فتحت زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى السعودية، بالتزامن مع تصاعد الحملة السعودية على «حزب الله»، الباب أمام تأويلاتٍ شتى ومتفاوتة في لبنان.
البعض افترض أن الحريري سيعود إلى بيروت بدور جديد يتمثل في أن يكون رأس حربة «ملكية» ضد الحزب، على قاعدة أن رئيس «تيار المستقبل» مضطر إلى مجاراة المملكة في استراتيجيتها الهجومية التي بلغت حد المطالبة بتطيير «حزب الله» من الحكومة واطلاق التهديدات بحقه كما فعل الوزير ثامر السبهان.
في المقابل، توقع البعض الآخر أن يكون الحريري قد نجح خلال زيارته إلى الرياض في تخفيف اندفاعتها وإقناعها بضرورة تفهم وضعه الذي لا يسمح له بضرب التسوية الداخلية، لأن معنى ذلك إسقاط الحكومة ومنعه من العودة إلى رئاستها، فيما هو يحتاج بشدة إلى هذا الحضور المتقدم في السلطة الذي بات آخر ما يملكه.
وهناك أيضا من رجح أن يكون الحريري قد تمكن من إيجاد معادلة وسطية، تسمح له بالتوفيق بين السقف السعودي المرتفع وبين ضرورة الاستمرار في ربط النزاع مع «حزب الله»، بحيث يبقى منخرطاً في التسوية، إنما على أساس تحسين موقعه فيها والكف عن الإفراط في تقديم التنازلات.
حماية الاستقرار لا تهديده
وفي انتظار أن يعكس سلوك الحريري في المرحلة المقبلة، حقيقة ما حصل معه في المملكة، أكدت أوساط بارزة في تيار المستقبل لـ«صدى الوطن» اندرجت في سياق حماية الاستقرار لا تهديده، مشددة على أن رئيس الحكومة لا يزال متمسكا بالتسوية الداخلية ومفاعيلها، ومؤكدة حرصه على تحصين الاستقرار.
وأبلغت مصادر قيادية في «8 آذار» صحيفة «صدى الوطن» أن المواقف التصعيدية الأخيرة للوزير السبهان لن تترك أي تأثير مباشر على التفاهم الداخلي المستمر منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وبالتالي فإن انعكاساتها العملية تعادل صفراً، لانه لا يوجد أمام الرئيس الحريري من خيار سوى الاستمرار في المهادنة والشراكة في السلطة مع خصومه.
وتعتبر المصادر أن صراخ السعوديين ناتج عن إخفاقاتهم المتلاحقة على امتداد ساحات المنطقة، خصوصاً في سوريا، مشيرة إلى أن الصوت المرتفع هو السلاح الوحيد الذي لا يزال بحوزتهم، لكنه لا يستطيع أن يغير شيئاً في المعادلات وموازين القوى على الأرض.
وتشير المصادر إلى أنه ليس بمقدور الحريري وحليفه السعودي الحصول على حكومة أفضل، إذا جرى الانقلاب على الواقع الراهن، معتبرة أن طبيعة التركيبة الحالية في الحكم هي أكثر ما يمكن للحريري والرياض أن يحصلا عليه، بل ربما هي أكثر مما يحق لهما، مقارنة مع التوازنات الحالية في لبنان والمنطقة، ربطاً بالتقدم الذي يحققه محور المقاومة على حساب المحور الآخر في ساحات الإقليم.
وتعتقد مصادر «8 آذار» انه لم يعد بمقدور الحريري الاستدارة السياسية بهذه البساطة، والعودة إلى الوراء لاسيما أنه قدم العديد من التنازلات المؤلمة بالنسبة اليه، منذ لحظة اضطراره مكرها إلى الموافقة على انتخاب عون للوصول إلى انتاج المعادلة الحالية في السلطة واستعادة حضوره فيها. ولذلك، فإن انقلابه على هذه المعادلة الآن سيعني أن كل الثمن الذي دفعه ذهب هدراً، وبالتالي سيكون قد خسر مرتين، وهذا بمثابة انتحار سياسي.
آدمي ومنفتح
وعلى الرغم من الاهتزازات التي تعرض لها تفاهم الحريري مع «التيار الوطني الحر» مؤخراً، إلا أن العارفين ببواطن الأمور يؤكدون أن شبكة المصالح التي تربط بين الطرفين أقوى من الخلافات التي تطرأ من حين إلى آخر، مهما بلغ ضجيجها الإعلامي الذي يكتسب في بعض الأوقات وظيفة تعبوية أو انتخابية.
في المقابل، لا يخفي وزير بارز في التيار البرتقالي، النية بعدم الذهاب بعيداً في إحراج الحريري سنياً، لأن مردود إراحته والتفاهم معه يبقى أكبر مما يرتبه التضييق عليه. ويشير هذا الوزير إلى أن الحريري يبقى الشريك الأفضل في الحكم، استناداً إلى واقعيته من جهة، وحيثيته التمثيلية في الطائفة السنية من جهة أخرى.
وتوضح شخصية أخرى من «8 آذار» أن العلاقة السياسية مع الحريري مريحة ومنتجة، لافتة الانتباه إلى أن الانطباع السائد حوله هو انه «آدمي» و«منفتح» على منطق التسويات واستخراج القواسم المشتركة.
ولكن.. هل سيستطيع الحريري الصمود طويلاً في مواجهة الضغوط التي يتعرض لها من الداخل والخارج؟ هذا ما ستُبينه الأيام المقبلة مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية التي طال انتظارها.
Leave a Reply