بمراقبة الأمور عن بعد، فإن الأشياء التي قيلت في ديربورن خلال الأشهر الفائتة لا شك أنها تفطر القلب تماماً، فقد تعرضت منظمة وشخص لحملة شرسة، عقب توجيه أسئلة مشروعة لأحد المرشحين خلال موسم الانتخابات المحلية، وبدلا من الإجابة على تلك الأسئلة فإن ذلك المرشح اختار أن يلعب دور الضحية، وهو سلوك سياسي قد يراه البعض صائباً إذا ما نظرنا الى نتائج الانتخابات، ولكنه لا يمكن أن يغير التاريخ أبداً!
إنه لمن المحزن أن ندرك أن المساهمات والجهود الشخصية والتضحيات التي بذلت على مدى أكثر من 20 عاماً، قد تم نسيانها بسهولة. فإن «الجيل الجديد» -كما لاحظتُ- لا يعرف حجم العمل الجاد والجهود الحثيثة التي بذلت لتوفر لهم القدرة على تحقيق أهدافهم. وعندما قرأت عبارة لأحد المرشحين يقول فيها «لقد تحملت تهجمات سياسية خلال هذا الشهر أكثر من أي مرشح في تاريخ هذه المدينة»، أدركت كم أن الكثيرين لا يعرفون عن تاريخ المدينة سوى القليل. ما أسرعنا في النسيان!
ليس ذلك اليوم بالبعيد، حين انتشر في شوارع ديربورن منشور انتخابي يتحدث عن «المشكلة العربية». ولم يكن ذلك اليوم بالبعيد، عندما كان المرشحون يتعرضون للهجوم لمجرد تجرئهم على الحديث عن المشكلات التي يواجهها مجتمع الجالية العربية. ولم يكن ذلك اليوم بالبعيد، عندما لم يكن لدى المرشحين العرب أية فرصة للفوز في الانتخابات.
دعوني أرجع بكم إلى العام 2000، قبل 16 سنة قصيرة، حين كان هناك 74 صفاً دراسياً متنقلاً (معظمها في شرق المدينة). ولكي أرسم لكم صورة بوضوح أكثر، كان هذا يعني جلوس 2200 طالب في مقطورات وهم يحاولون تعلم القراءة والكتابة، متحملين صعوبات المشي وسط الثلوج في الطقس البارد للتنقل بين صفوفهم الدراسية، أو لاستخدام دورات المياه. حينها لم ترِد المنطقة التعليمية أن تناقش المشكلة، بل أرادت أن تحمل السكان نفقات خطة تطويرية تبلغ قيمتها 50 مليون دولار من أجل تحسين مدارس المدينة دون أن تتضمن إنشاء مدارس في شرق المدينة مثل «ماكولو-يونس» و«غير بارك»، وابتدائية «سالاينا»، إضافة الى توسعة ثانوية فوردسون، وإنشاء مركز بري للتعليم المهني.
هذا، من دون الإشارة إلى البرامج الجديدة التي تم «اختبارها» على تلاميذ شرق ديربورن، ومنها تمديد العام الدراسي على طول السنة (بدون عطلة صيفية) كما لم تعترف المدارس حتى وقت قصير بالمناسبات الدينية الإسلامية، مثل عيدي الفطر والأضحى، حيث كانت تفتح أبوابها خلال هاتين المناسبتين حتى الماضي القريب.
ربما علينا أن نسأل أنفسنا، لماذا تغيرت تلك الأوضاع؟ هل أنها مجرد علامات الساعة؟ لا.. لقد حدثت تلك التغيرات نتيجة العمل الشاق والتفاني المتواصل.
إن مجموعة قليلة من الناشطين العرب الذين اجتمعوا في العام 1998 قرروا التوقف عن التذمر وبدأوا العمل من أجل صياغة قدر جديد لجاليتهم، وقد انبثق عن لقائهم في غرفة صغيرة، حركة أخرجت المجتمع العربي الأميركي من الظل إلى الخارطة السياسية.
إن العمل الشاق الذي قام به كل عضو في «اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك) ساهم عبر السنين في إلقاء البذور وسقايتها ورعايتها.. حتى يتمكن «الجيل الجديد» من حصدها اليوم.
إذن، وفي الوقت الذي يقوم به الجميع بتحليل الانتخابات الماضية، ويتحضرون لخوض غمار المعركة الماضية، عليهم أن يعترفوا بأفضال هؤلاء الذين ضحوا من أجلهم. إن إظهار القدر القليل من الاحترام لهؤلاء الذين مهّدوا لهم الطريق لا يضر أحداً، حتى ولو كنا لا نتفق معهم دائماً.
عندما بدأ مارتن لوثر كينغ حملته ضد عدم المساواة وقف العديد من أبناء جلدته في وجهه، ولكنه لم يتزحزح عن موقفه واستمر بالنضال لعدة سنوات وها نحن الآن نستفيد جميعا من تضحياته، ولهذا السبب نحن نكنّ له الكثير من الاحترام.
قبل أن تقرر أن تفتح فمك للكلام، أو أن تطلق تغريدة، فكّر بهؤلاء الناس في مجتمعك الذين مهّدوا لك الطريق.
Leave a Reply