وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
على مدى سبع سنوات تجاهلت المملكة السعودية كل ما قيل ويُقال بشأن الخطيئة الكبرى التي تقترفها في حربها المستمرة على اليمن، حتى من قبل بعض حلفائها في الغرب الذين لازالوا يغضون الطرف عن انحدار سمعة الرياض التي وصلت إلى الحضيض، بفعل الانتهاكات الموصوفة التي تقترفها يومياً بحق الشعب اليمني، في محاولة حثيثة لتجويعه ودفعه إلى الاستسلام.
لكن ما لم يكن في حسبان ولي العهد السعودي، محمد ابن سلمان، هو أن الأمور ستنقلب رأساً على عقب، بصمود اليمنيين الذين استطاعوا قلب موازين المعركة لمصلحتهم، وانتقلوا من استراتيجية الدفاع إلى استراتيجية الهجوم، فأمسكوا بالميدان، حتى أنهم استطاعوا التوغل في عمق الأراضي السعودية، فضلاً عن تهديد كل أنحاء مملكة آل سعود بقيادة ولي العهد، صاحب «رؤية 2030» التي فشلت قبل ولادتها، كيف لا، وهي التي راهنت على حرب اليمن التي استنزفتها على مختلف الأصعدة.
وأمام الواقع الذي فرضه الصمود اليمني، استشعرت الرياض الخطر الذي بات يتهددها، فقررت إطلاق مبادرة لوقف الحرب، هلل لها الإعلام الغربي والعربي الدائر في فلكها، لكن اليمنيين رفضوها مع الإبقاء على باب التفاوض موارباً، معتبرين المبادرة السعودية مجرد فقاعة إعلامية لذرّ الرماد في العيون، وأنها منقوصة وغير جديرة بالنقاش، لأنها لم تتناول فك الحصار بنحو كامل وهو شرط أساسي تضعه صنعاء لبدء أي مفاوضات سلام.
ففي أول رد على المبادرة السعودية، قال كبير المفاوضين الحوثيين، محمد عبد السلام، في حديث لوكالة «رويترز»: إن هذه الخطة «لا تتضمن شيئاً جديداً»، وإن الرياض جزء من الحرب ويجب أن تنهي الحصار الجوي والبحري على اليمن فوراً، لكنه لم يقطع الطريق نهائياً بل قال إن المحادثات ستتواصل مع السعودية وسلطنة عمان والولايات المتحدة بغية التوصل إلى اتفاق سلام.
وكانت وكالة «رويترز» قد أشارت منذ أيام، إلى أن مسؤولين أميركيين كباراً عقدوا أول اجتماع مباشر مع عدد من المسؤولين في حركة «أنصار الله» بسلطنة عمان، وذلك في سياق مساعي إدارة بايدن الجديدة لإنهاء الحرب اليمنية.
وبالعودة إلى المبادرة السعودية، فقد أعلن وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان خلال مؤتمر صحافي عقده يوم الإثنين الفائت، إطلاق مبادرة تحت إشراف الأمم المتحدة تشمل إعادة فتح مطار صنعاء والسماح باستيراد الوقود والمواد الغذائية عبر ميناء الحديدة واستئناف المفاوضات السياسية بين الحكومة المدعومة من السعودية والحوثيين، وبدء مشاورات بين الأطراف اليمنيين بهدف التوصل إلى حل سياسي للأزمة وفقاً لمرجعيات قرار مجلس الأمن الدولي 2216 والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني اليمني، بحسب بن فرحان، الذي أشار إلى أن المبادرة ستنفذ فور موافقة كل الأطراف عليها، مشدداً في الوقت نفسه على حق بلاده في الدفاع عن أراضيها ضد الهجمات اليمنية.
عبد الملك الحوثي، زعيم حركة «أنصار الله» تحدث الخميس الماضي، لمناسبة «اليوم الوطني للصمود»، مؤكداً أن «الاستسلام ليس خياراً في مواجهة هذا العدوان الهمجي»، فوفقاً للحوثي، «الصمود هو خيار الشعب اليمني» قائلاً «نصيحتنا للتحالف هي وقف العدوان فست سنوات كفيلة لإثبات فشله. ونحن جاهزون للسلام المشرف».
وفيما يخص فلسطين وقضيتها، أكد الحوثي «التمسك بالمواقف الداعمة للقضية الفلسطينية»، رافضاً محاولات التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
وفي حديث تلفزيوني، قال رئيس الوفد الوطني اليمني المفاوض، محمد عبد السلام، إن المبادرة السعودية الأخيرة تأتي في ظل استمرار العدوان والحصار بإشراف أميركي بريطاني وإسرائيلي، مؤكداً أنها في شكلها وطريقة تقديمها غير منطقية.
ولفت إلى أن «ضابطاً بريطانياً يدير الحصار من غرفة مكوّنة من بريطانييين وأميركيين وسعوديين وإماراتيين، مؤكداً لقناة «الميادين» أنه «مع استمرار الحصار فإن كل الخيارات العسكرية مطروحة ومشروعة».
ورغم ذلك، تضمنت مبادرة الرياض، تنازلات مهمة ولافتة لم تكن لتقبل بها السعودية سابقاً مثل السماح بفتح مطار صنعاء جزئياً ورفع مشروط للحصار عن ميناء الحديدة، إضافة إلى فتح حساب مصرفي مشترك توضع فيه العوائد من الرسوم، ما يعني إمكانية استفادة حكومة صنعاء منه بطبيعة الحال، كل هذا ما كانت لتتم الموافقة عليه بل والمبادرة إلى طرحه لولا اختلال موازين الميدان لمصلحة «أنصار الله».
فاليوم، هناك معطيات كثيرة يمسك بها الحوثيون كأوراق ضغط يلوون بها ذراع الرياض، لاسيما على جبهة مأرب الغنية بمواردها من النفط والغاز، فضلاً عن موقعها الاستراتيجي، وقد بات سقوطها في أيدي «أنصار الله» وشيكاً، بحسب ما تفيد به الوقائع الميدانية.
وهذا ما يحاول ابن سلمان تفاديه كي لا تحسب عليه هزيمة عسكرية على أيدي اليمنيين.
كما أن الاستهداف الممنهج والمتتالي بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية للمدن السعودية الرئيسية وبعض المطارات فيها وصولاً إلى شل حركتها وإخراجها من الخدمة، كما حصل أكثر من مرة لمطار أبها ومنشآت شركة «أرامكو»، يعتبر ورقة ضغط لا تقل أهمية عن استعادة مأرب.
وإلى جانب ما سلف، تبرز الرغبة الأميركية في إيقاف هذه الحرب التي بدأت تتسبب بالإزعاج والتشويش على سمعة الولايات المتحدة كحليف استراتيجي للرياض. فرغم كل الترويج لخلاف هنا أو هناك بين البلدين، فمن المعلوم أن السعودية لا تتحرك باتجاه أي مبادرة أو تطرح أي خطة بمعزل عن حليفتها واشنطن، ما يؤشر بالضرورة على موافقة أميركية ضمنية.
وسط كل ذلك تستمر المعارك على أشدها في جبهات مأرب مع تسجيل تقدم كبير لـ«أنصار الله». كذلك تدور معارك طاحنة في تعز جنوب غرب البلاد خلال تصدي «أنصار الله» واللجان الشعبية لمحاولة تقدم قوات التحالف السعودي باتجاه جبهتي الشقب والفراوش.
وأفاد الإعلام الحربي اليمني بأن الحوثيين شنوا هجوماً واسعاً على مواقع الجيش السعودي في جبل رمدان في أبواب الحديد على جبهة عسير جنوبي المملكة. وأظهر بعض المشاهد لحظة اقتحام القوات اليمنية مواقع الجيش السعودي والسيطرة عليها بالكامل.
الوضع الإنساني
لا يخفى على أحد ثمن السلاح الذي تُراق به دماء اليمنيين على أرضهم أكبر بكثير مما يقدَّم لهم من مساعدات. فاليمن الذي يعيش أسوأ كارثة إنسانية في العصر الحديث، وفقاً للأمم المتحدة، الملايين من أبنائه شُردوا وعشرات الآلاف قُتلوا بآلة الحرب الخليجية والغربية، فيما الغالبية تعاني من المجاعة، وكل ذلك على مرأى ومسمع من العالم الغربي الذي يتشدق بحقوق الإنسان ويجرّد الحملات باتجاه مختلف أنحاء العالم بزعم الحفاظ عليها وإحلال الديمقراطية مكان «الأنظمة الديكتاتورية». فبحسب ينس لايركي هناك 400 ألف طفل يمني مهددون بالموت من جراء سوء التغذية إضافة إلى تأثر الخدمات الصحية والعلاجات الوقائية، ولا تمويل كافياً لتغطية هذه الحاجات الملحة، فيما تحدث تومسون فيري من برنامج الغذاء العالمي، عن أن البرنامج يحتاج إلى 1.9 مليار دولار على الأقل خلال العام الحالي لاستمرار توفير الحصص الغذائية الشهرية لملايين اليمنيين، وأن البرنامج اليوم بات يكتفي بتقديم الحد الأدنى من المساعدات بهدف نقص التمويل.
تحاول الرياض بين الفينة والأخرى، الهروب إلى الأمام، للإفلات من استحقاق الهزيمة التي باتت محققة بحكم وقائع الميدان، وذلك من خلال تقديم نفسها بصورة الوسيط النزيه الذي لا علاقة له بكل ما حدث ويحدث في اليمن، فتطرح المبادرات القديمة الجديدة، وفقاً لمصالحها، وبما يضمن لها الخروج من المستنقع اليمني الذي أغرقت نفسها فيه، بأقل الخسائر، متجاوزة البعد الإنساني في حرب شعواء شنتها ضد بلد عربي شقيق قضت من خلالها على كل مقومات الحياة فيه. ولذلك، فإنها مهما حاولت تلميع صورتها سيبقى عدوانها على الشعب اليمني وصمة عار على جبينها لن يمحوها مرور الزمن.
Leave a Reply