عندما نتحدث مع أي كان من أهلنا وجيراننا وأصدقائنا عن التجاوزات التي نقترفها كل يوم في مدينتنا الجميلة، ديربورن، أو في أي مكان نحل فيه، مثلاً عن القيادة المتهورة في الشوارع، أو رمي المهملات وتركها في الحدائق العامة، والتحدث بصوت عال والتذمر والتأفف عند الوقوف في طوابير الانتظار لإنهاء بعض المعاملات في الدوائر العامة، أو في البنك، أو حتى في الأسواق التجارية، وكذلك التزاحم حتى التصادم أمام المدارس والثانويات والقهاوي.. لو تحدثت أو تذمرت أو قلت يا جماعة: متى نبدّل ما بأنفسنا وتعلم من الغرب بعد هذه السنوات العديدة من العيش بينهم؟ أما آن الأوان لكي نتعلم بعض النظام واحترام القوانين بعيداً عن التشاطر والفهلوة والوساطة والادعاء بأن كلّاً منا هو «ابن جلا وطلاع الثنايا»؟
حتماُ سيكون رد الجميع بالموافقة على ما تقول ويعمل من نفسه، النبي المنزل الذي لايخطئ ولا يقود سيارته بتهور ولا يرمي المهملات كيفما وأينما كان، محملاً المسؤولية دوماً للآخرين. وإذا كنت أنا وأنت وهو وهي «حاجة عظيمة وقمة في الذوق» كما يقول إخوتنا المصريون، ولسنا سبب التلوث والإزعاج لأنفسنا وللجيران، فمن إذن يتحمل مسؤولية كل الأفعال المنافية للذوق والتحضر؟ هل هم الآتون من المدن المجاورة إلى ديربورن متقصدين تشويه مدينتنا وعدم الالتزام بقوانين المرور ورمي المخلفات حولهم كيفما اتفق؟
الأسبوع الماضي، حضرت تكريم الدكتور عبد المطلب السنيد، وهو أديب وفنان عراقي. وكان المدعوون في ذلك الحفل من الفنانين والمثقفين والشعراء والإعلاميين، وقد تحدث البعض منهم بعد الاحتفاء بالدكتور السنيد، عن أملهم في عودة العراق وسعيهم الدائم لأجل ذلك، لكن المضحك المبكي أنه وبعد انتهاء الحفل وانفضاض المتسامرين، ترك الجميع قناني المياه وأكواب القهوة والشاي الفارغة على الأرض، رغم وجود حاوية بجانب القاعة. وقد سألت أحد المصورين أن يصور ذلك المنظر المقزز، فرفض، وقال لي: عيب!، ولم أعرف العيب على من؟
لقد أصاب كامل الحقيقة، عضو بلدية هامترامك، عندما قال «إن بعض المهاجرين لا يقدرون النظافة في منازلهم وأحيائهم وشوارعهم». إنها ثقافة الإيمان بقلة النظافة.
لم يكن هناك داعٍ بالمرة للصراخ والزعيق والخطابات العنترية خلال الاحتفال بالذكرى الـ39 لتغييب السيد موسى الصدر الذي أقامته «حركة أمل»، الأسبوع الماضي، في قاعة المجمع الإسلامي بديربورن.
كثيراً ما نقع نحن – كعرب ومسلمين– فيما نحذر منه وننهي عن عمل ونأتي بمثله، أو بأفظع منه، فزمن الخطابات الرنانة والانفعال في المهرجانات الاجتماعية والدينية صارت ماضياً لم يعد يجذب جيلنا السابق ولا جيل أبنائنا اللاحق.
متى سنتعلم أن الغوغائية ورفع الصوت هو استعراض لظاهرة تدعو للأسف وهي تميّع أي خطاب عقلاني متزن عن طريق الهياج وتحويل المناسبة إلى شجار انفعالي زعيقي مع أحد ما، إن نتذكر موسى الصدر.. لا يكون بالخطابات واللافتات التي ننساها في القاعة بعد انتهاء الاحتفال، وإنما نتذكره بما أثّر بنا ولمس عقولنا وقلوبنا بنهجه المعتدل وتفانيه في خدمة الفقراء وعفته عن أكل أموال اليتامى والتبرعات.. نتذكره حين نطبق القيم الإنسانية التي لا يصدق الغرب أن معظمنا يحيى على هديها ولا يتاجر بها!
Leave a Reply