علي حرب – «صدى الوطن»
أعدّ مراسل قناة «فوكس نيوز» الأميركية جيسي ووترز تقريراً تلفزيونياً لبرنامج «أورايلي فاكتور» حول مدينة ديربورن واصفا إياها «بالعاصمة العربية فـي أميركا الشمالية» ومكرسا الصورة النمطية التي يروج لها بعض اليمينيين والمتعصبين ضد العرب والمسلمين بكونها المدينة التي تحكمها «الشريعة الإسلامية».
وأثار التقرير الذي بثه أورايلي ليلة الاثنين الماضي تحت «عالم ووترز»، قلقا وتساؤلات لدى سكان المدينة ومسؤوليها حول النوايا غير الطيبة للقناة التلفزيونية ومذيعها الشهير بيل أورايلي الذي وصف المدينة ذات مرة بأنها «وكر للإرهابيين المسلمين».
كما أن التقرير الذي يمكن إدراجه فـي سياق «البروباغندا» الفاضحة التي تستهدف مدينة ديربورن منذ عدة سنوات، مُعَدّ بذهنية استعدائية توظف رسائل جانبية ومباشرة لإثارة الرأي العام الأميركي وتحفـيز شرائح واسعة من الأميركيين ضد الوجود العربي والإسلامي فـي الولايات المتحدة.
وفـي ردود الفعل الأولية على صفحة «أورايلي فاكتور» على موقع «فـيسبوك»، عبّر الكثير من المعلقين ومتابعي الصفحة بعبارات تنضح بالكراهية والعنصرية، لدرجة أن بعضهم طالب بقصف المدينة بالقنابل والتخلص من سكانها..
مراسل قناة «فوكس نيوز» الأميركية جيسي ووترز. |
حبكة التقرير
بنى ووترز تقريره بطريقة مخاتلة لا تخلو من الخبث والخداع لتمرير مقولاته السامة فـي دسم التظارف والمرح، إذ أن التقرير يبدو، من حيث الشكل، مسليا ومضحكا ولا تنقص معدّه روح الدعابة، لكن الادعاءات والأكاذيب التي شكلت الرسالة الأساسية للتقرير المصور، تكشف عن نوايا مبيتة ومقصودة فـي تشويه صورة المدينة التي يشكل فـيها العرب نصف عدد السكان.
فـي بداية جولته، سأل ووترز أميركياً أبيض عن رأيه بالمسلمين فـي ديربورن، فكان الجواب «إنهم سيئون.. إنهم غير ودودين.. ولا يتحدثون اليك»، ليبدأ بعد ذلك ووترز مقابلاته فـي الشارع مع السكان العرب، موجهاً لهم اسئلة استفزازية (ومهينة أحياناً)، من قبيل: هل تحن إلى الصحراء؟ هل تعرف اتجاه مكة؟ هل تريدون حكم الشريعة هنا فـي أميركا؟ لماذا يكره المسلمون أميركا؟ هل تحب (وتحتفل) بأعياد الميلاد؟
حتى إنه قال -ممازحاً- لأحد الرجال العرب فـي منطقة «ديكس»، لما عرف أنه من اليمن، «يجب أن تحترس من الطائرات بدون طيار».
وتضمن التقرير ومدته أقل من أربع دقائق، رأي أميركي آخر، قال لووترز إنه سمع عن «حادثة رجم امرأة فـي ديربورن» وقعت فـي السنة الماضية، إضافة إلى ارتكاب جريمة شرف بحق أحد الفتيات لمجرد أنها اشترت «واقياً ذكرياً».
ويبدو أن المراسل غير معني باستقصاء الحقائق، ومن الواضح أنه لم يبذل أي جهد فـي هذا الإطار، بل يمكن القول بلا مجازفة إنه كان يصب جهوده فـي الاتجاه الآخر، فـي اتجاه تعكير الصورة وتشويهها وتأليب الأميركيين على «النسخة العربية فـي مدينة ديربورن».
وإلى جانب، أسئلة ووترز عن الإرهاب والـ«أف بي آي»، والتحويلات المالية المشبوهة، يدعي معد التقرير أن المسلمين يسيطرون على المجلس البلدي وقيادة الشرطة فـي المدينة، وفـي ذلك مجافاة للحقيقة التي كان يمكن للمراسل أن يعرفها بسهولة لو أراد ذلك، فالحقيقة أن عضوين فقط من أعضاء المجلس البلدي السبعة هم من المسلمين، فـيما يرأس شرطة مدينة ديربورن رونالد حداد، وهو عربي مسيحي.
ردود أفعال
وعبر رئيس بلدية ديربورن جاك أورايلي عن قلقه الشديد جراء بث التقرير فـي برنامج «أورايلي فاكتور» الذي يحظى بنسب مشاهدة عالية فـي الولايات المتحدة، وقال «هنالك الكثير من الأميركيين سوف يشاهدون هذا التقرير، وسوف يصدقون فعلا أن ديربورن تحكمها الشريعة الإسلامية، وأن جرائم شرف ترتكب فـي المدينة».
ووصف التقرير بأنه معد بعناية لتكريس الصورة السلبية حول مدينة ديربورن.
وأضاف «جاء فـي التقرير أن أغلبية أعضاء المجلس البلدي هم من المسلمين، وأن رئيس شرطة ديربورن مسلم، وهذا غير صحيح، طبعا، فعضوان فقط من أعضاء المجلس السبعة هما مسلمان وكلاهما محاميان. وكونهما محاميين فهذا يعني أنهما أقسما على الالتزام بمبادئ الدستور الأميركي، وبالتالي لا يمكن لهما أن يدعما الشريعة الإسلامية».
وتابع بالقول: «إن الاستمرار بنشر الصورة السلبية عن ديربورن يغذي النزعات الاستغلالية لدى بعض المجموعات التي تقوم بجمع التبرعات بزعم الدفاع عن البلاد من خطر الإسلام».
كما أبرق رسالة إلى الإعلامي بيل أورايلي انتقد فـيها نقص مصداقية التقرير وتضمنه لبعض الادعاءات والمقولات الخاطئة، وجاء فـي الرسالة: «فـي الوقت الذي نتشارك فـيه الإسم (كلاهما يحمل إسم أورايلي) والتراث، فإنني أجد نفسي ملتزما بالرد على التقرير الذي يزور الحقائق».
وتابع بالقول: «إنني أفهم أن المقصود هو إعداد تقرير مسل، لكن نشر وقائع كاذبة ومزيفة هو أمر غير نزيه، وسوف يكون له الكثير من العواقب الوخيمة».
من ناحيته، قال رئيس شرطة ديربورن رونالد حداد لـ«صدى الوطن»: «إن وصفـي بالمسلم أمر لا يزعجني، بل يجعلني فخوراً، ففـي مجال الخدمات العامة، لا يهم ما هو دين الأشخاص». وقالت رئيسة المجلس البلدي سوزان دباجة إنها تتلقى باستمرار رسائل الكترونية تسألها فـيما إذا كانت الشريعة الإسلامية مطبقة فـي مدينة ديروبرن، وأضافت أنها تقوم بالرد على تلك الرسائل عبر التأكيد على «أن الدستور الأميركي ودستور الولاية هو الذي يحكم المدينة».
دباجة، وهي أول مسلمة ترأس مجلس بلدية المدينة، أكدت أن عقيدتها الدينية لا تؤثر فـي أي حال من الأحوال على خدماتها ووظيفتها بالمجلس البلدي، وقالت «لقد تم انتخابي لرئاسة المجلس لتطبيق قوانين البلاد، وليس أية قوانين أخرى».
ومن جانبه، أدان «مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية» فـي ديترويت (كير) التقرير، وقال المدير التنفـيذي داود وليد: «مرة أخرى، وبدلا من الاحتفال بالتنوع العرقي والثقافـي فـي بلادنا، ها هي قناة «فوكس نيوز» تعمق الصور النمطية السلبية عن العرب والمسلمين فـي أميركا».
Leave a Reply