تراجعت إدارة «المركز الإسلامي في أميركا» عن البيان الذي أصدرته يوم السبت ١٢ أيار (مايو) الماضي بالرغم من أن البيان لم يكن يلبي كل المطالبات الشعبية في أوساط الجالية التي تمحورت حول معالجة الخطأ والرجوع عنه مع ما يتطلب ذلك من إعادة تقييم لآلية اتخاذ القرارات داخل مجلس الأمناء وإجراء تغييرات أصبحت ملحة حفاظاً على المركز كمؤسسة تشكل واجهة يجب أن تبقى مشرّفة للعرب وللمسلمين في الولايات المتحدة.
وهو بيان بالرغم من هزالته وميوعته ومحاولات التهرب من المسؤولية المباشرة عن فعل استضافة الضباط الإسرائيليين على مدى سنوات مضت، فقد تضمن فقرة تتعهد فيها الإدارة بعدم السماح لأي من الضباط والجنود الإسرائيليين بدخول المركز الإسلامي في المستقبل، الأمر الذي شكل مخرجاً يُنزل الإدارة عن الشجرة العالية التي تسلقتها ويعيدها الى بيئتها الطبيعية على قاعدة أن الرجوع عن الخطأ فضيلة.
وبالعودة إلى وقائع يوم السبت الذي أصدرت فيه الإدارة بيانها على وقع الاحتجاجات والمطالبات، وبما أن إدارة المركز الإسلامي نكثت بوعدها وأخلّت بالتزامها، لم يعد هناك من مبرر للاحتفاظ بما دار في الكواليس وكيف تم استصدار البيان قبل أقل من ساعة من موعد التحرك الاحتجاجي داخل المركز. لذلك يهمنا وضع الوقائع التالية برسم القرّاء الكرام:
مساء الجمعة في ١١ أيار (مايو) وعلى وقع المشاهد التي انتشرت في أوساط الجالية والتي تظهر غلاظة وفظاظة في التعامل مع بعض المحتجين السلميين داخل المسجد، إضافة إلى الاستعانة بشرطة المقاطعة التي استُغِلَت لترهيب الناس وثني عزيمتهم عبر وضعها بمواجهة المحتجين حيث أوكل لها المدير التنفيذي للمركز الإسلامي قاسم علي مهمة منع التصوير ولو بالقوة، ونظراً لمستوى الغضب والاحتقان في أوساط الجالية وخاصة لدى جيل الشباب الذي شعر بالمهانة ، وتجنباً لمشهدية مماثلة لما حصل مساء الخميس في ظل التحرك الذي أُعلن عنه يوم السبت داخل المركز، بادر الزميل أسامة السبلاني بالاتصال بالدكتور نسيب فواز مطالباً إياه بالعمل على معالجة الأمر كي لا تجنح الأمور نحو الفوضى والاضطراب. تجاوب فواز مع الأمر وأبدى إيجابية كبيرة ووعد باستعمال «مَونَته» على مجلس الأمناء كي يتم استصدار بيان يرضي الجميع ويوقف الجدل ويضع الإدارة أمام مسؤولياتها، وتم الاتفاق بين الرجلين على فحوى البيان المقترح وأفكاره الأساسية على أن يقوم السبلاني بصياغته باللغتين العربية والإنكليزية، بينما يعمل فواز على أخذ موافقة مجلس الأمناء عليه كي يتم إصداره قبل التحرك المُزمَع في اليوم التالي، فتصل الأمور إلى خواتيم مرضية للجميع ويتم استيعاب موجة الغضب لدى أبناء الجالية اللبنانية.
وهكذا كان، فقد أتم السبلاني صياغة البيان «المزدوج» وأرسله إلى فواز الذي وافق على مضمونه دون تَحفّظ ووعد بالعمل على استصداره بأسرع وقت، إلاّ أن حسابات الدكتور فواز لم توافق «بندر» الإدارة الفعلية للمركز الإسلامي وأهوائها السياسية المعادية لبيئة أهالي الجنوب اللبناني الذين أسهموا بشكل أساسي بتمويل بناء المركز ودفعوا من أموالهم على مدى سنوات، ولا زالوا، كي يستمر المركز منارة دينية واجتماعية وثقافية تعكس صورتهم وطبيعتهم.
فعلق البيان بين أخذٍ وردٍ طوال يوم السبت نتيجة تعنّت البعض في المركز الإسلامي ممن أصروا على حذف فقرات جوهرية من البيان إلى أن صدر بصيغته النهائية ولكن بطريقة ملتوية حيث طُبِع النص على ورقة لا تحمل إسم المركز الإسلامي وأُرسِل إلى عددٍ محدود من المشاركين في التحرك ظناً من الإدارة أن ذلك سيقنع الشباب بإلغاء تحركهم، بينما كان الاتفاق أن يتم نشر البيان باللغتين العربية والإنكليزية عبر صفحة المركز على موقع فيسبوك.
تعاودت الاتصالات من جديد مع الدكتور فواز بعد أن اشتمت رائحة مؤامرة يتم الإعداد لها من قبل البعض، ومن جديد خاض فواز معركة داخلية حتى تم نشر البيان على صفحة الفيسبوك. وفِي الوقت الذي أُخرِجَ فيه خيار التحرك الاحتجاجي من التداول أقدم مجلس الأمناء على سحب البيان من صفحة الفيسبوك والتراجع عنه في خطوة أظهرت الطبيعة التكوينية والذهنية المؤامراتية لأعضاء المجلس الذين يُفترض فيهم –كونهم يرعون صرحاً إسلامياً– أن يكونوا أولى بالصدق والنزاهة والأمانة وإلإيفاء بالعهود والمواثيق.
وفِي ضوء ما تقدم لا بدّ من الإشارة الى جملة أمور تحققت وأصبحت من المسلمات عند الجميع:
١– اعترف أعضاء مجلس الأمناء باستضافة الإسرائيليين بما لا يدع مجالاً للشك، و«خبرية» أنهم لم يكونوا يعلمون، لم تعد تنطلي على أحدٍ ولا يمكن صرفها بعد أن فضحتهم الوثائق والشهادات الحية من «أهلهم».
٢– لقد أصبح معلوماً لدى الجميع طبيعة الجهات والأيادي الخفية التي تتحكم بالمركز الإسلامي وتستعمله ستاراً لأهداف خبيثة ونوايا تطبيعية مع الكيان الإسرائيلي وهي جهات معروفة بكرهها وحقدها على البيئة اللبنانية الجنوبية.
٣– ليس بين أعضاء مجلس الأمناء والإدارة مَن يستحق أن نطلق عليه وصف «رجل» حيث بلع الجميع ألسنتهم وكمّوا أفواههم ودفنوا رؤوسهم في الرمال على طريقة النعامة.
وفي الختام، نوجه التحية إلى المغنية العالمية اللبنانية الأصل شاكيرا على مشاعرها الإنسانية النبيلة لإلغائها حفلاً غنائياً في دولة الاحتلال الإسرائيلي كان سيدر عليها مئات الآلاف من الدولارات كرمى لشهداء غزة ونزولاً عند رغبة حملة المقاطعة للكيان الإسرائيلي.. فما أحوجنا إلى شاكيرا في المركز الإسلامي لكي تحكم بيننا وتزيل العار الذي ألحقوه بمسجدنا..
Leave a Reply