رنا المير وداوود وليد
فـي الوقت الذي بدأت فـيه الانتفاضة فـي مدينة بلتيمور كرد فعل على قتل الشاب فريدي غري من قبل عناصر شرطة المدينة، انتشر تغريد متواضع على شبكة تويتر عن شاب أميركي من أصل أفريقي فـي مدينة نيويورك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي العربية والعربية-الأميركية أفاد بالاتي:
(رجل أسود) – «الليلة الماضية فـي السجن أنا كنت أرتدي تي شيرت يحمل إسم فلسطين ويجلس بجواري فلسطيني يرتدي تي شيرت يحمل شعار «أرواح السود مهمة أيضاً ».
كتبت التغريدة بكل هذه البساطة، ولكنها كانت رسالة قوية ومعبِّرة لانها لامست الشعور بالتضامن، وبناء حركة تأسيسية وتعاطف بدأنا الآن فقط نشهد ومضات من إرهاصاته فـي ولاية ميشيغن، وسط العرب الأميركيين والجاليات الأفريقية الأميركية».
ولكن هذه الومضات لن تتطور لتصبح مشاعل للتغيير الإجتماعي إذا لم نبدأ فوراً بتشخيص واستئصال جذور العنصرية فـي مجتمعاتنا، هذا السرطان الخبيث الذي يبقينا على خلاف بعضنا مع البعض الآخر بدلاً من التركيز على قضية الحرمان البنيوي من الحقوق السياسية والإعلامية التي نواجهها معاً.
ففـي الوقت الذي ظهرت فـيه التغريدة أعلاه المعزِّزة معنوياً لنا فـي منطقتنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فاضت عبارات «البلطجة» و«المجرمون» و«رجال العصابات» و«الحيوانات» كما طفحت الإدانات الشخصية ضد المحتجين فـي بلتيمور – وبعض ردود الفعل المخجلة هذه أتت للأسف من قبل بعض أصدقائنا وجيراننا وحلفائنا من العرب الأميركيين، حيال جيوب العنف التي اندلعت فـي المدينة ازاء ورود المزيد من الأنباء حول فريدي غري الرجل الأسود الذي اعتقل واعتُدي عليه من قبل رجال الشرطة الذين تركوه من دون عناية طبية لعدة ساعات بعد تسديد ضربات له بطريقة وحشية وغير مشروعة اصابته بجرح فـي رأسه وادت إلى سحق الحبل الشوكي والقصبة الهوائية لديه.
وبطبيعة الحال، نحن ندرك أن ليس كل فرد فـي جالية ميشيغن العربية الأميركية يحمل هذه المشاعر المشينة نفسها، كما أن ليس كل المتظاهرين قاموا بأعمال عنف. فـي الحقيقة، تظاهرة الغالبية العظمى المؤلفة من الآلاف من المحتجين كانت سلمية.
ولكن بالنسبة لأولئك الذين انتقدوا المتظاهرين، فإن أول مشاركة لهم (بالنظارات) عبر الفـيسبوك أو تويتر لم تكن من أجل إدانة العنصرية المؤسساتية التي أسفرت عن قتل وحشي لفريدي غري، ولا لاستنكار نظام العدالة الجنائية الذي يرمي الرجال السود فـي السجون والمعتقلات، ولا الهجوم على عملية التدمير الممنهج للجاليات المحلية من خلال حرمانها من فرص التعليم والاقتصاد الأساسية فـي المجتمعات الأكثر فقراً، ولا انتقاد كمية ومستويات الرصاص السام التي وجدت فـي جسم غري، ولا المساءلة بشأن شيطنة الشعب الملون والأسود من قبل السياسيين ووسائل الإعلام.
لا، بل شعر الكثيرون انهم مجبرون على التحدث فقط عندما يحتاج الأمر لإدانة المتظاهرين، الذين كانوا من خلال «أعمال الشغب»، كما قال ذات يوم القس مارتن لوثر كينغ، يستخدمون «لغة غير المسموعين».
لقد كتبنا فـي السابق كثيراً عن هرطقة العرب الأميركيين الهتَّافـين للعنف الناجم عن ما يسمى «الربيع العربي» وسائر الانتفاضات والثورات الأخرى فـي جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط، وفـي الوقت نفسه، ومع قليل من التأمل الذاتي، اتهامهم للمتظاهرين السود بـ«البلطجة» و«الاجرام ».
ومن المفارقات، ان بعض الكتابات انتقدت المتظاهرين لرميهم الشرطة بالحجارة لكن هذا السيناريو رأيناه مراراً وتكراراً لدى الأطفال الفلسطينيين الذين كانوا يلقون الحجارة على أفراد الجيش الإسرائيلي للتعبير عن إحباطهم ويأسهم مثل (أقرانهم السود) فـي وجه نظام قمعي موجه ضدهم.
فـي شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، كتبنا ما يأتي: «من خلال تكرار هذه الإستعارة المتعبة (بلطجية ومجرمون)، فإن الجالية العربية الأميركية لا تقول فقط إن هؤلاء المتظاهرين (السود) هم ضعفاء، ولكن يقولون عنها كجالية (أفريقية أميركية ) إنها ليست جديرة بالسلطة، أو حتى الأمل بذلك».
اليوم، نحن ندعي أنه من خلال استخدام هذه الإستعارة المكررة والمملة يبرهن بعض العرب الأميركيين انهم ليسوا بأفضل من وسائل الإعلام والسياسيين الذين ينتقدونهم بسبب وصفهم للعرب الأميركيين على أنهم إرهابيون ومتطرفـون فـي محاولة لصرف النظر عن محنة العرب ومخاوفهم المبررة.
وبتكرار استعمال هذه الإستعارة المتعبة، يتجاهل العرب الأميركيون جزءاً واسعاً من جاليتنا التي تعرف عن هويتها بانها عربية وسوداء وتواجه العنصرية ضد العرب والسود فـي وقت واحد وكذلك العنصرية الداخلية فـي مجتمعاتنا.
وبتكرار استعمال هذه الإستعارة المتعبة، يلعب العرب الأميركيون بجد دور النموذج الأقلوي الذي يستعمل المفهوم الاجتماعي القائم على أساس سياسات محددة لفصل المجموعات العرقية والترويج للأسطورة القائلة بأن العمل الجاد وحده يخلق الفرص للمجتمعات بغض النظر عن الحواجز السياسية والعرقية البنيوية الموجودة.
هذه الفوضى المتشابكة التي هي خليط بين الاستشراق والتفوق العربي، حمل المجتمع العربي الأميركي على الاعتقاد بأن الحلم الأميركي البعيد المنال هو الدرع الذي يحمينا من الفقر والعنصرية والجهل، بدلاً من العيش فـي الواقع الأميركي الراهن الذي هو السيف المسلط لسجن وقتل وإخضاع المجتمعات الملونة.
منذ هجمات ١١ أيلول (سبتمبر) والتعصب ضد العرب والمسلمين فـي ازدياد وبشكل مطرد مما أدى إلى زيادة كبيرة فـي جرائم الكراهية ضد أولئك الذين ينظر إليهم على أنهم من العرب أو المسلمين. كما ان السلطات الفـيدرالية وحكومات الولايات والبلديات مستمرة فـي نشاطات التنميط العنصري التمييزي بالجملة بحق العرب الأميركيين تحت ذريعة حماية الأمن القومي. الوكالات الأمنية الفـيدرالية قامت بمسح لهذه الجاليات العربية والإسلامية على أساس نمطي مقيت وأجرت عمليات تفتيش من دون موجب للاشتباه، ونفذت الاعتقالات التعسفـية لاعداد كبيرة غير معروفة من العرب والمسلمين فـي جميع أنحاء البلاد، بما فـي ذلك فـي مطاراتنا والمعابر الحدودية. لقد ملأت الوكالات الأمنية بياناتها بتقارير عن التحركات والنشاطات التي يقوم بها العرب الأميركيون والمسلمون والمحمية من قبل التعديل الأول الدستوري.
وببطء، بدأ العرب الأميركيون يتعلمون ما شعر به الأميركيون الأفارقة منذ فترة طويلة – وهو ان تحقيق حلم الحرية والعدالة والحرية للجميع كثيراً ما يعترضه واقع العزلة، عزلة الفقر وعزلة العنصرية وعزلة التمييز على أساس الجنس والتعصب والشك.
فـي الحقيقة والواقع، هذه العزلة هي التي ادَّتْ إلى قتل: فريدي غري فـي بلتيمور، وميلتون هول فـي ساغينو، واريك غارنر فـي نيويورك، ومصطفى متان فـي فورت ماكموري، ومايك براون فـي فـيرغسون، وضياء بركات، ويُسر ورزان أبو صالحة فـي شابل هيل، وتامير رايس فـي كليفلاند، وتريفون مارتن فـي سانفورد، ووالتر سكوت فـي تشارلستون، وعبده علي أحمد فـي ريدلي والقائمة المأساوية تطول وتطول.
العدالة قد لا تأتي أبداً لهؤلاء الضحايا من الرجال والنساء، ولكن التزامنا الجماعي والتفاني من أجل كسر جدران العزلة بين مجتمعاتنا وجالياتنا سوف يضمن لنا أنهم لم يموتوا عبثاً – بل يمكن لإرثهم وذكراهم أنْ تحيا من خلال حركة تضامن مطواعة ومرنة وقوية.
الانتفاضة آتية لا محالة. ويمكننا أن نختار الجلوس فـي المنزل ونشير بأصابع الاتهامات وكيل الشتائم من وراء شاشات الكمبيوتر أو يمكننا النزول الى الشوارع لنهتف بصوت واحد موحد منصب على التغيير الجذري الإيجابي المنشود.
رنا المير نائبة مدير اتحاد «الحريات المدنية
الأميركية فـي ميشيغن» (ACLU-MI).
داوود وليد المدير التنفـيذي «لمجلس العلاقات
الإسلامية الأميركية فـي ولاية مشيغن» (كير-ميشيغن).
Leave a Reply