بعد أيام قليلة من حادثة سقوط رافعة كبيرة فـي الحرم المكي أودت بحياة ما يزيد عن مئة شخص وإصابة أكثر من مئتين، تأتي الأخبار المفجعة بوتيرة متلاحقة لتحدثنا عن موت مئات الحجيج فـي منى بمكة المكرمة ما يضيف حلقة جديدة إلى مسلسل الموت والقتل اليومي الذي تشهده أوطاننا على مدى السنين الخمس الماضية، وليتحول أبهج أيام السنة، عيد الأضحى المبارك، إلى يوم حزين آخر يراكم الأسى والإحباط فـي نفوس العرب والمسلمين.
لاشك أن استقبال السعودية لحوالي مليوني حاج من كافة أنحاء العالم هو مسؤولية ضخمة، ولكن هذا لا يعفـي القائمين على تنظيم مراسم الحج من تحمل مسؤولياتهم فـي سقوط مئات القتلى الذين يقضون دهسا تحت الأقدام أو اختناقا نتيجة الكثافة، خاصة وأن لدى المملكة إمكانيات هائلة يمكن استغلالها فـي إيجاد الحلول التنظيمية والهندسية التي تقلل من خطر الموت.
لا يكاد يمر موسم حج بدون سقوط ضحايا، ففـي كل سنة يموت ويصاب العشرات وفـي أحيان كثيرة المئات، وكان على السلطات السعودية خلال السنوات السابقة أن تجد حلولا لهذه المأساة السنوية المتكررة. وصحيح أن الحادثة الأخيرة هي الأكبر من نوعها خلال ربع قرن حيث تم تسجيل مقتل حوالي 800 حاج وإصابة أكثر من ألف آخرين، تشير بعض الأرقام التقريبية، فـي السنوات الماضية، إلى سقوط أكثر من 360 قتيل فـي العام 2006 وأكثر من 244 قتيل فـي العام 2004 وأكثر من 180 قتيل فـي العام 1998.
وفـيما تعزو السلطات السعودية أسباب الحادث الأخير إلى عدم التزام الحجيج بالتعليمات والإرشادات ما أدى إلى حدوث ازدحام كبير وتدافع شديد بين الحجاج عند منشأة الجمرات، ترجع بعض المصادر أسباب الحادثة إلى أخطاء تنظيمية تظهر عدم كفاءة العربية السعودية فـي إدارة مراسم الحج.
والمثير للألم والحنق، أنه من الصعب معرفة الأسباب الحقيقية للحادثة بسبب سياسات المملكة المتكتمة التي تقوم على «لفلفة» الموضوع وطي أوراقه للتنصل من المسؤوليات الرسمية والأخلاقية، ذلك أن أفرادا من الأسرة الحاكمة يقفون على رأس الجهاز التنظيمي فـي كل مدينة سعودية، ولم يحدث أن تمت محاسبة أي من «أمراء آل سعود» على الأخطاء والتجاوزات، ولا يسمح أصلا التساؤل والتحقيق الذي من المحتمل أن يثبت تورط بعضهم فـي حادثة مأساوية من الحوادث.
واتصالا بعيد الأضحى المبارك وشعائره المقدسة، يتعرض الإسلام فـي كل موسم إلى حملة عالمية شديدة على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب شعيرة «الأضحية» التي تتحول الى موضوع لسخرية المتعصبين والمتحيزين وصلت إلى حد إطلاق حملات تطالب المسلمين بالتوقف عن ذبح الخراف والحيوانات الأخرى.
ومن الطبيعي فـي هذا السياق أن يستثمر هؤلاء المتعصبون الناقمون على الإسلام والمسلمين حوادث مقتل الحجيج الموسمي، وأن يجدوا مادة «دسمة» للسخرية من فريضة الحج، وأن يتندروا على «سلوك الحجاج الفوضوي» فـي أعظم الأماكن قداسة لديهم.
وبالطبع، لا يمكن تحميل السلطات السعودية مثل تلك الحملات وارتداداتها، ولكن أقل القليل يتطلب مساءلة تلك السلطات لتكشف عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى مقتل مئات الأشخاص.
Leave a Reply