خليل إسماعيل رمَّال
يُقال أنَّ أحد أسباب ولع الناخبين الجمهوريين بالمرشح الفائز عن حزبه دونالد ترامب هي لأنهم ملُّوا من السياسيين التقليديين الذين يحكمون فـي واشنطن ومن الجمود السياسي الذي خلفه الحزبان الحاكمان وراءهما. أما رجل الاعمال الآتي من عالم العقارات فانه يلقي الكلام على عواهنه من دون تفكير ومن دون كتَبَة خطابات وبهرجة اختصاصيين فـي التسويق والعلاقات العامة ويفكِّر كالإنسان الأميركي العادي. الشعب الأميركي الضجر يكاد يختار رئيساً من الهواة وحوتاً من حيتان المال يعرف عن السياسة كما يعرف عنها دونالد داك، لكنه أطاح برؤوس كبيرة مثل إبن بوش وذلك نكايةً من الناخبين بالذين حكموه سابقاً رغم الإنجازات الكبيرة التي قدموها لشعبهم. لكن كيف إذا خبر هذا الشعب وحوش السياسة والمال والإقطاع فـي العالم العربي عامةً وفـي لبنان خاصةً؟!
المقارنة هنا مزرية فعلى الأقل فـي أميركا نظام ومؤسسات تحكم ومحاكم وتشريعات وهيئات رقابية، أما فـي بلد خيال الصحرا فحدِّث ولا حرج، هذا الأسبوع فاز لبنان بالمرتبة الأولى فـي الفساد بين دول العالم العربي حسب منظمة الشفافـية العالمية التي استثنت دول مجلس التعاون الخليجي «ربَّما لأننا نعدد الدول الفعلية هنا لا المشيخات النفطية والغازية المملوكة للعائلات ولا ممالك الإستخراء!».
لبنان «الأول ع الأل بي سي» بالفساد وفـي صنع أكبر صحن تبولة! هذه بعض إنجازات بلد الفساد والإفساد الذي يعيش على حافة الهاوية والحروب وعلى فتات وفضلات الدول الأخرى. لاحظوا كيف يعوم النَّاس على شبر ماء، فـيتدافعون اليوم للقيام بانتخابات بلدية واختيارية وينشغلون ويترشحون للمجالس البلدية «مثل ما الله معطيهم» وكأن كل شيء تمام حيث لا خطر داعشي وهابي على البلد ولا أرواح ثمينة تُبذَل عند الثغور دفاعاً عنه بينما يتنعم وحوش السياسة الضارية فـي ريش نعام قصورهم، أو كأن الديمقراطية فـي لبنان لن تنتظر أكثر من ذلك وهي تتجلى بأبهى مظاهرها من خلال الفراغ فـي الرئاسة والحكومة المشلولة التي لا قيمة لها والبرلمان المعطَّل والنواب الممدِّدين لأنفسهم رغماً عن إرادة الشعب!
حتى شاطيء الرملة البيضاء المتنفس الأخير للشعب المدجَّن، كاد يصادره آل الحريري بثمنٍ بخس هو ١٢٠ مليون دولار، وقد أحسن غازي زعيتر باللجوء إلى القضاء لإعادة الشاطيء إلى الملك العام، وهذه سابقة فـي تاريخ لبنان وأول مرة يكسر فـيها وزير نفوذ الحريرية السياسية وقد تنزل فـي ميزان حسنات زعيتر! لكن كما يقول المثل العامي «لا تشد إيدك»، فمن هو هذا القضاء، وبيد من؟ كما لنا فـي القضاة الذين رضخوا بالحكم عَلى ميشال سماحة أسوةً سيئة!!
لبنان حتى فـي فساده عجيب. خذوا مثلاً كاتب العدل الذي «يذبح بظفره» وأهميته تفوق أهمية رئيس الجمهورية. كاتب العدل فـي لبنان يا طيب لديه مكتب أفخم من مكتب شركة محاماة بأمها وأبيها ولديه موظفون سماسرة لصوص مثل حضرة جنابه يستلمون الزبون الذي يقع بين أيديهم كما تقع الفريسة بيد الصياد، وكأن الأمانة والاستقامة ضاربةً أطنابها فـي المعاملات الورقية فـي لبنان. الآن عرفنا لماذا يقوم الشخص بالمستحيل ليصبح كاتب عدل فـي لبنان بعد أنْ يتخرج من كلية الحقوق حيث يقبل أيادي كل السياسيين ويركع لهم لكي يُعيَّنوه! لكن فـي أميركا الدولة العظمى، حتى مجنَّس مجهول لا تِعرف «قرعة أبيه من وين» يصبح كاتب عدل فـي غضون شهر ولا يجني من هذا التعيين إلا شرف الخدمة العامة!
الظاهرة العجيبة الثانية هي المعاملات الحكومية وهنا المصيبة الكبرى. روى لي صديق جاء من لبنان مؤخراً وكادت عروق رقبته تنفجر من الغضب، أنه أراد أنْ يضيف فقط إسم إبنه على عقار يملكه، فماذا كانت الكلفة؟ ٢٣ ألف دولار نقداً وعداً فقط وتتضمن عمولات السارقين والحرامية واللصوص من الموظفـين وأسيادهم. فـي أميركا ربَّما يتكلف على تسجيل العقار نفسه بضع مئات من الدولارات!
الظاهرة الثالثة التي استعصت على عقول أقطاب العقارات والمال والاقتصاد فـي العالم هي استمرار الإرتفاع الفاحش لأسعار الشقق فـي لبنان رغم انخفاض الطلب عليها وانهيار قيم العقارات فـي أميركا والعالم، لكن مع هذا تستمر عملية البناء على قدم وساق حتى من دون مشترين لأنه فـي عام ٢٠١٥ بلغ متوسط سعر الشقة فـي بيروت ٩٠٠ ألف دولار، فـيما بلغ متوسط دخل الفرد سنوياً نحو ١٠ آلاف دولار. هذا غيض من فـيض عدا عن فضائح النفايات والإيجارات والرواتب والنفط المدفون والانترنيت المسروق!
لبنان الأول بالفساد، هل كانت هذه مفاجأة لأحد؟
Leave a Reply