ديربورن
جذب نشاط مجموعة تطوعية في ديربورن خلال شهر رمضان المبارك، اهتماماً إعلامياً واسعاً بعد نشر وكالة «أسوشيتد برس» لتقرير عن المنظمة الشبابية التي تتولى جمع الطعام الفائض عن موائد الإفطار التي تعدها الأسر العربية وتوزّعه ليلياً على المشردين في مدينة ديترويت المجاورة.
وبحسب التقرير، يعود إنشاء منظمة «الأيادي المساعدة» أو «هيلبينغ هاندززز» Helping Handzzz إلى عام 2017، بمبادرة من شابة لبنانية الأصل كانت لاتزال طالبة في إحدى المدارس الثانوية بمدينة ديربورن الملقبة بعاصمة العرب الأميركيين.
فبعد تناول وجبة إفطار عائلية خلال رمضان 2017، لاحظت نادين داود رفوف ثلاجة جدتها مكتظة بأوانٍ وصوانٍ مليئة ببقايا الطعام، وأدركت أن هذه الكمية الكبيرة من المأكولات الشهية غالباً ما تجد طريقها إلى سلة المهملات وتذهب هدراً.
تلك الملاحظة، ألهمت نادين لإنشاء المجموعة بمساعدة أصدقائها الذي يواظبون– منذ ذلك الحين– على التطوع مع آخرين لعمل الخير وتقديم العطاء خلال الشهر الفضيل، عبر جمع الطعام المتبقي من مآدب الإفطار في منطقة ديربورن وديربورن هايتس، حيث تتركز الجالية العربية، ثم توضيبه في وجبات صحية وآمنة قبل توزيعه على المشردين في مدينة ديترويت والمناطق المجاورة.
وقالت نادين البالغة من العمر 22 عاماً حالياً: «جلسنا حينها في قبو منزلي نفكر: لن نرمي كل هذا الطعام… إنه رمضان، وهذه هي غاية الصيام، وهو وقت العطاء».
وأردفت نادين لوكالة «أسوشيتد برس» أن «العائلات تحضّر الكثير من الأطباق وتضعها على مائدة الإفطار. وفي نهاية الليلة يتبقى الكثير منها الذي يتم حفظه في الثلاجة ليصار إلى نسيانه في اليوم التالي». وتابعت بأنها قررت بدلاً من ذلك، أن تطلب من أصدقائها مساعدتها في أخذه وإعادة تغليفه وتقديمه للمحتاجين، قائلة لهم: «دعونا نساعدهم ونقدم لهم هذا الطعام مع مشروب وحلوى لذيذة».
فلجأت نادين آنذاك إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وسرعان ما لقي منشورها تجاوباً واسعاً من أبناء المجتمع المحلي، موضحة أن الكثيرين تواصلوا معها قائلين: «لدينا طعام أيضاً، تعالوا واستلموه».
وهذا العام، تعمل المجموعة الخيرية التي تُدار عبر وسائل التواصل الاجتماعي بكامل طاقتها، حيث يمكن لأي شخص في ديربورن وديربورن هايتس، لديه طعام سليم، مراسلة المنظمة عبر حسابها على إنستغرام @TheHelpingHandzzz مع تزويدها بعنوان يُعطى لأحد السائقين الستة العاملين لدى المجموعة، لإحضار الطعام إلى «المجمع الإسلامي الثقافي» في ديربورن، حيث يتم فحصه للتأكد من سلامته قبل توضيبه وتوزيعه على المحتاجين والمشردين. كما تخصص «هيلبينغ هاندززز» صندوقاً لجمع التبرعات العينية في المجمع الكائن على العنوان 6345 شارع شايفر، حيث تقدم وجبات طعام مجانية للفقراء أيضاً، ومعظمهم من اللاجئين.
كذلك، يتولى أعضاء المنظمة بأنفسهم توزيع وجبات الطعام على المشردين في أحياء ديترويت، أو يتبرعون به إلى «بعثة إنقاذ ديترويت» التي تقدم خدمات متنوعة لمراكز إيواء المشردين في المدينة.
نادين، التي تواصل تعليمها الجامعي في اختصاص الصيدلة، قالت لوكالة الأنباء الأميركية إن جهود المجموعة تهدف في المقام الأول إلى عكس تعاليم الدين الإسلامي التي تدعو إلى احترام وتقدير الموارد مثل الغذاء، وتتوافق مع روحية شهر رمضان التي تتضمن «الانضباط الذاتي والتعاطف مع الغير ممن هم أقل حظاً».
وحول تسمية المنظمة، أشارت نادين إلى أنها اختارت كتابة Helping Handzzz بثلاثة أحرف z عمداً، للإشارة إلى أن معظم نشاط المجموعة يتم ليلاً بعد الإفطار، وقالت «نحن نعمل بينما الناس نائمون ولا ننتهي إلا بعد الواحدة صباحاً».
نشاط مستمر
وفي إحدى ليالي رمضان الحالي، استمتع عضوا مجلس إدارة Helping Handzzz حسين سرعيني وداود وهبي وأربعة أشخاص آخرين، بوجبة إفطار أعدتها والدة سرعيني.
وبعد الانتهاء من تناول الطعام، ركب داود شاحنة حسين، وجالا على عدة منازل في المنطقة لجمع أطباق الطعام الزائدة عن حاجة الأسر. ومن هناك، توجهوا إلى موقف سيارات المجمع الإسلامي، حيث قامت نادين وآخرون بتجهيز الطعام وتغليفه، بمن فيهم رئيسة المنظمة الحالية سارة عسيلي (22 عاماً).
وبعد ذلك، قامت قافلة من مركبات المنظمة بزيارة عدة أماكن في ديترويت، حيث يتواجد عادة المحتاجون أو المشردون.
ووثقت «أسوشيتد برس» اقتراب مريم هاشم –عضو مجلس إدارة Helping Handzzz– من رجل مشرد ملفوف ببطانية ومستلق على الرصيف في ديترويت، قائلة: «مرحباً، لدينا وجبة لك»، وأضافت وهي تضعها بجواره: «سنضعها هنا، حسناً؟»، فرد عليها الرجل قائلاً: «حسناً». وأضاف متطوعون آخرون المياه المعبأة في زجاجات وحلوى إلى جانب علبة الطعام التي حصل عليها الرجل.
وقالت مريم (20 عاماً) وهي طالبة في جامعة «وين ستايت» إن تطوعها في عمل الخير يشعرها بالتواضع، مؤكدة اندهاشها من «رؤية مدى امتنان المشردين للأشياء الصغيرة التي يطلبونها منا ونقدمها لهم كبطانية أو دفتر أو كتاب».
ويواظب فريق Helping Handzzz على نفس العملية في 6 ليالٍ أسبوعياً خلال شهر رمضان الفضيل، مع إجازة أيام الأحد.
وللإشارة إلى حرص أفراد المجموعة على تأدية عمل الخير رغم مشاغلهم العديدة، أفادت «أسوشيتد برس» بأن داود، هو مهندس تصميم في شركة «تويوتا»، كما أنه يهدم الحمامات والمطابخ ويعيد بناءها ضمن مشروعه التجاري لتجديد المساكن.
وقال المهندس المقيم في ديربورن، البالغ من العمر 25 عاماً، إنه يسعد بالبقاء خارج المنزل حتى الساعة التاسعة أو العاشرة ليلاً كل يوم لنشر «الخير في العالم». وأضاف: «إن الأمر كله يدور حول تقدير قيمة ما لديك».
وأضاف أنه ليس من قبيل المصادفة أن يقوم هو وأصدقاؤه بجهودهم السنوية خلال شهر رمضان. وأضاف: «في هذا الشهر الكريم الأمر لا يقتصر على الصوم عن الطعام والشراب فحسب، بل يتعلق بنمو وتطوير الذات، والترابط بيننا كمجتمع، وتعاوننا مع بعضنا البعض».
وختمت نادين بالقول: «نشتهر بتبرعاتنا الغذائية خلال رمضان، لكننا وسّعنا جهودنا لتوفير كل ما قد تحتاجه الأسرة. ولقد تعاونّا معاً لتوفير مكيف هواء لعائلة، وملابس، وبطانيات، ولوازم أخرى»، معربة عن أملها في أن تتوسع Helping Handzzz وأن تفتتح يوماً ما ملجأً للمحتاجين يحمل اسمها.
Leave a Reply