حين كنت صغيراً، يعني مو صغير صغير، كنت أسمع أمي وصديقاتها من الجيران، إذا أرادوا أن يمدحوا امرأة ويصفوا جمالها قالوا: والله كأنها من بنات الأجانب.. شعرها أشقر كأنو جداول دهب عم تنسكب على أكتافها.. عليها بياض متل بياض الثلج وأكتر.. عيونها؟ شو هالعيون.. سبحان يلي خلقهن زرق متل ميّة البحر الصافية.. بتقول للبدر قوم حتى اقعد مطرحك، وإذا أرادوا الحكي عن شاب جميل.. قالوا: سبحان الله يلي خلقلو هالعيون.. زرق.. زرق مثل السما الصافية بنص الصيف.. وعلى قد مانو حلو، والله أختو بتعشقو..
ومنذ ذلك الوقت، أصبحت أرى الكوابيس وأصبح لون العيون الزرق، مصدر قلق دائم لي، ومنغّص عليّ عيشتي. إذا دخلت سينما لأرى فيلما، ظللت أراقب العيون.. وإذا التقيت بأحد لأول مرة، أنظر مباشرة إلى عيونه للتأكد من لونها.. وأصبحت لا أحب كل من لون عيونه زرق، وابتعد عنه والحسد يملأ قلبي.. وحتى أخفف عن نفسي، كنت أردد: أن من له عيون زرق وأسنانه فرق، فهو حسود…
وحتى تكمل معي، وابقى في نكد وهمّ وغمّ، أوصلتني الأقدار الى بلد أكثر أهلها لون عيونهم أزرق، وصرت ألعن الساعة اللي وصلت فيها لهالبلد، وقولي لحالي: شو هلي جبرني إجي وأوصل لهون؟؟ ناس شقر.. عيون زرق.. والله كان أحسنلي لو رحت على الهند.. أو باكستان.. أو حتى الصين.. يعني قد ما كانوا أهلها حلوين، ما رح يكونوا أحلى مني.. لا شقار.. لا بياض.. لا عيون زرق ولا خضر.. وكمان مو معقول إرجع لبلدي وصرت واصل لهون، والناس عم تهرب من هديك البلاد..
المهم وبلا طول سيرة.. وبما أنو عملي بيعتمد على الكتابة والقراءة بشكل أساسي، صرت أشعر بضعف نظر.. فكنت أشتري من الصيدليات نظارات طبية حتى شوف.. وكل ما أحسست بضعف أكثر، أشتريت نظارة عيارها أكبر.. إلى أن أصبحت لا أرى بأي نظارة. وقتها اضطررت لمراجعة طبيب عيون.. وكانت المفاجأة الكبرى.. المفاجأة السارة.. المفاجأة التي ما كنت أحلم بحدوثها.. قال لي الطبيب خبراً جعل قلبي يكاد يطير من صدري من شدة الفرح.. قلّي عندك المي الزرقا بعيونك.. وقتها حسيت إني غبت عن الوعي.. قلت لحالي يمكن ما سمعت بشكل صحيح.. سألتو.. يا دكتور شو قلت في بعيوني، دخيلك عيد الكلام؟ فكرني أطرش.. علاّ صوته: معك المي الزرقا.. قمت هجمت عليه وصرت بوسو.. وبوّس الممرضات.. لكن الدكتور كمّل وقال: “لازم اجراء عملية بسرعة”.. قلتلو “ليش العملية؟”.. “قلّي حتى نزيل المي الزرقا”.. صرخت بدون وعي “شو.. شو”.. بدك تزيل المي الزرقا من عيوني؟ شو أنا مجنون لأسمح لك”؟ قلي “ليش لأ”؟ قلتلو “طول عمري أتمنى وأحلم يكونو عيوني زرق.. ولما ألله غمرني بكرمو، واستجاب لدعواتي، جاي إنت تحرمني منهن”؟ قلي: “إذا ما أزلنا المي بتصير أعمى”.. قلت “صير أعمى وعيوني زرق.. أحسن ما صير شوف وعيوني سود”..
المهم يا سادة يا كرام، الحسد صاب كل أفراد عائلتي وأصدقائي وزملائي، وأصروا على إزالة “الموج الأزرق” من عيني، وعدت من جديد أستطيع قراءة أخبار حفلات التكريم وإعطاء شهادات التقدير لأدعياء الفن والإعلام والأدب.. يقدمها لهم ولهن اشخاص من وجهاء الزمن الأغبر، أجسامهم تشبه القرب المبخوشة والطبول الجوفاء، إذا نقرت على رأس أحدهم من تحت البرنيطة، خرج الصوت من مؤخراتهم..
يعني لو بقيت أعمى ما كان أحسنلي؟؟
ونلتقي..
Leave a Reply