في الأسابيع القليلة الماضية لبىّ رجل الدين البارز عضو المجمع الفقهي الإسلامي ورئيس قسم الدراسات المدنية بكلية الملك فهد الامنية وعضو لجنة النصيحة، الأستاذ بالمعهد العالي للقضاء الدكتور محمد بن يحيى النجيمي، دعوة المفكرالإسلامي الشيخ حسن الصفار في مكتبه بمدينة القطيف التي تقطنها أغلبية شيعية، وهي المرة الأولى التي تجتمع مثل هذه الشخصية مع نخبة من رجال الدين والمثقفين والأدباء والوجهاء، ناهز الألف كما ذكرت بعض التقارير، والجدير بالذكر أن هذه الدعوة جاءت بعد أسبوع من مؤتمر مكة للحوار الإسلامي الإسلامي، الذي يمهد لمؤتمر حوار الأديان المزمع عقده في القريب العاجل. وذكرت مصادر شيعية مقربة أن الدعوة جائت على خلفية صدور بيان وقع عليه 22 عالماً يمثلون الخط الأول في سلم الرتب العلمية للمؤسسة الدينية السعودية، وهدف الزيارة تهدئة الخواطر وإمتصاص الغضب بشأن تلك الفتوى التي وصفت المذهب الشيعي أن له «أصول كفرية» ولم تكن هذه الفتوى هي الأولى التي صدرت بتكفير الشيعة، لكن الجديد في الامر أن تعلن شخصية بهذا المستوى موقفها الصريح أمام هذه النخبة بقوله «…. أنا لست معهم ولست منهم، وأنا في خط غير خطهم»، يقصد من وقّعوا على البيان، وقد أثار حديث الدكتور النجيمي جدلاً أثناء المحاضرة وبعد أن تناولتها الصحافة المحلية.
لقاء غير مثمر عملياً
عنوان المحاضرة «أصول يجب أن يتفق عليها المسلمون ووجوب الوحدة الوطنية» وحاول شرح الأسس التي تحكم العلاقة بين المواطنين السعوديين وتجعلهم متحدين، ولخصها في ثلاثة محاور:
المحور الأول: إن جميع سكان البلاد مسلمون يؤمنون بقرآن واحد.
المحور الثاني: أن جميع الطوائف الإسلامية تحب الرسول (ص) وتؤمن برسالته السماوية.
المحور الثالث: إن الجميع يحب أهل البيت، ويعتبر حبهم فضلا كما يحب جميع صحابته.
وقد استعان الدكتور النجيمي في محاضرته على كتاب لمضيفه الشيخ حسن الصفار، اسم الكتاب «نحو علاقة أفضل بين الشيعة والسلفيين» محاولاً توجيه خطابه للجمهور من خلال أفكار وحدوية شدّد عليها الشيخ الصفار وهي تتوافق وتنسجم مع منهجه خصوصاً تلك القناعات في تحريم سب الصحابة أو تحريف القرآن، وأن من يقول ذلك أما جاهل أو مغرض، وبنقل هذه التصريحات يكون قد أوصل الرسالة إلى جمهور الشيعة من لسان علمائها ومشايخها.
المأزق الذي وقع فيه الدكتور النجيمي
بعد إنهاء محاضرته التي إستغرقت 54 دقيقة، تعرض إلى وابل من الأسئلة وطلب منه الإجابة الصريحة في تحديد موقفه من بيان 22 شيخاً سلفياً أفتوا بكفر الشيعة.
وكانت الإجابة خجوله وصلت إلى حد الإستخفاف بعقول الحاضرين من حيث لا يشعر ولا يقصد المحاضر، فهو في الوقت الذي يتبرأ من أصحاب البيان ويقرّ أنه ليس منهم وأنهم، أي الموقعين على البيان، ليسوا مرجعية لأهل السنة، في نفس الوقت كان دفاعه عن البيان وأهله، دفاعاً لا يحتمل التأويل، فالقول بأنهم لا يقصدون كل الشيعة قولا يجانب الحقيقة، كما أن تفنيد سبب صدور هذا البيان هو ما حدث في وسط بيروت من تعدي بعض الشيعة على لوحات ارشادية في طرقات بيروت تحمل أسم أم المؤمنين عائشة! هذا التبرير «إن كان صحيحاً» لا يخول الدكتور النجيمي إلتماس العذر لمن وقعوا على بيان التكفير، وهل الذي حدث في بيروت يجوّز للمشايخ أن يصدروا فتاوى التكفير التي تؤدي الى التطرف وإباحة حرمات المسلمين، معتمدين على أكذوبة وصلت إلى أسماعهم لم يتحققوا منها.
كما أن المقارنة بين هذا البيان الموقع من 22 عالماً لهم مكانتهم في المؤسسة الدينية السلفية وبين التصرف ألأهوج من شاب في الكويت ليس له درجة علمية ومردود عليه من أربعة عشر عالماً شيعياً تبرأوا من أقواله. هذه المقارنة تعد تعتيماً وتضليلاً عن خطر هذا البيان الذي أربك أعمال المؤتمر ونسف جهود الحكومة السعودية الساعية لتأليف القلوب ودرء الفتن.
إن دعوة الشيخ حسن الصفار الرموز السلفية المعتدلة في المملكة العربية السعودية الى التصدي للبيانات التكفيرية، وقوله بأن الشيعة في العالم مجروحون من بيان التكفير، ينبغي أن يقابل بالترحيب والمشاركة من الدكتور النجيمي، لا بالإنزعاج ونشر بيانات على الإنترنت ينفي ما حاصل في مكتب الشيخ الصفار، كما أن تقرير الصحفي منير النمر الذي نشر في جريدة الرياض عن اللقاء، يستحق الشكر، بدل التشكيك والتكذيب.
إن الموقف الشجاع من الدكتور النجيمي في تلبيته دعوة الشيعة وقناعته بأن الحوار هو أقصر الطرق للوصول إلى معرفة القضايا الخلافية ومعالجتها عن قرب، هو مؤشر على وجود رجالات مخلصة لأوطانها تبحث عن الحق وتتحمل في ذلك مصاعب ردود الأفعال من الذين لا يريدون للخير أن ينتشر.
Leave a Reply