السقوط العربي المريع لا مثيل له في هذا الزمن الرديء بحيث بتنا نتحسر على أيام الرفض والمبادىء والقيم، التي كان يمثلها الزعيمان جمال عبد الناصر وحافظ الأسد وسماحة الإمام السيد موسى الصدر، الذي تمر في هذه الأيام مناسبة تغييبه الثانية والثلاثين على يد النظام القذافي الزنيم-أكبر ساقط عرفته البشرية.
حتى في بلدٍ كتونس بعيد عن جبهة المواجهة مع إسرائيل، ورغم ذلك كان نظامها البورقيبي السباق منذ ستينيات القرن الماضي في الدعوة للتطبيع مع إسرائيل، قام مطرب “جربوع” يدعى محسن الشريف بزيارة فلسطين المحتلة مع بعض زملائه الساقطين وأقام حفلة غنائية في مدينة “إيلات” توجها بالهتاف بحياة النزق “النتن ياهو” مردداً “يحيا بيبي نتنياهو”! تونس هذه التي كانت المقر الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية والتي كافأها النظام الرسمي العربي بعد خيانة أنور السادات بجعلها مقراً لـ”جامعات الدول العربية”، أصبحت فيها العمالة “وجهة نظر”، كما هي حالة منظري “الكيانية” والحياد و”لبنان أولا” في دولة “شبه الوطن” حيث أقام حزب “الكتائب” علاقات مع إسرائيل منذ قيام الكيان الصهيوني على جماجم الشعب الفلسطيني ذلك لأن “الكيان” اللبناني الشبيه له كان وقفاً فقط على الفينيقية الصافية! وفي عصرنا الحديث “فلت الملق” وأصبح هناك جيش من العملاء والجواسيس وكتب تاريخ في المدارس تطبع مع إسرائيل. النظام التونسي “العابدي”، الذي حل محل بورقيبة بالشكل فقط، يشبه لبنان من حيث الإستباحة الإسرائيلية حيث لم يتمكن من حماية القيادي الفتحاوي النظيف “أبو جهاد” (خليل الوزير) الذي إغتاله كوماندوس إسرائيلي في غرفة نومه في ١٦ نيسان ١٩٨٨. ما أكثر الشبه بين تونس الخضراء ولبنان الأخضر! ربما عملية تصفية “أبو جهاد” تساعد على تعويم الفرضية الإسرائيلية في إغتيال الرئيس رفيق الحريري. ففي ليلة الاغتيال تم إنزال ٢٠ عنصراً من “الموساد” من أربع سفن وغواصتين وزوارق مطاطية وطائرتين عاموديتين للمساندة على شاطئ الرواد قرب ميناء قرطاجة، وتوجهت هذه القوة الكبيرة إلى منزله فقتلت الحراس وإلى غرفته فأطلقت عليه سبعين رصاصة خرقت جسده حتى بعد وفاته!) تذكروا عملية “أنصارية” الفاشلة. لقد تمكن أبو نعل بوش مع محافظيه “الجدد” في البيت الأبيض وفي دول الردة والجاهلية العربية من تحقيق مآربهم في خدمة إسرائيل التي أصبحت صديقاً يجوب جزاروها أسواق الخليج بينما تحولت إيران إلى عدو وخصم بسبب مناصرتها للقضية الفلسطينية! إنه زمن الإنقلابات! وإذا كانت الأنظمة هي الكحل، فإن “ما يسمى” بالشارع العربي هو العمى بعينه! “الشارع العربي” في حالة مرضية حرجة في “غرفة الإنعاش”، صامتٌ صمت القبور إلا في حالاتٍ فردية متقطعة وأحياناً كثيرة لأسبابٍ معيشية كالتظاهرات الخجولة في مصر ولبنان.
وعلى سيرة “عدم الوطن” نخلص إلى تظاهر الأهالي مؤخراً في الزهراني وصيدا وباقي المناطق إحتجاجاً على إنقطاع التيار الكهربائي في ظل إرتفاع غير مسبوق للحرارة الصيفية. لقد بلغ السيل الزبى، وضاق خلق الناس من إنعدام الدولة. إذ كيف، بعد ٢٠ عاماً من إنتهاء الحرب الأهلية، وتراكم ديون بلغت ٧٠ مليار دولاراً، لا تتمكن دولة ما من تأمين الكهرباء لمواطنيها في مساحة جغرافية بحجم قارورة من أرض؟ ربما كان الحق على السوريين في إنقطاع الكهرباء والماء في بلد غني بالأنهار التي اصروا على تحفيظنا اياها بصماً في الدراسة الإبتدائية، لكن يا خسارة فالسوريون إنسحبوا منذ خمس سنوات! ثم، بالأمس انتهت إنتخابات البلديات فأين الخدمات؟ ولماذا تنعم مناطق معينة بالكهرباء وتمنع منها مناطق الحرمان التقليدي؟ لماذا بيروت الإدارية فيها كهرباء على مدار الساعة بينما مناطق الجنوب والبقاع والضاحية نصيبها ساعتان فقط في النهار والليل؟ المنطق نفسه ينسحب على مصايف بحمدون وعاليه وصوفر التي يقصدها سياح خليجيون لأننا لا نريد أن “نفقس” إجازتهم. حتى المصايف ممذهبة في “شبح الوطن”. لكن ليكن في علم الجميع، إذا لم تتم إنارة قرى ومدن الجنوب وبعلبك، تلك القرى وشعبها الأبي الذي أنار وأضاء مجد هذه الأمة التعسة النائمة “الرابخة” في ظلامٍ دامس، فلتذهب إنارة بيروت إلى الجحيم. إن قدم طفل جنوبي وبقاعي صامد أهم من كل الإدارات والوزارات و”الكفيتيريات” في “الداون تاونات” والسوليديرات! إذا لم تتساو المناطق بالخدمة “عمرو ما حدا يستفيد”. فإما تنار مناطق الصمود والممانعة الشعبية مثل غيرها من المناطق المحظية (أنا متأكد أن كل ساسة لبنان وعوائلهم ينعمون بأفضل أنواع التبريد والنور، كما تنعم بذلك بكركي وبكفيا وبيت الدين وبرمانا، أو معادلة باء ٤) وإما يغرق لبنان كله في ظلامٍ دامس بعد أن أغرقه ليل بهيم من الفتن والفساد والسياسات العوجاء! المضحك المبكي هو أن “الأمانة السامة” لقوى “14 آذار” حذرت من أن “النقمة الكهربائية هي لإلغاء المحكمة الدولية”، هذه المحكمة الإشكنازية التي أوكل مجلس الوزراء متابعة ملف شهود الزور فيها لوزير سمير جعجع، أي أن “حاميها حراميها”. برافو معارضة!! من أكثر من جعجع ينشد العدالة والحقيقة؟ يشهد على ذلك الرئيس رشيد كرامي وطوني فرنجية والعقيد كنعان والزايك وداني شمعون، و، و…
هكذا هو لبنان العنصري في الإنماء منذ ولادته الجهيضة. تصوروا يا كرام أنه بالزمانات كانت ميزانية بكفيا لوحدها تعادل ميزانية قضاء البقاع بأكمله البالغ ٢٠٠٠ قرية ومدينة. طبعا، فبكفيا مدينة يقطنها لبنانيون أصليون من آل الجميل إنحدروا من العنصر الآري في المنصورة بسويسرا، أما غيرهم فلم يكونوا لبنانيين أقحاحاً!
ماذا يفعل الأهالي، وهم صائمون، وسط موجه الحر الشديد خلال شهر آب اللهاب، إذا لم يتمكنوا من السفر إلى جزيرة سردينيا؟ بل ماذا يفعل أهل صيدا مع ابنهم “البار” فؤاد السنيورة الذي تصرف بمبلغ ١١مليار دولار بينما الكهرباء في بلدته “نواصة” وجبل النفايات يكاد ينافس قمتي إفريست وهملايا معا؟
بلد “الإشعاع والنور” فيه “مس” كهربائي وسياسي، ويقف على كف.. تنور!
Leave a Reply