الحديث في الحلقة الاخيرة عن أحياء ذكرى عاشوراء وما دار حولها من جدل على المستويين النظري والعملي لن ينتهي ما دام هناك مجتهدين في هذا الإعتقاد ومجتهدين في رفضه، بيد أن في الموضوع محطات مهمة ينبغي التوقف عندها ودراستها بشكل شمولي عند الطرفين، والدراسة لهذا الموضوع الشائك تقتضي أمرين مهمين:
أولاً: الدراسة والتحقيق على قاعدة التخصص في العلوم المرتبطة بهذه القضية، يقول العلاّمة الكبير السيد محمد حسين فضل الله: «وفي هذا الإطار فلا بد من دراسة السيرة الحسينية دراسة علمية موضوعية، لأن مابين أيدينا من كتب السيرة فيه الغث والسمين، وهو يجمع في طياته بين المتناقضات، وما لا ينسجم مع طبيعة الأمور، وليس من الضروري أن يتم الجمود عند سند الرواية بالدقة العلمية التي يؤخذ بها في الفقه، ولكن لا بد من دراسة الروايات في مضمونها من حيث طبيعة علاقتها بالواقع من حولها، حتى نستطيع أن نركزها على أساس وقاعدة ثابتة».
وقال سماحة السيد الغريفي كلمة له في أحد المؤتمرات: أختم كلمتي بالإشارة إلى واحد من هذه الأخطاء إلا وهو «غياب التحقيق والتدقيق في مرويات ومنقولات السيرة العاشورائية» ما أوجد كماً كبيراً من «الدخيل والمكذوب والخرافة» في الموروث الذي يعتمده بعض خطباء المنبر الحسيني. وأضاف: «كل ذلك ساهم في إنتاج كم كبير من الروايات الموضوعة، والقصص المختلقة، والصور الموهومة، ما أوجد تشويشاً وإرباكاً وإساءة إلى عاشوراء… بل جنح البعض إلى اعتبار هذه المرويات والقصص هي التي تعطي لقضية كربلاء ديمومة واستمراراً وتجذراً في وجدان الناس… وهي التي تحرك المشاعر والعواطف والدموع…».
ثانياً : التجرد من المؤثرات الخارجية التي تنحرف عن الصواب في التحقيق للوصول على منطقة تجمع طرفي النزاع في دائرة البحث عن الحقيقة التي تخدم المصالح العليا وفي مقدمتها الدين الاسلامي الحنيف ورسالته القرآن الكريم ثم مراعات الخصوصية للمدارس التي تنشد حماية وحصانة الدين. وهنا لا بد من الإعتراف بالواقع الغامض الذي مرّ به الشيعة مع مراجعهم الذين لم يعرف عنهم القيام بمشاركة الناس بالعمل بتلك الطقوس، اللهم إلا من لطم الصدور لطماً خفيفاً لا يخرج الانسان عن وقاره، والاغلب من الفقهاء يكتفي بالحضور في مجلس العزاء، أما الموقف الشرعي والحكم على بعض الممارسات فإن الآراء ليست متفقه. والإيجابي منها يشوبه الغموض، ويصرح البعض من الفقهاء أن هذه الطقوس تجذرت في الوجدان الشعبي الى الحد الذي يتحرج، الفقهاء من إصدار حكم بالتحريم، إلا في حالة وصول الفقيه الى سدة الحكم ويكون رأيه نافذاً عبر مؤسسات الحكم كما هو الحال في جمهورية إيران الاسلامية وهي البلد المسلم الوحيد الذي يشكل الشيعة الغالبية الساحقة فيه، والذي يحكمه نظام ذو أيديولوجية دينية شيعية، منعت الدولة رسمياً طقوس التطبير لأنها تسيء إلى صورة المذهب الشيعي، كما إنها تتعارض مع المبدأ الإسلامي القاضي باحترام الجسد البشري. وبالرغم من هذا المنع الرسمي إلا أن طقوس التطبير لا تزال تـُمارس في إيران، وتتغاضى أجهزة الدولة عن ذلك. وحاولت الدولة الإيرانية إظهار الجوانب المتميزة والمقبولة في الوقت نفسه من طقوس عاشوراء، مثل إعادة تمثيل واقعة الطف من قبل ممثلين شعبيين متطوعين. ويـُعرف هذا الطقس في العراق باسم «التشابيه». وطالبت إيران هذا العام بإدراج هذا النوع من الاحتفالات لدى المنظمة الدولية للثقافة والتربية والعلوم (اليونسكو) بوصفه تراثاً ثقافياً إيرانياً.
المحطة الأولى: منهج الحوار في القضايا الساخنة والمواجهات الفكرية، فإذا كانت القضية محل تقديس ومكانتها في قلوب الناس لها الحيز الأكبر، كما هو الحال في مع مأساة الامام الحسين عليه السلام، ويكون التباين في فهم العمل بها، فلا بد من التنافس المقدس الذي يرقى الى قدسية هذه القضية، وينبغي لأصحاب الرأي أن لا يبخلوا بعطائهم الفكري الذي يكشف الحقيقة للناس، فليس من العقل والحكمة أن يبادر الناس بالعطاء لهذه القضية بكل غال ونفيس ويضحون حتى بأنفسهم ودمائهم لاعتقادهم بالحسين عليه السلام بينما يخوض المفكرون والخطباء وبعض العلماء معارك للإنتصار لآرائهم منهم من يثبت ومنهم من ينفي ولكن المسافة تتسع بين الفريقين.
المحطة الثانية: التجديد والتطوير في فهم القراءات الفكرية المرتبطة بالدين وكل ما يرتبط بالدين، فإذا كان الدين الاسلامي هو خاتمة الرسالات وهو للبشر كافة، فهل يحق لمن يتبنى الدفاع عن الدين أن يفصل ويجزء أهم القضايا التي حدثت من أجل الدين وأعتبارها قضية خاصة به يحارب المسلمين ويفسر الدين برأية ويرغم الناس على قناعاته، هذا هو الواقع المر الذي يعيشه المسلمون اليوم، فهل يأتي الوقت الذي يتمكن المسلمون من معالجة قضاياهم الفكرية كما يفعل الغربيون؟
Leave a Reply