صبحي غندور
أقام «مركز الحوار العربي» فـي منطقة واشنطن، عدّة لقاءات خاصة مع عددٍ من المفكّرين العرب المتفاعلين معه، من أجل إعداد مجموعة مبادئ تكون بمثابة أرضية فكرية لمشروع نهضة عربية يتجاوز الأمور الآنيّة الشاغلة للعرب الآن – رغم خطورتها- ويطرح تصوّراً مبدئياً (مترابطاً فـي عناصره) لمستقبل أفضل منشود لعموم الأمَّة العربية.
وهذه «المبادئ» هي الخطوة الأولى التي من المؤمّل أن يستتبعها عقد مؤتمر عربي فكري عام فـي إحدى العواصم العربية من أجل الحوار والتوافق على مضمونها، ولوضع برامج عمل تنفـيذية تحقّق الغايات المرجوّة منها، ولتحديد أطر التفاعل والتنسيق الدائم بين الذين سيشاركون بالمؤتمر.
ومن المهمّ التنويه هنا بأنّ هذه «المبادئ»، قبل صياغتها النهائية، قد جرى التداول بمضمونها مع عدد محدود من الأشخاص، وهي لا تعبّر بالضرورة عن وجهات نظر كل المشتركين فـي «مركز الحوار العربي»، الذي يبقى، بحكم طبيعته، منتدىً لأفكار وآراء مختلفة.
مبادئ أساسية لمشروع نهضة عربية
تهدف هذه «المبادئ السبعة» إلى توليد قناعة لدى عموم العرب بأهميّة العمل التدريجي لقيام اتّحاد فـيدرالي بين الأوطان العربية، يحفظ وجودها ووحدتها واستقرارها، ويضمن نهوضها وتقدّمها. لكن الوصول إلى هذا الهدف المنشود يتطلّب أولاً تحقيق إصلاحٍ شامل فـي الوضع العربي من خلال تقويم بنية الحكم وأدائه ضمن الأوطان القائمة حالياً، وتطوير صيغ التكامل العربي على امتداد الأمّة العربية كلّها.
ولتحقيق هذا الإصلاح الشامل، يشخّص المشروع سبع مسائل يتطلّب الإصلاح توضّحاً حولها، حسماً لها، وتفعيلاً لسياقاتها فـي الخبرة العربية، وهي:
1. مسألة الهُويّة العربية
2. الإصلاح ومسألة العروبة والإسلام
3. المسألة الديمقراطية
4. مسألة حقوق المرأة
5. مسألة المنهج
6. مسألة نبذ العنف عربياً على الإطلاق.
7. القيم الخُلقية فـي الشأن العام.
أولاً- مسألة الهُوية العربية
يحدّد المشروع رؤيته لمسألة الهُوية العربية بالقناعات التالية:
– العرب أمَّة واحدة ينتمون لثقافة واحدة ولخبرة تأريخية حافلة مشتركة.
– العروبة ثقافة قومية يتمايز بها العربي بين سائر الثقافات ضمن العالم الإسلامي وخارجه. الانتماء للعروبة أعمُّ بالنسبة للعرب من الانتماء لإقليم أو طائفة أو مذهب أو أصول إثنية.
– الهويَّة العربية هويّة ثقافـية مؤلّفة جامعة تتمثّل فـي واقع حال كلِّ عربي أينما حلَّ وأيّاً كان دينه ونسبه. فـي هذا النسق الهويَّة العربية ترعى وتتكامل مع خصوصيات الموطن والدين والعرق، والشخص العربي هو المتشخّص بالثقافة العربية و/أو المتصّل بها كتراث.
– يعيش العرب فـي أقطار متعدّدة تُكوّن فـي مجموعها «الأمّة العربية». «الأمّة العربية» تشكّل تواصلاً جغرافـياً وحضارياً، وتكاملاً فـي الموارد والطاقات، وتقوم عناصر وحدتها على الاشتراك فـي اللغة والثقافة والتاريخ والأرض والمصير المشترك.
– تكامل الأقطار العربية من شأنه أن يزيل أخطر أسباب العجز فـي الحال العربي: الإرتكاس أمام العدوان الخارجي، التنازع حول الحدود، الإخفاق فـي الإصلاح والتنمية الداخلية.
– الوضع الأمثل للأمَّة العربية ينشأ باتّحاد فـيدرالي بين الدول العربية. تحقيق ذلك يتطلّب عملاً دائباً ونشطاً للإصلاح فـي الداخل، وسعياً لبناء التضامن الفعّال فـي مجال العلاقات بين الدول العربية.
ثانياً- الإصلاح ومسألة العروبة والإسلام
يحدّد المشروع رؤيته لمسألة العروبة والإسلام بالقناعات التالية:
– الحضارة الإسلامية يشترك فـي الانتماء لها كلّ العرب كيفما كان دينهم أو أصلهم العرقي. الحضارة الإسلامية هي الجامع المشترك للثقافات المتعدّدة فـي العالم الإسلامي. لكن للثقافة العربية خصوصية مركزية فـي الحضارة الإسلامية، كما اللغة العربية هي اللغة المركزية فـي الإسلام باعتبارها لسان قرآنه المجيد. فـي توحّد العرب دعمٌ للعالم الإسلامي، وفـي تآلف المسلمين دعمٌ للعرب.
– مبادئ الإسلام: العدل – المساواة – كرامة الإنسان – الشورى، هي أيضاً مبادئ عالمية إنسانية تتّصل بها، تُستمدّ منها، وتترتَّب عليها حقوق الإنسان ومستلزمات رعايته. تطبيق هذه المبادئ فـي الحياة المعاصرة لا يجب أن تحدّه اجتهادات أو ممارسات الأولين.
– اعتبارُ كل المبادئ والقيم الدينية معيناً مرشداً لمهمّة الإصلاح.
– الإسلام يرفض الإكراه فـي الدين ويعتبر الكرامة للإنسان من حيث هو إنسان.
ثالثاً- المسألة الديمقراطية
يحدّد المشروع رؤيته للمسألة الديمقراطية بالقناعات التالية:
– لكي يستعيد العربي نفسَه الحضاري، لكي يقتدر على البناء والإبداع، لكي يحيا حياةً حرَّة طيبة، يجب أن تصان حقوقه كإنسان وكمواطن فـي وطنه، يتمتع بحقوق «المواطنة» بغضّ النظر عن دينه أو نسبه أو حالته الاجتماعية.
– لا تصان حقوق العربي فـي وطنه فـي غياب نظام ديمقراطي حقيقي.
– يقوم المبدأ الديمقراطي جوهرياً على أسس ثلاثة: منشأ السلطة بالانتخاب، مساواة بين المواطنين، تقرير الشأن العام بأرجحية الرأي. إجرائياً، قد تتغاير التطبيقات الديمقراطية من بلد لآخر، لكن الأسس الثلاثة لا تُمَس.
– المبدأ الديمقراطي يرفض التمييز على أساس جنس أو لون أو أصل عرقي أو منشأ وطني أو انتماء طائفـي أو مذهبي.
– الممارسة الديمقراطية السياسية السليمة تستوجب تحقيق العدالة الاجتماعية وبناء مجتمع العدل وتكافؤ الفرص والتنمية الاقتصادية الشاملة.
رابعاً- مسألة حقوق المرأة:
يحدّد المشروع رؤيته لمسألة حقوق المرأة بالقناعات التالية:
– مبدأ المساواة بين الناس أصيل لا يُمس، ويعني التكافؤ بين الناس عموماً فـي حقوق الإنسان وحقوق المواطنة. نعم، قد يتغاير الاستعداد لدى الرجال والنساء فـي أداء بعض الأدوار فـي الحياة، لكن ذلك لا يجيز خرقاً للتساوي بين الجنسين فـي الحقوق ولا فـي أهلية تولّي مسؤوليات قيادية.
– فـي التنمية الوطنية للإناث حقّ متساوٍ مع الذكور فـي فرص التعلّم والعمل والمشاركة السياسة والمدنية فـي سائر شؤون المجتمع.
خامساً- مسألة المنهج
يحدّد المشروع رؤيته لمسألة المنهج بالقناعات التالية:
– العلم أهمّ مصادر القوّة للأمم، بنموِّه تنمو وبتخلِّفه تتخلَّف. الحال العربي يتطلّب مجهوداً ضخماً لرفع المستوى العلمي عبر الوطن العربي لأجل تمكين العرب من التنافس مع الأمم الأخرى بنجاح فـي عصر يشكّل العلم فـيه أهمّ أسباب النجاح.
– يترشَّد اجتهاد الأمّة العربية فـي تقرير شأنها العام بالمنهج العلمي، وباعتماد العقل كمرجعية له، إذ بغير المنهج العملي لا يتأتّى استنباط بمعرفة وبناء على بيِّنة واهتداء بالتجربة والاختبار، وهي أمور لازمة لسلامة التشريع والتنظيم.
سادساً- مسألة نبذ العنف عربياً على الإطلاق
يحدّد المشروع رؤيته لمسألة نبذ العنف بالقناعات التالية:
– لا يُلجأ إطلاقاً للعنف فـي حسم أيِّ خلاف أو اختلاف، مهما بلغ، بين أطراف عربية، سواء على صعيد صراعات سياسية أو طائفـية ضمن القطر الواحد، أو نزاعات بين أقطار، ففـي ذلك خرق لتضامن الأمَّة وهدر لكرامتها، وتمكين للأجنبي من أن يتدخَّل فـيفرَّق ويسود.
– يُعتبر البادئ بالعنف فـي أيِّ نزاع عربي-عربي معتدياً، ويُتعامل معه كمعتدٍ، مهما كانت مبررات حجّته فـي النزاع.
– يُعتبر البادئ بالعنف معتدياً أيضاً على الأمَّة العربية، لأنَّ اقتتالاً عربياً فـي أيِّما موقع عربي يزعزع الأمن القومي، يريق الدم العربي، ويستنزف طاقات الأمَّة ككل.
– لا يجوز للسلطات أن تستخدم العنف فـي غير القضايا الجنائية، واللجوء للعنف فـي غير ذلك – سواء من السلطات أو من قوى المجتمع- يمثّل إفلاساً فكرياً وسياسياً وأخلاقياً، وتنكّراً وإساءةً للعروبة وللديمقراطية وللقيم الدينية، ويفتح الطريق أمام الحروب الأهلية.
– استخدام المقاومة المسلحة ضدَّ الاحتلال العسكري، أياً كان، حقٌّ مشروع على الأراضي المحتلة فقط ويُمارس ضمن توافق وطني عليه.
سابعاً- القيم الخُلقية فـي الشأن العام:
يحدّد المشروع رؤيته لدور القيم الخُلقية بالشأن العام بالقناعات التالية:
تتقدّم الأمم والمجتمعات وتتطوّر حضارياً بمقدار ما يرتبط الشأن العام فـيها بضوابط أخلاقية تقوم على مجموعة من القيم التي تعدّ القيادات الصالحة لإدارة أمور الناس. ومن دون هذه القيم الأخلاقية لا يمكن صيانة العمل العام فـي أي موقع رسمي أو مدني من مزالق الفساد والاستغلال. فبناء الجيل العربي الجديد، والإنسان العربي عموماً، يتطلّب أولاً وأخيراً الالتزام بالضابط الخُلُقي فـي كل شأنٍ عام.
Leave a Reply