مثقّفون.. مثقّفون.. مثقّفون.. يدرون ولا يدرون ماذا يفعلون، يُعلّقون على نصوص تُكتب، وينتقون مفردات تُخرج الآه.. من صدور محبي اللّغة. يكتبون.. ويكتبون الحبّ والموسيقى والحياة.. والله. يرسمون صوراً نادرة يشعر القارئ معها أنه في الجنّة. هم يعلمون أن المثقّف هو من يقترب من إنسانيته، وهو من يدافع عن الإنسان وكرامته وحرّيته، فالمثقّف هو من يعرف أكثر من غيره وعليه تبعات أكبر في الحياة وفي المسؤوليّة.
وإذا اعتبر أحدهم نفسه مثقّفاً، عليه أن يأخذ الوقت الكافي في تمحيص أي موضوع يريد النقاش فيه، وان يأخذ كل المواضيع الإنسانية على محمل الجد. والمثقف في بلادنا هو جزء لا يتجزّأ من المجتمع الذي يعيش فيه، فتجده يتأثر بالغلاء كما بأي قرار يصدر عن الدولة العليّة، (أي دوله كانت).
منذ أسابيع قليلة بدأت أزمة في فرنسا سببها تغيير في قانون التقاعد أدت إلى انتفاض الشعب الفرنسي للتعبير عن رأيه ضد الحكومة. ولا تجد الدولة الفرنسية إلا أسامة بن لادن لإنقاذها فتلجأ إليه لتبعد شبح الأزمة المستعصية التي إذا استمرت، يمكن أن تقضي على الحكومة الحالية في بلد يتمتع شعبه بحرية التعبير عن الرأي. وكما نرى فإن الأنظمة الرأسمالية لا تتردد أيضاً بالاعتماد على بن لادن، كذلك الأنظمة التابعة لها في منطقتنا الغنيّة، بالبترول طبعاً. تجدها كلما بدأت أزمة، تلهي الناس بالإرهاب وبن لادن.
لكن الأنظمة في منطقتنا الغنية، بالثروات الطبيعية، طبعاً، تدرك أن حتى بن لادن لا يستطيع مساعدتها في تلبية كل الحاجيات الملحّة. فتلجأ إلى شراء محطات التلفزة والإذاعات ودور النشر وصولا إلى صحف كبيرة. كذلك تلجأ إلى شراء بعض الكتّاب الذين اشتهروا أصلاً بقول الحقيقة. فيقومون بدفع ملايين الدولارات من أجل تغيير الحقيقة على يد هؤلاء الكتّاب.
وفي أيامنا هذه، نرى بعض المثقّفين الذين يعترضون على أنظمة تقوم بقمع الناس وتمنعهم من قول ما يريدون، لكنهم ينشرون في صحف تابعة لدول تقمع شعوبها هي الأخرى. أي يطالبون بالديمقراطية بشكل استنسابي. وبعض هؤلاء يجد الوقت الكافي ليعطي آراءه بمواضيع شتى. تراهم يطالبون بحرية التعبير عن الرأي لشعوبهم ويقبلون بعدمها لشعوب أخرى، كمثل بعض المعارضات في منطقتنا والتي تطالب بالحرية لكنها تعترض على المقاومات التي تقاتل المحتل من أجل الحرية، بحجج ان تلك المقاومات اسلامية كما كانت في السابق ماركسية أو ناصرية أو قومية، ولكل مرحلة أعذارها، لكنها ومهما كانت فهي تنتقد أي جهة تقاوم وترفض وجود إسرائيل.
وفجأة تبدأ بقراءة مقالات مثلاً، تهاجم حماس كونها حركة إسلامية في جريدة سعودية أصحابها سلفيون؟؟ بعدها يبدأ هؤلاء الكتاب بالتفنّن والابداع.. فيخترعون قصصاً وروايات تخبرنا أنه ليس ثمة انتخابات ديمقراطية في سورية وينشر المقال في جريدة مصرية وكأن مصر هي واحة الديمقراطية والأنتخابات الحرة! أو يعدّون تقريراً في قناة “العربية” عن معاناة المرأة في إيران مثلاً؟ وكأن المرأة تتمتع بكامل حقوقها في السعودية! لكن هذا الإفتراء يفعل فعله في شرائح كبيرة من شعوبنا العربية، كون هذه الشعوب تعتمد كثيراً على تلك الفضائيات. ناهيك عن بعض الفضائيات التي تنشر سموم التفرقة المذهبية والتي لا يستفيد منها سوى اسرائيل.
في هذه الأيام، تفبرك الدول الكبرى وإسرائيل طبعاً، قراراً ظنياً، من خلال المحكمة الدولية يتهم المقاومة في لبنان بجريمة إغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري، وهم يدركون أن قراراً كهذا يمكن أن يؤدي إلى فتنة في لبنان وهي محاولة تقوم بدفع لبنان الى حافة حرب أهلية جديدة من خلال استحداث فتنة سنية-شيعية، لا يستفيد منها الا إسرائيل. باختصار هم يريدون أن ينفذوا ما لم تقدر عليه إسرائيل في تموز 2006.
وفي هذا السياق بدأ بعض مدّعي الثقافة على الفيسبوك، بنشر تقارير تحرّض ضد المقاومة في لبنان. وآخر بدعة كانت فيلما على “اليوتيوب” عن السيد حسن نصرالله يدعو لقيام جمهورية اسلامية في لبنان. واللافت أن الذي وضعه يصف نفسه أنه شاعر وكاتب. وهو لم يحاول أن يلغي إهانات على صفحته ضد المقاومة، فقط لانه مع “الرأي الآخر”.
لم ينتبه ذلك الشاعر أن فيلم “اليوتيوب” المذكور عمره أكثر من 25 سنه وأن حزب الله كان قد ألغى من أدبياته فكرة الجمهورية الإسلامية في لبنان، وقد أثبت ذلك قولاً وفعلاً بعد الإندحار الإسرائيلي من جنوب لبنان بعد هزيمتهم على أيدي المقاومين اللبنانيين. وكان أقصى ما فعلته المقاومة هو تسليم العملاء للدولة اللبنانية بدل إعدامهم ميدانياً.
أسأل عن السبب الذي أدى بهذا الشاعر المرهف أن يضع هذا الفيديو في هذا الوقت بالذات؟ لماذا كلما اقتربنا من استحقاق دولي، نرى استحضاراً لأي مادة تساهم في التحريض المذهبي والطائفي؟ ومن المستفيد من كل هذا؟
إن الدور الذي تقوم به مجموعة من الكتّاب البارزين في العالم العربي، لهو أخطر من دور الصحافة الإسرائيلية، فهم يدّعون أنهم ضد إسرائيل، لكن أقلامهم لا تهدأ وهي تكتب ضد أي جهة تقاوم إسرائيل. في الماضي، كتبوا عن الناصرية المتهورة، ثم كتبوا عن الماركسية الملحدة والآن يكتبون عن الإسلاميين الظلاميين. يكتبون ويهاجمون أي شيء ضد إسرائيل، والتمويل واحد. لذلك ولأننا نعرف أن بعض المثقفين ينشرون بهدف المعرفة والنقاش، نتمنى عليهم أن يتوخوا الحيطة والحذر من نشر مواد قد تضر قضايانا الإنسانية وفي مقدمتها قضية فلسطين، ولنبقَ معاً من أجل تحرير الأرض والإنسان في كل ما ننشر.
Leave a Reply