عُقدت الأسبوع الماضي مناظرتان جمعتا المرشحين لرئاسة بلدية ديترويت، بيني نابليون ومايك داغن، حيث وجه المرشحان انتقادات لاذعة لبعضهما في المناظرة الأولى التي بثت يوم الأحد الماضي، قبل أن يتراجعا عن «السياسة الهجومية» في المناظرة الثانية التي أقيمت برعاية نادي زديترويت الإقتصادي يوم الأربعاء الماضي في مركز «كوبو هول» بوسط المدينة.
نابليون داغن |
وقد شهد المتابعون للمناظرة الأولى تبادل اتهامات صريح بين المرشحَين عبر شاشة محطة «سي بي أس» المحلية التي بثت المناظرة مسجلة ظهر الأحد الماضي، حيث شرح نابليون وداغن خطتيهما لتحسين مناطق الجوار ومكافحة الجريمة في المدينة.
المناظرة كانت أشبه بمبارزة بين ندَّين لم يتوان أحدهما فيها عن تسديد اللكمات المتلاحقة للآخر، حيث انتقد نابليون منافسه واصفاً إياه بـ«حمّال السجاد» وهو مصطلح استخدمه سكان الولايات الجنوبية في القرن التاسع عشر، بعد انتهاء الحرب الأهلية، لوصف الأميركيين القادمين من الشمال باعتبارهم انتهازيين. وأراد نابليون من هذا الوصف الإشارة الى أن داغن الذي انتقل للعيش في مدينة ديترويت آتياً من ليفونيا، بهدف الفوز بمنصب رئيس البلدية، ليس لديه الدراية الكافية لإدارة شؤون المدينة وحل مشاكلها. أما داغن فقد وجه انقادات لنابليون اتهمه فيها بالفشل في بسط الأمن في المدنية من خلال موقعه كشريف لمقاطعة وين، مركزاً هجومه على افتقار نابليون للخبرة في المجال المالي وهو ما تحتاجه مدينة السيارات للعودة الى مسار الإزدهار.
وقال نابليون في آخر تعليق له في نهاية المناظرة الأولى والتي استمرت ساعة كاملة «كان دغان ينام في فراشه الوثير في ليفونيا، حين كنت اضع بزتي الواقية من الرصاص وأحمل مسدسي وأنزل الى شوارع المدينة لإلقاء القبض على القتلة ولصوص السيارات والمجرمين الذين يروّعون الأهالي» إبان عمله كقائد لشرطة ديترويت قبل توليه منصب شريف المقاطعة.
وكان داغن قد طرح وفي وقت مبكر من المناظرة السؤال على نابليون مرتين على الاقل: «إذا كانت لديك خطة لوقف العنف في ديترويت ماذا فعلت لجعل المدينة أكثر أمنا وأنت شريف مقاطعة وين على مدى السنوات الأربع الماضية؟
رد نابليون باعطاء داغن درسا في أساسيات البيروقراطية الوظيفية وشرح له مهمات مكتب الشريف التي تنحصر في حراسة السجون والمنتزهات والمحاكم. ثم عقد نابليون مقارنة بين عمله كضابط في المدينة ومن ثم كقائد لشرطتها إبان تولي دغان منصب الادعاء في مقاطعة وين قبل عقد من الزمان، مؤكداً أن «مكافحة الجريمة لا تتم من خلف المكاتب، وبالتالي فهو ليس مؤهلا ليقول لنا كيف يمكن أن يحارب الجريمة».
كما انتقد داغن دور نابليون في الاخفاق في بناء سجن جديد للمقاطعة في ديترويت، كبّد خزينة المقاطعة خسائر بقيمة 100 مليون دولار ذهبت هباء بعد قرار التوقف عن البناء.
وكان نابليون قد حل ثانياً في الإنتخابات التمهيدية التي أقيمت في آب (أغسطس) الماضي بعد داغن الذي ترشح من خارج قائمة الإقتراع وحصد أكثر من ٥٠ بالمئة من أصوات الناخبين في المدينة، معتمداً على تمويل انتخابي كبير من قبل رجال أعمال ومستثمرين بارزين في المدينة على رأسهم دان غيلبرت، إلا أن نابليون حصل في الأسابيع الماضية على دعم اكبر من النقابات ورجال الدين والمسؤولين المنتخبين، مما أسفر عن تقدمه في الاستطلاعات الأخيرة، وهو ما يجعل السباق على رئاسة بلدية ديترويت محتدماً الى أقصى الحدود.
في المناظرة الثانية، التي نظمها «نادي ديترويت الإقتصادي» يوم الأربعاء الماضي، تراجع المرشحان عن توجيه الإنتقادات المباشرة أمام حشد من رجال الأعمال الذين حضروا «المواجهة» في مركز «كوبو هول»، بل أبدى المرشحان تقارباً كبيراً في العديد من المسائل، في مقدمتها رفضهما تأجير منتزه جزيرة بيل آيل للولاية أو بيع مقتنايات متحف «دي آي أي» للفنون.
وقد وجهت مديرة النقاش، كارول كاين، سؤالاً الى داغن حول اتهام البعض له بالتنسيق مع حاكم الولاية ريك سنايدر لتعيين كيفن أور مديراً مالياً لديترويت ودفع المدينة الى إعلان إفلاسها. إلا أن داغن المعروف بنجاحه الكبير في انتشال «مركز ديترويت الطبي» من أزمة مالية خانقة إبان ترؤسه له، أكد أنه لم يتحدث مع سنايدر بهذا الشأن مطلقاً، مشيراً الى أنه قال للحاكم حين استشاره بهذا الموضوع قبل عامين إنه يرفض أن يتم تعيين مدير مالي للمدينة.
وبدوره نفى نابليون أي مسؤولية له في المشروع الفاشل لبناء سجن جديد للمقاطعة في ديترويت، ملقياً المسؤولية كاملة على إدارة المحافظ روبرت فيكانو.
وبانتظار المناظرة الثالثة والأخيرة والتي ستعقد في ٢٩ الجاري وتبث عبر شاشة «أي بي سي» المحلية (القناة السابعة)، يبدو أن السباق بين المرشحين بعيداً عن الحسم، فداغن الذي يتميز بتاريخ مالي وإداري يطرح خطة طموحة لتحسين مناطق الجوار في المدينة عبر تشديد الغرامات وملاحقة أصحاب العقارات المهملة، أما نابليون فيخوض السباق مستنداً على خلفيته الأمنية التي تعتبر ديترويت بأمسّ الحاجة اليها لمكافحة معدلات الجريمة المرتفعة عبر خطة «الميل المربع الواحد» التي سيسعى من خلالها نابوليون الى بسط الأمن في المدينة عبر تعزيز انتشار الدوريات في كل ميل مربع منها.
وفي تحليل للمناظرتين يرى المراقبون أن نابليون ركّز انتقاده لداغن على خلفية انتقاله للعيش في ديترويت مؤخراً، وهذه النقطة لم تسترع اهتمام الناخبين في الجولة التمهيدية. في المقابل ركز داغن خطته على تطوير مناطق الجوار من خلال استهداف المنازل المهجورة وقطع الاراضي الفضاء، وبانه ينوي تنفيذ برنامج لاستملاك العقارات المهملة وحث الناس على الاقامة في مناطق اكثر ازدهاراً وأمناً، وانه سوف يدعم اقامة شراكات بين كبار رجال الاعمال في المدينة واصحاب المشاريع لاقامة مشاريع صغيرة توفر الوظائف.
من جانبه طرح نابليون تفاصيل خطة «شرطي لكل ميل مربع» في مناطق ديترويت الـ139 كاشفاً أنه سيوفر 3,5 مليار دولار لإقامة مناطق نموذجية تضم مراكز للتسوق والترفيه مزودة بمراكز شرطة واطفاء وطوارئ طبية، من شأنها جذب الناس وإشاعة الأمن في مناطق متفرقة من المدينة. وقال نابليون إن اولوياته كرئيس للبلدية ستكون مكافحة الجريمة وانتشال ديترويت من عثرتها المالية وطرد مدير الطوارئ المالية كفين أور الذي قال عنه انه جاء ليعلن افلاس المدينة بعد تعيينه بأربعة شهور.
وتعهد داغن في وقت مبكر من ولايته بتخفيض عدد النازحين من ديترويت وإصلاح آلاف مصابيح الانارة في الشوارع وإزالة المنازل المهجورة وتقليل مدة استجابة الشرطة لنداءات الاستغاثة. كلا المرشحان عارض القانون الذي يسمح لحكام الولايات بتعيين مدراء طوارئ مالية، خاصة وان مثل هذه التعيينات تجري فقط في مدن معظم سكانها من الأميركيين الأفارقة. وقال داغن إن مدناً مثل إيكورس، بنتون هاربر، هايلاند بارك وهامترامك طالما وضعت تحت اشراف الولاية لكننا لم نشهد تحسنا ملموسا بسبب هذه الاجراءات.
انقسم المحللون السياسيون تجاه اداء المتنافسين في اول مناظرتين ضمن ثلاث مقررة قبل موعد الإنتخابات في الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وبانتظار المناظرة الثالثة التي ستبث على الهواء مباشرة عند الساعة السابعة من مساء الثلاثاء المقبل، يواصل المرشحان حصد الدعم من مراكز القوى الإنتخابية، وقد حصل نابليون مؤخراً على دعم اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي (أيباك) في الوقت الذي تبدو حظوظ شريف مقاطعة وين في ارتفاع مستمر، سيما بين الأفارقة الأميركيين الذين يشكلون الأغلبية الساحقة من سكان المدينة.
Leave a Reply