نشر في الصحف الاردنية الاسبوع الماضي خبرا، مفاده قيام السلطات في دولة الامارات العربية المتحدة، بترحيل ما مجموعه الف ومائتي عائلة فلسطينية، جميعهم من اهالي قطاع غزة، يحملون وثائق سفر، وهي بالطبع لا ترقى الى مستوى جوازات السفر، و بالتالي لا تؤهل حامليها قانونيا للسفر الى مختلف بلدان العالم، جرت العادة على مدى الستين عاما الماضية، وهي عمر النكبة الفلسطينية، ان اتأحت الدول العربية امكانية استقبال حاملي هذه الوثائق من اللاجئين الفلسطينين في كل من مصر والعراق وسوريا ولبنان.
يبدو أنه حان الوقت لقطع هذه العادة، بعد ان تمكنت السلطة الفلسطينية من اقامة كيان لها في الضفة الغربية، وبما انها على خلاف مع نظيرتها في غزة، رأت من المصلحة العليا للشعب الفلسطيني ان تزاول سلطتها عليه في الداخل والخارج، ليأتي قرار حكومة ابو ظبي بطرد مئات العائلات الغزية متواكبا مع اهداف السلطة في رام الله، للضغط على الحكومة المقالة في غزة، وكأن هذه الأخيرة لا يكفيها الضغوط التي تمارسها عليها اسرائيل والولايات المتحدة ومصر وعموم العالم، والتي تتمثل في حصار رهيب وحروب شرسة شنتها الدولة العبرية على اهالي القطاع المنكوب، ادت الى مقتل المئات وتدمير المنازل وجوع وبطالة وحالة من اليأس.
يدلل على تدخل السلطة في هذا الشأن، الدور الذي لعبته السفارة الفلسطينية في ابو ظبي، التي ما كاد الخبر ينتشر في بعض وسائل الاعلام العربية، حتى بادرت بنفيه، وكأن شيئا من هذا لم يحدث، مع أن حكومة حماس في غزة أقرت خبر طرد مئات العاملين الغزيين من الامارات العربية المتحدة، كما ان السفارة ذاتها تدخلت لدى محطة »الجزيرة« الفضائية لوقف نشر الخبر اثناء الاعداد لنشرتها الاخبارية، مع تأكيد مسؤولين امارتيين الى ان وزارة الداخلية أوقفت العمل بالقرار اعتبارا من حينه، وأن من تم ترحيلهم لا حول لهم و لا قوة الاّ بالله.
ما فعلته السلطة في الغزيين العاملين في الامارات، سبقه فعل اخر اقدمت عليه ضد الفلسطينيين في الاردن، ممن يحملون هوية الضفة الغربية، المئات منهم تم تجريدهم من جوازات سفر اردنية كانوا يحملونها بحجة حلمهم في العودة والاقامة في الضفة الغربية دعما للصمود في الارض المحتلة، في حين ينتظر عشرات الوف اخرون سحب حوازات سفرهم وتجريدهم من الجنسية الاردنية في غضون الايام والاسابيع والشهور القادمة. ووجهة نظر السلطات الاردنية في هذا عدم قانونية حمل المواطن لاكثر من جنسية عربية، مع ما يعني ذلك من مغالطات واستهتار بعقول الناس، اذ انه من قال ان للفلسطينيين دولة حتى يكون لهم جنسية او حتى جواز سفر معترف به، أضف الى ذلك انه لا مانع قانونيا في النظام العربي ان يحمل المواطن اكثر من جنسية واحدة شريطة ان تكون الاخرى أجنبية.
يقال ان قرار سحب الجنسية الاردنية من الفلسطينيين جاء وفق تفاهم على اعلى المستويات جرى بين رئيس السلطة محمود عباس و العاهل الاردني الملك عبدلله الثاني، وقد استغل هذا الاخير هذه الفرصة سياسيا لتكون بمثابة رد على قادة متشدين اسرائيليين اعتبروا الاردن وطنا بديلا للفلسطينيين.
المهم ان السلطة تعمل بكل ما أوتيت من قوة على ترسيخ وجودها، حتى لو كان ذلك على حساب شعبها في الداخل والخارج، فهي في مواقف متعددة حاولت التقرب من قيادات الدولة اللبنانية من اقطاب الموالاة خاصة المتنفذين منهم ماليا والمحسوبين سياسيا على اميركا والغرب والسعودية، بهدف تحقيق مكاتب ملموسة ولو كان ذلك على حساب مئات الاف اللاجئين في لبنان، وما مخيم نهر البارد الذي لا يزال مهدما و اهله مشتتون، سوى مثال على ثمرة تفاهمات جرت بين السلطتين الفلسطينية واللبنانية.
الطريف في الامر ان الدول العربية فشلت حتى اللحظة في خلق اي تفاهمات فيما بينها على المستويات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية، ونجحت ايما نجاح على المستويات الامنية والاستخباراتية، وكان الهدف دوما قمع الشعوب واحباط مقاومتها، فهنيئا للسلطة الفلسطينية نجاحها الذي حققته على حساب شعبها المنكوب.
Leave a Reply