ثورة ٢٥ يناير” تحقق إنجازاً جديداً
القاهرة – لم يكن يوم الأربعاء الماضي عادياً في التاريخ العربي الحديث. الدكتاتور حسني مبارك خلف قفص الاتهام على سرير الموت.
القاعة هي نفسها التي وقف فيها الدكتاتور قبل “ثورة ٢٥ يناير” متشدقا بانجازات حكمه الذي استمر ٣٠ عاماً جعلت مصر التي كانت تقود العرب الى دويلة تعيش على الهبات وتحرس أمن إسرائيل وتحاصر أهل غزة.
لم يكن يوما عادياً، بلا شك، وهذا ما عكسته الصحف المصرية من مشاعر المصريين الذين لا يكادون يصدقون أنهم رأوا بأعينهم الرجل الذي حكمهم بيد من حديد وبلا منازع طوال ثلاثين عاما يحاكم بتهمة القتل.
واحتلت صور الرئيس المخلوع حسني مبارك وهو يرقد على سرير طبي متحرك مرتديا ملابس السجن البيضاء خلف قضبان القفص الصفحات الأولى للصحف المصرية بعد أن كان أي همس عن صحة مبارك من شأنه أن يقود أي صحفي إلى السجن.
وكان سقوط مبارك أسطورة لا يمكن حتى تخيلها قبل ثورة “25 يناير” وبدت صورة الحاكم المطلق على سرير داخل القفص كذلك أسطورية.
وعنونت صحيفة “المصري اليوم” المستقلة “الفرعون داخل القفص” في حين كتبت صحيفة الإهرام ويكلي الأسبوعية الناطقة بالإنكليزية “نهاية مبارك التي تفوق الخيال”. وقالت صحيفة “الأخبار” الحكومية “مبارك في القفص .. الآن نجحت الثورة”. أما صحيفة الدستور المستقلة فعنونت “ونجحت ثورة مصر”. وكان حكم على رئيس التحرير السابق لهذه الصحيفة إبراهيم عيسى بالسجن ستة أشهر في 2008 لنشره تكهنات بشأن صحة مبارك، وأصدر الرئيس السابق بعد ذلك عفوا عنه.
وتم نقل مبارك الأربعاء من مستشفى شرم الشيخ، حيث وضع قيد الحبس الاحتياطي منذ 19 نيسان (أبريل)، إلى القاهرة لحضور المحاكمة. ويواجه مبارك اتهامات بقتل المتظاهرين وهي جريمة إن ثبتت تصل عقوبتها إلى الإعدام.
وقال محاميه فريد الديب الشهر الماضي إن الرئيس المخلوع يعاني من سرطان في المعدة وهو ما نفاه المستشفى الذي يعالج فيه.
ويحاكم مع مبارك في القضية نفسها نجلاه علاء وجمال إضافة إلى وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي وستة من معاونيه.
كما يحاكم غيابيا حسين سالم رجل الأعمال المقرب جدا من مبارك، وكان فر بُعيد اندلاع الثورة إلى إسبانيا حيث تم حبسه احتياطيا منذ 17 حزيران (يونيو) الماضي للاشتباه في ارتكابه جرائم “غسيل أموال وفساد واحتيال”.
وعلى مدى الشهور الأخيرة، كانت هناك شكوك كثيرة في أن تتم محاكمة مبارك بالفعل وكان الاعتقاد السائد أنه سيحاكم في شرم الشيخ وربما لن يظهر أبدا داخل القفص.
الصور الدراماتيكية للرئيس السابق راقدا على سرير المرض التي بثها على الهواء التلفزيون المصري، أذهلت المصريين جميعا، وخلت الشوارع تقريبا من المارة طوال جلسة المحاكمة التي استغرقت أربع ساعات.
وكتبت صحيفة “المصري اليوم” في إحدى افتتاحياتها “صورة واحدة للرئيس المخلوع على سريره داخل القفص غيرت كل شيء، اطمأن الثوار أن المحاكمة حقيقية وليست تمثيلية”.
ولكن آخرين حذروا من أن الصورة القوية يجب ألا توقف حركة الاحتجاج التي تدفع إلى الإصلاح بعد سقوط مبارك.
وكتب إبراهيم عيسى في صحيفة “التحرير” التي صدرت بعد إطاحة مبارك واستمدت اسمها من ميدان التحرير الذي كان على مدى 18 يوما بؤرة الثورة على مبارك، “قد تم إسكات الشعب المصري كله بتلك الصورة التي رأيناها.. وهذا خطر حقيقي يجب التنبه له والتحذير منه”.
ووصف رسم كاريكاتيري للرسام الساخر كارلوس لاتوف المحاكمة باعتبارها تمثيلية.
وظهر مبارك في الرسم راقدا على سرير وأمامه كاميرات تلفزيونية بينما يجلس أمامه رجل بزي عسكري ويقول له “حسنا .. الآن العب دور الضحية”.
المحكمة
وقررت محكمة جنايات القاهرة التي نظرت في قضية المتهم حسني مبارك تأجيل نظر القضية إلى الخامس عشر من الشهر الجاري، وإيداع مبارك مستشفى في القاهرة واستمرار حبسه.
وقال المستشار أحمد رفعت بعد عودة المحكمة من المداولة إنه تقرر “إيداع المتهم الأول محمد حسني السيد مبارك مستشفى المركز الطبي العالمي بطريق القاهرة الإسماعيلية الصحراوي”.
وقررت المحكمة أيضا استمرار حبس علاء وجمال ابني مبارك على ذمة القضية وتأجيل نظر القضية إلى جلسة 15 آب الجاري.
وفصلت المحكمة القضية المتهم فيها مبارك وابنيه وصديقه المقرب رجل الأعمال حسين سالم عن القضية المتهم فيها وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي وستة من كبار ضباط الشرطة السابقين بتهم تتصل بقتل متظاهرين خلال الانتفاضة التي أسقطت مبارك في شباط الماضي.
وقتل ما يصل إلى 850 متظاهرا وأصيب أكثر من ستة آلاف آخرين خلال الانتفاضة التي استمرت 18 يوما.
ويحاكم مبارك بتهم تتصل بقتل المتظاهرين واستغلال النفوذ وإهدار المال العام بينما يحاكم ابناه وسالم بتهم تتصل باستغلال النفوذ والرشوة.
وواصلت المحكمة الخميس الماضي النظر في قضية المتهم العادلي والضباط الستة.
وكان محامي مبارك طلب الاستماع إلى ألف و631 شاهدا أحدهم المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون البلاد منذ إسقاط مبارك.
من جهته طالب الدفاع عن أسر الشهداء باستدعاء المشير طنطاوي ونائبه رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة الفريق سامي عنان، وعمر سليمان نائب رئيس الجمهورية السابق، وعبد اللطيف المناوي رئيس قطاع الأخبار ورئيس القناة الأولى بالتلفزيون المصري سابقاً لسماع شهادتهم بالقضية.
وطالب المدعون بالحق المدني بأقصى عقوبة للمتهمين لاستخدامهم العنف ضد متظاهرين سلميين، وبضم جميع قضايا قتل وإصابة المتظاهرين بجميع أنحاء الجمهورية إلى نفس دائرة المحاكمة.
كما طالبوا بنقل مبارك إلى مستشفى سجن طرة متهمين إياه بالاشتراك مع العادلي بارتكاب جرائم قتل المتظاهرين عمداً مع سبق الإصرار وعقد العزم وتبييت النية لفعل ذلك.
إنكار التهم
وكان مبارك أنكر الاتهامات المنسوبة إليه في بداية محاكمته بتهم تتصل بقتل المتظاهرين عمدا واستغلال النفوذ وإهدار المال العام. وتحدث مبارك الذي ظهر في قفص الاتهام ممددا على سرير طبي متحرك قائلا بعد أن ووجه بالاتهامات “كل هذه الاتهامات أنا أنكرها كاملة”.
كما أنكر علاء وجمال ابنا مبارك الاتهامات الموجهة إليهما باستغلال النفوذ متمثلا في الحصول على منازل فاخرة في منتجع شرم الشيخ على البحر الاحمر من المتهم الذي يحاكم غيابيا رجل الأعمال حسين سالم الذي كان صديقا مقربا من مبارك.
وسالم محتجز في إسبانيا منذ أسابيع بتهمة غسل أموال هناك ويحاكم في مصر غيابيا.
وقبل انطلاق المحكمة اشتبك نحو مائتي متظاهر بين مؤيد ومعارض ما دفع قوات الشرطة التي انتشرت بكثافة في محيط مبنى المحاكمة الى تفريقهم
Leave a Reply