علي حرب – «صدى الوطن»
هل الكلدان عرب؟
هو سؤال يختلف الكلدان أنفسهم فـي الجواب عليهم، وذلك بحسب فهم كل فرد لمفهوم العروبة، فتتنوع الإجابات بحسب فهم كل فرد للهوية العربية.
فـي مكان واحد قد تجد كلدانياً أميركياً يفخر بعروبته وآخر يشمئز لمجرد سماع هذه الكلمة.
وفـي حقيقة الأمر يمكن القول إن الهوية العرقية أو القومية أو الثقافـية باتت فـي هذه الأيام «خياراً شخصياً» خاصة هنا فـي الولايات المتحدة، وقد قال الشاعر الفلسطيني محمود درويش فـي رثاء البروفسور ادوارد سعيد: والهوية؟ قلتُ/ فقال: دفاع عن الذات/ إن الهوية بنت الولادة/ لكنها فـي النهاية إبداع صاحبها.
والكلدان هم طائفة إثنو-دينية يتواجد أبناؤها فـي شمال العراق ويتحدثون اللغة الآرامية فـي قراهم، ولكن معظمهم يتكلمون اللغة العربية، وهو عنصر أساسي فـي تحديد الهوية العربية التي لا يمكن حصرها بلون أو دين أو طائفة معينة.
يتواجد عشرات الآلاف من الكلدان الأميركيين الناجحين فـي منطقة ديترويت حيث أسسوا تجمعات متماسكة ثقافـياً واجتماعياً ومتداخلة بباقي مكونات المجتمع العربي الأميركي لاسيما المسيحي منه.
صحيفة «صدى الوطن» قد نشرت تقريراً، الشهر الماضي، ألقت فـيه الضوء على الدور البطولي الذي قامت به الطبيبة العراقية الأميركية منى حنا عتيشا التي اكتشفت تلوث مياه مدينة فلنت بعد ملاحظتها تسمم أطفال المدينة بمادة الرصاص، وقد جاء التقرير المشار إليه تحت عنوان: طبيبة عراقية مهاجرة أنقذت فلنت.
ولكن بعض الكلدانين المتشددين، رفضوا الطريقة التي تمت فـيها صياغة العنوان عبر تعليقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي متهمين الصحيفة بالتلاعب والتغاضي عن حقيقية هوية عتيشا الكلدانية. وقد كتبت الطبيبة عتيشا رداً على تلك المزاعم قائلة: «أنا عربية وكلدانية وأميركية وامرأة وطبيبة وأم وزوجة.. إضافة إلى أشياء أخرى عديدة».
وتابعت: «هذه هي الطريقة التي أعرّف فـيها عن نفسي وإنني فخورة بأنني أحمل كل تلك الهويات.. وليس هذا هو الوقت المناسب لتقسيم ثقافاتنا، بل الأفضل أن نتآزر خاصة وأن الكثير من الأفواه ترفع عقيرتها بالكراهية واللاتسامح».
ولكن الكثير من الكلدان لا يشاطرون الطبيبة عتيشا وجهات نظرها التي ترى أن كون المرء كلدانيا وعربيا شيئان يتناقضان.
عرب!
يقول الدكتور نبيل أبراهام الذي درّس الأنثروبولوجيا فـي «كلية هنري فورد» أن الكلدان هم عرب من الناحية الثقافـية والسلوكية، وقال: إنهم يمشون ويتحدثون ويتصرفون مثل العرب، شارحاً أن كون المرء عربياً لا يعني أنه يحمل «هوية عرقية» خاصة به، بل إن المسألة برمتها تتعلق أكثر «بالتعريف الثقافـي والحضاري».
وأضاف أن «الكلدان يتشاركون مع العرب المطبخ والموسيقى والعادات ذاتها ومعظم الكلدان يتحدثون العربية فـي العراق، وبكل الأحوال فإن البعض منهم يعرفون أنفسهم على أنهم ليسوا
عربا، ولكنني وبكل موضوعية يمكنني القول: إنهم عرب-كلدانيون».
وأوضح أبراهام أن الهوية العربية منفتحة أمام التعددية، فهناك العرب الآشوريون وهناك العرب الموارنة وهناك العرب البربر وهناك العرب الكرد وهناك العرب اليهود.. ألخ.
ومن ناحية ذاتية، إذا اختارت مجموعة من الناس أن تصنف نفسها بأنها غير عربية، فليس هناك من ضرورة لإقناعها بعكس ذلك. ولدى سؤاله حول دعاوى الكلدان بأنهم المواطنون الأصليون فـي العراق، أجاب ابراهام «بنعم ولا» فـي نفس الوقت.
وقال: إن الإسلام انتشر فـي بلدان الشرق الأوسط منذ 1400 عام ولكن سكان شبه الجزيرة العربية فـي ذلك الوقت كانوا قليلين وبالتالي لم يهاجروا للإقامة فـي البلدان التي فتحوها، وأضاف: إن أقطار بلاد الشام وشمال افريقيا قد تم تعريبها فـي أعقاب الفتوحات وإن السكان الأصليين فـي تلك الأقطار دخلوا فـي الدين الإسلامي.
كما أن معظم سكان الشرق الأوسط تعودأصولهم إلى ما قبل الإسلام فـي تلك المنطقة، بحسب ابراهام الذي قال: الكلدان هم السكان الأصليون للعراق وكذلك العراقيون الآخرون.
وأشار إلى أن الإسلام قبِل المسيحيين واليهود، بوصفهم أتباع ديانات سماوية، الأمر الذي ساعد على حماية الأقليات الدينية فـي الشرق الأوسط حتى يومنا هذا.
من يتحدث العربية
من ناحيتها، قالت أستاذة الدراسات العربية الأميركية فـي «جامعة ميشيغن-ديربورن» سالي هاول إن هناك عدة تعريفات للعربي، والتعريف الأكاديمي البسيط والأكثر انتشاراً، هو: الشخص الذي لديه أصول فـي البلاد التي تتحدث اللغة العربية».
وأضافت: «وفق ذلك التوصيف فإن الكلدان هم عرب لأنهم جاؤوا من العراق، وتاريخيا وثقافـيا، هم جزء من البيئة العربية».
من جهة أخرى، أشارت هاول إلى أن مفهوم الإثنيات والهويات القومية هي مفاهيم معقدة وتخضع للمنظور الذاتي، فالهوية -بحسبها- مرنة ومتحركة بطبيعتها كما أن السياسة تلعب دروا فـي حركيتها ومرونتها. وبالتالي فالهوية هي فـي «كيف تعرّف نفسك وكيف ترى نفسك، إنها ليست دائما كيف يصنفك أو يراك الآخرون».
وتابعت بالقول: «إن المجتمع الكلداني لديه تاريخ يعود إلى ما قبل تشكيل العراق، ولديهم لغة تاريخية مختلفة عن العربية ومع ذلك وبحسب فهمي فإن معظمهم فـي العراق يتكلمون العربية والآرامية، وبعضهم يتكلم العربية فقط، وبالتالي فإن الأمر برمته يتعلق بالأفراد الكلدانيين ليقرروا فـيما أردوا أن يعرّفوا أنفسهم كعرب».
ونوهت إلى دراسة أجريت فـي العام 2003 وجدت أن 45 بالمئة من الكلدان وجدوا أن تعريفهم بـ«العرب الأميركيين» ينطبق عليهم بارتياح، ولكنها تعتقد بأن هذه النسبة قد تغيرت خلال الـ13 عاما الماضية، وذلك بسبب الأوضاع السياسية التي قادتهم إلى الابتعاد عن الانتماء العروبي، كما أن البعض من الكلدانيين -من معارفها- قد أخذوا بالابتعاد عن العروبة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001.
ووافقت هاول البروفسور ابراهام على أن الكلدان هم جزء من سكان العراق الأصليين، وأن هناك مجتمعات أصلية أخرى إلى جانبهم.
الكلدان ليسوا عرباً
«مؤسسة الجالية الكلدانية» التي يقودها رجال أعمال محليون ترى أن «الكلدان جاؤوا من العالم العربي ولكنهم ليسوا عربا»، وبحسب بيان على موقع المنظمة فإن: «الكلدان يتمايزون عن أغلبية العراقيين من خلال ثلاثة وجوه، فهم مسيحيون والأغلبية مسلمة، وهم يتكلمون الآرامية بينما تتكلم الأغلبية العربية، وهم من قومية كلدانية بينما الأغلبية هم عرب أو عراقيون».
ومن المهم الإشارة إلى أن شارة الموقع (لوغو) مكتوبة باللغتين العربية والإنكليزية، فـي الوقت الذي يرى فـيه نائب رئيس العلاقات المجتمعية «المجلس العربي والأميركي والكلداني» نبي يونو إن الخط الفاصل بين العرب والكلدان هو خيط رفـيع، قائلا: «ولكن هذا لا يعني أنهم عرب.. فلديهم هويتهم الخاصة».
وقارن يونو بين الكلدان والأرمن الذين يعيشون فـي بعض البلاد العربية ويتكلمون اللغة العربية ولكنهم ليسوا عربا متناسياً أن الأرمن هجروا من بلادهم (أرمينيا) أيام العثمانيين وتم استقبالهم فـي البلاد العربية حتى يومنا هذا، ولكنه استدرك بأن «هذا لا يعني أننا نفصل أنفسنا عن الهوية العربية، فنحن نتكلم العربية ونكتب ونقرأ بها».
وأضاف أن الكلدان قد تتأوموا مع الثقافة العربية وعليهم أن لا يشعروا بالانزعاج إذا سموا عرباً، وأشار إلى أن المزيد من الكلدانيين باتوا يفضلون عدم الاختلاط والتعامل مع العرب بسبب استهداف المسيحيين من قبل المتطرفـين من أمثال «داعش».
نحن عرب
بدورها، أشارت الصيدلانية والناشطة الإنسانية نضال غرمو أن قوميتها هي كلدانية عراقية ولكن ثقافتها عربية، وقالت: «أنا آكل الطعام العربي وأرقص على الموسيقى العربية وأتكلم وأكتب بالعربي». وشددت على الوحدة المجتمعية لمواجهة الضغوط المتنوعة، مشيرة إلى أن التمييز الطائفـي والعرقي لم يكن موجودا فـي العراق، وأضافت: «كل هذا التدمير الذي يحدث فـي الشرق الأوسط هو بسبب الفرقة والتشتت»، وشددت على أن معاملة الناس يجب أن تكون على أساس مواصفات الشخص، وليس على أساس دينه.
وفـي كتابها المعنون بـ«الكلدان الأميركيون: تغير مفاهيم الهوية الإثنية»، الصادر عام 1998، أشارت بروفسور علم الاجتماع ماري سينغستوك إلى أن الهوية الكلدانية أصبحت الأكثر تفضيلا (لدى الكلدان) فـي الولايات المتحدة، وجاء فـي أحد فقرات الكتاب: إن أجيال المهاجرين الذين لحقوا بالجيل الأول من المهاجرين، خاصة أولئك الذين أتوا من ضواحي بغداد والموصل والبصرة كانوا يعيشون فـي موطنهم تحت مسمى عرب أو عراقيين أو مسيحيين عربا أو مسيحيين عراقيين، ولكن لدى وصولهم وانضمامهم إلى مجتمع الجالية الكلدانية فـي ديترويت، بدأوا بمواجهة الضغوط الاجتماعية من أجل تبديل هويتهم التقليدية (العربية) إلى ما يبرز انتماءهم الديني وانتسابهم العرقي.. المسمى (بالهوية) الكلدانية».
Leave a Reply