مريم شهاب
قلت لحفـيدتي ميّا «كل عام وأنت بخير»، بعد يومين يحّل العيد. ردت بنت العشر سنوات وقالت لي بالانكليزية: What’s the Eid؟
بالفعل ما هو العيد، أين العيد، ولماذا العيد، وهل للعيد مذاق خاص هذه الأيام؟
هل العيد فـي العراق، فـي اليمن، فـي سوريا، فـي لبنان. أم العيد هنا فـي المهجر؟ أطفال هناك يموتون جوعاً وتشرداً وغرقاً، وأطفالٌ هنا يعيشون فـي جو من الإسراف والتدليل والثياب والأحذية والألعاب.
حكيت لحفـيدتي عن جيلنا الذي كان محروماً من الفـيسبوك والواتساب والألعاب الألكترونية. ولكننا كنا نعيش طفولتنا ونمارسها بكل حرية. نخرج ونلعب أحياناً بعيداً عن بيوت أهالينا، حيث كان الدار والأمكنة فـي أمان.
صباح يوم العيد كنا نغادر البيت بعد صلاة الفجر ولا نعود إلّا بعد صلاة العصر. كنا نطوف على بيوت الأقارب والأصدقاء، سيراً على الأقدام، نجوب القرية من أقصاها إلى أقصاها. لم يكن فـيروس التحرش قد تفشى ووباء الإغتصاب قد انتشر، وكل كبير يمر بنا إما يكون عماً أو خالاً أو جاراً. حتى لو لم تكن تربطنا به صلة دم أو رحم.
فـي نظرة إلى حياتنا اليوم، لم تعد هناك قرى، وقلّما تجد طفلاً يمارس لعبة طفولية مثل أيام زمان.
المآكل كانت بسيطة لكنها لذيذة.
استغربت حفـيدتي عندما قلت لها أن اللحوم حتى عهد قريب كانت طعام الأثرياء بالحلال وبالحرام. ولم يكن عامة الناس يسفكون دم دجاجة إلّا للشديد القوي. مثل وصول ضيف عزيز وواجب تكريمه أو فـي مناسبات الزواج أو العيدين، الكبير والصغير. أما هنا فـي هذه البلاد، فاللحوم بما فيها لحوم الدجاج وفـيرة نتيجة توليدها فـي المزارع دون الاستعانة بثور أو ديك. ونحن الشرقيون القادمون من عائلات محافظة لا يليق بنا أكل لحوم متناسلة سفاحاً وتكنولوجيّاً.
لا طعم للعيد هنا فالثياب والأحذية والمآكل والحلوى وفـيرة طول السنة. والأعياد الإسلامية تمر باهتة لكثرة التشوهات التي خلخلت الترابط الاجتماعي.
سواء هنا أو هناك، يفتقد عيد هذه الأيام تلك الزيارات العفوية التي كانت دليل حب وصفاء نية.
اليوم، صار التعبير عن الود الصادق بحاجة إلى بروتوكولات ولوائح، والتهنئة بالعيد تتم بالتمنيات الالكترونية الباردة.
حكيت لحفـيدتي، كيف كان العرف فـي بيوت القرية. يوم كان الباب يترك مفتوحاً طوال النهار وحتى الساعات الأولى من الليل، وليس فـي أيام العيد فقط.
كان المهنئون بالعيد لا يطلبون إذنا بالدخول، فقط تسمع جاراً أو صديقاً يصيح: يا جماعة كل عام وأنتم بخير.
تعجبت حفـيدتي وصاحت بالانكليزية ماذا لو دخل لص؟ قلت لها: الزمن القديم، أيام طفولتنا كان بسيطاً وقنوعاً بما لديه، إلى أن أصبح التزاحم بديل التراحم والتقاتل بديل التكافل، وأصبح الكلب والقط بديلين لسادس وسابع جار.. لا بل حتى أول جار. تحوّل الأقارب إلى عقارب، والعلاقات الإجتماعية تخلخلت والعادات الجميلة تهلهلت، وكثر الحرامية والتماسيح الذي يستعبطون الناس بالتكبير والتشبيح متناسين ما ينتظرهم من زقوم.
Leave a Reply