ديربورن
شن الرئيس المنتخب لمجلس بلدية ديربورن، مايك سرعيني، هجوماً لاذعاً على الإدارة المنتهية ولايتها، على خلفية قرارات مريبة تم اتخاذها في ربع الساعة الأخير شملت استحداث وملء وظائف رسمية رغم دعوة رئيس البلدية المنتخب، عبد الله حمود، إلى تجميد التوظيف خلال الفترة الانتقالية.
ولم تقتصر قرارات اللحظة الأخيرة على التوظيف، بل تعدتها أيضاً إلى موافقة إدارة أورايلي على بيع قطعة أرض تملكها البلدية على شارع ميشيغن أفنيو في قلب الداونتاون الغربي للمدينة، بصفقة مشبوهة لم تكن من نصيب صاحب العرض الأعلى.
تلك القرارات وغيرها أثارت حفيظة سرعيني، الذي أكد في مقابلة مصورة مع «صدى الوطن» اعتراضه على سلوك الإدارة الحالية بوصفه عرقلة للانتقال السلس للسلطة مع بداية العام المقبل.
وتجدر الإشارة إلى أن حكومة ديربورن تستعد لبداية عهد جديد، بوصول حمود إلى سدة رئاسة البلدية، وانتخاب سرعيني رئيساً للمجلس البلدي بعد تصدره السباق الانتخابي في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، والذي أسفر أيضاً عن انتخاب ثلاثة أعضاء جدد، هم: مصطفى حمود، وكمال الصوافي، وكين باريس، إلى جانب الأعضاء الحاليين الذين أعيد انتخابهم: إيرين بيرنز، ليزلي هيريك وروبرت أبراهام.
وإذا كان سرعيني قد عارض منفرداً بعض قرارات المجلس الأخيرة، فإن التوزانات الجديدة التي أفرزتها انتخابات نوفمبر كفيلة بقلب الأغلبية إلى الضفة الأخرى، وهو ما دفع المجلس الحالي إلى استعجال القرارات دون أية مراعاة للتحديات التي ستواجه الإدارة الجديدة، وفي مقدمتها عجز في الموازنة العامة يقدّر بنحو 15 مليون دولار سنوياً.
وبحسب المراقبين، يمكن قراءة القرارات الأخيرة، بأنها مساعي اللحظة الأخيرة التي تبذلها «الإدارة العميقة» (على غرار «الدولة العميقة») للملمة وإعادة ترتيب أوراقها عشية وصول الإدارة الجديدة.
ولا يخفى على أحد أن الإدارة الحالية بقيادة رئيس البلدية جون أورايلي ليست إلا امتداداً للإدارات المتعاقبة منذ سبعينيات القرن الماضي على الأقل، أي منذ عهد جون أورايلي الأب مروراً بعهد مايكل غايدو.
ويقول ناشر صحيفة «صدى الوطن»، الزميل أسامة السبلاني إن إدارة أورايلي تتعمد «عصر الليمونة حتى آخر قطرة»، قبل أن تحزم حقائبها وتغادر.
وعلى سبيل المثال، مررت الإدارة المنتهية ولايتها قراراً باستحداث منصب براتب سنوي قدره 80 ألف دولار ومنحته لمديرة قسم الإعلام في البلدية، ماري لاندروش، التي تعتبر من «الحرس القديم» في البلدية.
وأوضح سرعيني في المقابلة التي بثّت عبر موقع «فيسبوك»، بأن مدير «دائرة صيانة وتطوير الممتلكات»، تيم هوكينز، قام باستحداث منصب باسم «منسق الأحياء» ومنحه لمديرة قسم الإعلام، ماري لاندورش، من دون موافقة المجلس البلدي، لافتاً إلى أن استحداث المنصب الآنف الذكر وإشغاله تم بآلية مخالفة لميثاق مدينة ديربورن.
وتشغل لاندورش منصب مديرة قسم الإعلام منذ حوالي 15 عاماً، حيث قام رئيس البلدية الحالي بتعيينها في المنصب خلفاً للمدير السابق مايكل بشارة.
وفيما يتولى رئيس البلدية تعيين مدراء الأقسام، فإن المناصب الأخرى كمنصب «منسق الأحياء» المستحدث في قسم صيانة الممتلكات، يتم ملؤها وفق قواعد «مفوضية الخدمات المدنية» وبموافقة المجلس البلدي كجزء من عملية إقرار الموزانات السنوية المخصصة لمختلف أقسام البلدية.
ويُناط بـ«منسق الأحياء» التواصل مع «روابط الأحياء» في ديربورن، والبالغ عددها 12 رابطة والتي يجتمع أعضاؤها مرة واحدة كل شهر.
وأشار سرعيني إلى أن منصب «منسق الأحياء» تم استحداثه ليكون صلة وصل بين روابط الأحياء ودائرة صيانة الممتلكات، وهي مهمة يؤديها حالياً نائب مدير الدائرة. ومن المقرر أن تتسلم لاندروش مهام منصبها الجديد في 22 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، براتب سنوي يقارب 80 ألف دولار.
وفي هذا السياق، تساءل سرعيني عن جدوى الاستعجال بإحداث المنصب، وقال: «كان يمكن الانتظار لحين قدوم الإدارة الجديدة، لاسيما وأننا على مشارف عام جديد، حيث لدينا عطلات عيد الميلاد ونهاية العام الجاري، ما يعني أن لاندروش لن تباشر وظيفتها عملياً حتى الثالث من كانون الثاني (يناير) المقبل».
وأوضح سرعيني بأنه استشار القسم القانوني في البلدية حول شرعية استحداث المنصب الآنف الذكر، لافتاً إلى أن محامي المدينة ونائبه أكّدا له أن «استحداث المنصب وملأه تم بشكل مخالف لميثاق ديربورن»، لأن منصب «منسق الأحياء» لم يكن مشمولاً بميزانية العام 2022 التي أقرها المجلس البلدي في وقت سابق من العام الجاري.
وعندما تلقى هوكينز رسالة بريدية من القسم القانوني تفيد بأن إحداث المنصب وإشغاله قد نُفذا بطريقة مخالفة للميثاق، بادر إلى طرح الموضوع في المجلس البلدي الذي قام بالتصويت على المنصب الجديد في الاجتماع الذي عقد في 7 ديسمبر الماضي.
وجاءت نتيجة التصويت بأغلبية (خمسة مقابل 1) لصالح إحداث المنصب وإشغاله، بعدما جادل هوكينز بأن دائرته تمتلك التمويل المطلوب للوظيفة الجديدة، مع الإشارة إلى أن أحد الأعضاء السبعة كان متغيباً عن الاجتماع.
وخلال المقابلة، تساءل السبلاني عن أسباب استحداث منصب وإشغاله بهذه السرعة «المثيرة للريبة والاستغراب» وقال السبلاني: «كيف لمجلس يضم ثلاثة أعضاء ولايتهم منتهية أن يتخذوا قرارات لها تأثير على سكان المدينة لسنوات قادمة؟».
ولم يحر سرعيني جواباً، إلا أنه وصف وظيفة لاندروش الجديدة بأنها «محمية نقابياً»، أي أنه يمكن لرئيس البلدية حمود أن يعزلها من المنصب، على أن تشغل وظيفة أخرى بنفس الراتب، لحين موعد تقاعدها بعد نحو 18 شهراً تقريباً.
وألمح سرعيني بأن تعيين لاندورش في المنصب الجديد، وبهذه الطريقة «الغريبة»، يندرج ضمن تأمين الرواتب والتعويضات التقاعدية للاندروش.
واستدرك سرعيني بأنه يعترف تماماً بحاجة البلدية إلى منصب «منسق الأحياء»، إلا أن «الأمور لا يجب أن تنجز بهذه الطريقة»، على حد تعبيره.
وتساءل سرعيني عما إذا كان المنصب الجديد يستحق فعلاً راتباً سنوياً بهذه الضخامة، في الوقت الذي تمر فيه بلدية ديربورن بعجز سنوي يقارب 15 مليون دولار سنوياً.
وأوضح سرعيني بأن عجز الموازنة سينجم عن رفض الناخبين، في نوفمبر المنصرم، لمقترح بزيادة ضريبة الملكية العقارية بمقدار 2.75 مِل لمدة ثلاث سنوات، مما سيحرم الإدارة الجديدة من ملايين الدولارات التي كانت تنفق سنوياً على تشغيل البلدية.
وحول التعيينات الأخرى، أفاد سرعيني بأن رئيس الموظفين ببلدية ديربورن مايك غايدو قام –مؤخراً– بتوظيف ابنته بدوام جزئي في قسم الإعلام، من دون الإشارة إلى طبيعة الوظيفة التي تشغلها. وقال سرعيني: «هذه الوظيفة ليست محمية نقابياً كونها وظيفة بدوام جزئي، وأما أجرها فيتراوح بين 12–15 دولاراً في الساعة».
كما أشار إلى أن رئيسة المجلس المنتهية ولايتها، سوزان دباجة، قامت –أيضاً– بتوظيف إحدى الناشطات في حملتها الانتخابية الأخيرة، في المجلس البلدي بصفة متدربة، مقراً بحاجة المجلس إلى موظفين يجيدون اللغة العربية قراءة وكتابة لمساعدة سكان المدينة الذين لا يتقنون الإنكليزية.
والجدير بالذكر أن حمود، وهو أول عربي وأول مسلم ينتخب رئيساً لبلدية ديربورن، قد شكّل –الشهر الماضي– فريقاً انتقالياً لاستشارته حول التحديات الرئيسية في المدينة، وللمساعدة في تفحص قرارات التوظيف في المناصب الأساسية، إضافة إلى المساهمة في تطوير السياسات البلدية، في المدينة التي يقطنها نحو 110 آلاف نسمة، نصفهم تقريباً من العرب الأميركيين.
ويقدّم الموقع الإلكتروني للفريق الانتقالي أخباراً حول كيفية بناء الإدارة الجديدة لبلدية ديربورن، كما يتضمن مزايا تفاعلية من أجل إشراك السكان في القرارات المتخذة، وتحديد الخطوات التي تضمن الانتقال السلس للإدارة الجديدة، مطلع العام القادم.
صفقة مشبوهة
وفي قضية أخرى، انتقد سرعيني استعجال بلدية ديربورن لبيع عقار تملكه في وسط الداونتاون. وقال: «لقد كان لدى البلدية إمكانية بيع هذا العقار منذ عشر سنوات، فلماذا تلجأ إلى بيعه في اللحظات الأخيرة؟».
ولفت سرعيني إلى أن البلدية لم تتعلم من تجاربها السابقة في مجال بيع العقارات، إذ قامت ببيع العقار نفسه قبل أربع سنوات، ثم لجأت إلى المحكمة لاسترداده، لأن المشتري لم يكن يملك المال الكافي لتسديد الثمن.
وأوضح سرعيني بأن ميثاق ديربورن يخوّل المجلس البلدي إتمام عمليات بيع العقارات المملوكة للبلدية على قاعدة «أعلى سعر»، أو «أفضل مشروع»، منوهاً بأن إدارة أورايلي وافقت على عرض أقل بخمسين ألف دولار من العرض الأعلى، بحجة أن صاحبه يملك مشروعاً «أفضل» من منافسه.
وأحالت إدارة أورايلي الصفقة إلى المجلس البلدي للموافقة عليها من دون أن تتحقق من أن صاحب العرض يملك المال الكافي لشراء العقار وتطويره، علماً بأن المبلغ المطلوب لإنجاز المشروع يزيد عن مليوني دولار.
وأردف سرعيني: «لكي تشتري هذا العقار وتتمكن من إنجاز مشروع بكلفة مليوني دولار خلال 18 شهراً فهذا يعني أن المال بحوزتك عداً ونقداً»، وهو ما لم تقم البلدية بالتحقق منه.
وأوضح أن المجلس البلدي سوف يصوّت على إتمام صفقة البيع في اجتماعه القادم، مبدياً استغرابه من تكثيف المجلس لاجتماعاته بين عطلتي عيد الشكر وعيد الميلاد. وقال متهكماً: «خلال هذه الفترة عقدنا اجتماعات أكثر من الاجتماعات التي عقدناها خلال هذه الفترة من السنوات السبع الأخيرة».
أداء الشرطة
في سياق آخر، انتقد سرعيني أداء شرطة ديربورن منوهاً بأنها لا تنتشر في الشوارع بالشكل اللازم لمكافحة القيادة المتهورة، مرجعاً ذلك إلى قلة العناصر الميدانيين في الدائرة.
ولفت إلى أن المعدل الوطني لنسبة العناصر إلى الرقباء في الولايات المتحدة هو ستة شرطيين لكل رقيب، لكن في ديربورن يصل المعدل إلى ثلاثة شرطيين لكل رقيب، ما يعني أنه «لدينا نقص في الأداء الميداني للشرطة».
وأردف سرعيني بأن الكثير من المدن الأميركية تفضل تغريم السائقين المخالفين بـ«مخالفات وقوف» لتجنيبهم عواقب «نقاط الجزاء» (بوينتس) التي تسهم في رفع أسعار التأمين على مركباتهم لعدة سنوات.
وكشف سرعيني أنه طالب قائد شرطة المدينة، رونالد حداد، باتباع هذه السياسة، إلا أن الأخير رفض ذلك مصراً على تحميل السائقين المخالفين «نقاط الجزاء».
Leave a Reply