صاحب الجسد الهش، والروح الهشة، كان صاحب موهبة متكاملة ومتماسكة. موهبة لا لُبس فيها، ولا شكوك حولها، رغم أن الشكوك -بأشكالها الأخرى- أخذت حيزاً واسعاً في مسيرة مايكل جاكسون.
والمغني الأسود، صاحب الروح البيضاء، لم يكن يريد أن يعكس واحداً من أهم مآزق القرن العشرين، مأزق الهوية، حين فعل ما فعل، لكنه فعل ذلك ليقول ”جحيمه الشخصي ”.
والملاك البلاستيكي، أو الملاك المصنّع، أراد أن يكون ملاكاً، أبيض، وأكثر من ذلك أراد أن يكون خفيفاً إلى الدرجة التي تذكرنا بعنوان تلك الرواية التي كتبها ميلانا كونديرا ”خفة الكائن التي لا تحتمل ” والسؤال هنا: إلى أي درجة يمكن اعتبار ”الوعي البشري ” (واللاوعي أيضاً) مسؤولاً عن تصدير المفاهيم والأفكار والرموز، ولماذا على الملاك أن يكون أبيض، وعلى الشيطان أن يكون أسود؟ ربما يؤخذ على مايكل جاكسون أنه لم يفكر في خلق مفهوم جديد من قبيل ”الملاك الزنجي ”.. وأراد بوضوح وصخب أن ينتقل إلى الضفة الأخرى، في الوقت الذي كان فيه أبناء جنسه يرفعون شعاراً مثيراً ”أنا سوداء وجميلة.. ” للرد على السلوك التمييزي الذي مارسه البيض طوال قرون سوداء..
وبالنسسبة للكثيرين من العرب، فإن مايكل جاكسون، لا يعني أكثر من ”شاذ ” خلافاً لمحمد علي كلاي، (أو لباراك أوباما .. فيما بعد)، صاحب الصيت الذائع في العالم العربي. وبالطبع فإن العرب لم يتعاملوا مع كلا الحالتين، على أساس الموهبة، أو الإنجاز.. بل على أساس معايير أخرى. تخيلوا .. لو أن محمد علي كلاي لم يكن مسلماً!
كان أسلافنا رائعين ومثيرين حقاً، وكانوا أكثر وعياً وحنكة وحكمة.. قبل أن يتحولوا إلى غبار غابر. أسلافنا.. قبل ألف عام قالوا إنه لا يمكن ”محاكمة الفن بالأخلاق ” وعلى هذا الأساس قبلوا مشاغبين ومثيرين وشذاذاً، ويكفي أن نتذكر ”ابو نواس ” مثالاً على ذلك..
أبو نواس.. الشاعر العبقري الفذ، الذي أُسقط الكثير من شعره، في عصر النهضة (!!) العربية الحديثة، لمنافاته للذوق والحشمة.
ولكن تذكروا.. أن ”الوعي ” نفسه مخاتل، ومداور، ومخادع.. وقد أنتج وعي (نا) في وقت مبكر، حيلة ذكية تدفعنا كي نقبل ”أبو نواس ”. وتقول الحيلة.. إن ”أبو نواس ” قد تاب في أواخر عمره، وحسنت توبته، وكتب شعراً رائعاً ورائقاً في التوبيات..
أما ”وعينا ” العربي الحديث فهو على وشك إنتاج مثل هذه الحيلة مرة ثانية، وتقول الحيلة هذه المرة: إن مايكل جاكسون قد أسلم، قبل وفاته بوقت قصير، بل إن البعض يذهب أبعد من ذلك، ويقول: إن مايكل أسلم منذ منتصف الثمانينات (يذكر أن أخاه جيريمي أعلن إسلامه عام ١٩٨٤) وثمة دعوات تتعالى الآن لدفنه على الطريقة الإسلامية!!..
مهما يكن.. مايكل جاكسون.. اسم وعنوان ورمز وفضيحة ونجم وعلامة فارقة، وهذا كله لا يهم.. المهم حقاً أن الرجل أراد أن يربح نفسه ولو خسر العالم. إذا كان قد فشل فتلك مسألة أخرى!!
Leave a Reply