«لدينا مايكفي من الدين لنكره، لكن ليس لدينا مايكفي منه لنحب بعضنا بعضاً» (جوناثان سويفت)
ما رأيك عزيزي القارئ بهذه المقولة؟؟ هل هي صحيحة وتنطبق على كل ما يحدث ويجري في بلاد الشرق من مشكلات حقيقية ومفزعة التي يشلها التعصب الإسلامي التكفيري بكل ما يقترفه من جرائم شنيعة، وما ينتجه من تعقيدات إجتماعية وسياسية في بلادٍ تجد المسلمين فيها عاجزين عن تطبيق مبادئ دينهم القائم على ركائز العدل والرحمة والتسامح والإخاء بين الناس، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وعاجزين أيضاً عن إيقاف المذابح الجماعية بين طوائف المسلمين المتناحرة وغير قادرين على بث الطمأنينة في قلوب الأقليات غير المسلمة الذين يعيشون بين المسلمين، فما أكثر المتدينين وما أقل الدين.
شخصياً، لقد ولدت وترعرعت في بلد يحتضن أناساً من ثماني عشرة فئة دينية مختلفة تتشارك فضاء جغرافياً وسياسياً وإجتماعياً مصغَّراً. وفي بلدتي الجنوبية، تعلمت، منذ نعومة أظفاري، ألا أفاخر بمعتقداتي الدينية كما لو أنها الحقيقة المطلقة التي ينبغي أن تُطبّق على الجميع. وعرفت الناس فيها مؤمنين حقاً بغير تعصب، ذوي قلوبٍ عامرة بإيمان صادق عفوي. لم يكونوا بحاجة إلى صحف ونشرات ومكبرات صوت وأحزاب وجماعات وبنادق، أو إلى برامج دينية تبثها فضائيات الفحش الديني ترّوج للمعتقدات الغريبة العجيبة الكرنفالية.
كان صوت مؤذن المسجد، رخيم حنون، يشد السامعين إلى الله برقة ولطف، وبنبرة تدعو إلى حسن الإصغاء وتبعث على الطمأنينة لتقود بانسيابية نحو إقامة الصلاة.
وقتذاك، أي قبل مُضيّ أكثر من خمسين سنة، كان الكثير من الشباب علمانيين أو شيوعيين، لكن ذكر الله لم يغب عن البيوت وعن بيتنا أيضاً. فقد كان والدي مسلماً وكذلك والدتي. مثل الكثيرين، عاشا مسلمين وماتا مسلمين من دون أن يكون في قلبيهما شيء من حسدٍ أو ضغينة على أحد. لم يتذمرا يوماً من أصواتنا العالية ونبراتنا المشاكسة على رغم ما كان يشوبها من نزق الصبا والشباب، بالعكس، كان والدي يأخذ أفكارنا برحابة صدر ويتقبل خيالنا المتمرد بقلبٍ عطوف، لأنه كان مؤمناً متسامحاً، مثل كل الناس البسطاء، الذين يقضون عمرهم مع الله وفي طاعته قبل أن يداهمهم الأجل لينتقلوا إلى جواره.
هكذا عاش أهلي والعديد من أقربائي وجيراني وغيرهم من الذين طوتهم الأيام، دون أن تُطوى الذكريات الجميلة عنهم. كانوا من جيلٍ غير متعلم متدين بدين الفطرة، عكس متديني هذه الأيام على الفضائيات أو المناشير والكتب الظلامية، وكانوا يتقنون من الغزل والفكاهة والدعاية الكثير وترديد الجعيديات (شعر عامي رائع وموزون) وكان غضبهم ملطفاً بنبرة عفوية، دون سخط أو حقد دفين، وإذا حان وقت الصلاة، كانوا أول الداخلين إلى المسجد لتأدية الصلاة بكل خشوع ومحبة لله، صلاة الفطرة الصحيحة كنمط للحياة وغذاء روحي سام من دون بروتوكولات أو فتاوى من هذا الشيخ أو ذاك عن كيفية الركوع والسجود.
هكذا كان الإيمان وهكذا يجب أن يكون.. «رزق» الله على تلك الأيام فلا أظنها سوف تعود.
Leave a Reply