا الحالي، لقد غيرنا طريقة طلب تأسيس الشركات لكن الشائعات مستمرة لأن الماضي دائماً يلوح في الأفق وأنا أعترف أن ديربورن كانت بحاجة لمعالجة مشاكل كثيرة ومازالت بحاجة إلى حل مشاكل أخرى متفاقمة».
Leave a Reply