احياء صفيح منتشرة، قتل عشوائي للابرياء، امراض متفشية، بطالة تقدر بما بين 25 و50 بالمئة، شلل برلماني، ومآس أخرى تشكل مشهد الفوضى التي ارستها الولايات المتحدة في العراق خلال اعوام الاحتلال السبعة. وفي تقرير صادر عن “برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية” (هابيتات)، بعنوان “حالة المدائن العالمية لفترة 2010-2011”، تشير الأرقام إلــى ان نسبة سكّان أحياء الصفيح في العراق، لم تتجاوز الـ20 بالمئة قبــل الاحتلال في العام 2003، مقابل نسبة حالية تتجاوز الـ53 بالمئة، أي حـوالى 10 ملايين مواطن يسكنون أحياء الصفيح، و19 مليونا، يقطـنون المساحات المدنية.
في المقابل، تشير الاحصاءات الاميركية للعام 2000، ان نسبة 80 بالمئة من الأميركيين المقدر عددهم بحوالي 285 مليون نسمة، من سكان المدن. ومن بين هؤلاء لا تصل نسبة سكان أحياء الصفيح إلى الـ5 بالمئة. اما لو كان الواقع العراقي، قائما في المجتمع الاميركي، لعاش 121 مليون أميركي في مثل تلك الأحياء، واندلعت اعمال شغب خطيرة، وسارع الجيش لتولي السلطة وتبخّرت كل مفاهيم الديموقراطية واحتمالاتها. فلما لا يشعر الاميركيون بالقلق والحزن ازاء الظروف الصعبة في العراق؟
ببساطة، تجهل غالبية الأميركيين ما حدث في العراق سابقا وما يحدث حاليا. فالحكومة الاميركية، بما في ذلك الإدارة الحالية، التي تشيح بنظرها، وتحافظ على “خرافة” تحسّن الوضع العراقي في مرحلة ما بعد الغزو، مخفية الوقائع عن مواطنيها بالتعاون مع وسائل اعلامية رئيسية تعزز اللغط.
هذا بالتحديد ما امل كثيرون في تغييره مع وصول الإدارة الاميركية الجديدة الى البيت الابيض، اذ توقع المواطن الاميركي من رئيسه الجديد كشف الحقيقة عن سبب غزو العراق وما تقوم به واشنطن بدقة في بلاد الرافدين. الرئيس باراك اوباما تمسك بوعده المضي قدما دون النظر الى الماضي، على الرغم من الإشكالية التي يطرحها ذلك، وخاصة من وجهة نظر المؤرخين، لكنه يبقى من واجبه التوجه الى الراي العام الاميركي بصراحة واعلامه بالاوضاع الحالية في العراق. وإلا فكيف يمكن للناخب الاميركي أن يتوقع من حكومته وضع السياسات المناسبة؟
كان من الضروري أن تعقد جلسات استماع موسعة في الكونغرس حول العراق للسماح بكشف “الخرافات” المروّج لها عن العراق قبل الغزو، ومدى الضرر والدمار الذي جلبته. لو حصل ذلك، لكان الأميركيون قد علموا بالزيادة الضخمة في معدلات الفقر بالمناطق المدنية وتوسع أحياء الصفيح. حقائق كهذه، من شأنها أن تساعد المواطنين الأميركيين على فهم تأثير الانسحاب الأميركي السريع، والمسؤولية الأخلاقية المترتبة على واشنطن في العراق.
(عن موقع “فورين بوليسي إن فوكِس”)
Leave a Reply